استحقاقات لبنان في مطبخ «وراء الكواليس»

ت + ت - الحجم الطبيعي

انشغلت الأوساط اللبنانية بالتطورات الدامية والمواجهات في فلسطين المحتلة، والتداعيات الخطيرة لنقل السفارة الأميركية إلى القدس، إلّا أن ذلك لم يحجب الترقّب لرؤية طبيعة المشهد السياسي الجديد الذي سينشأ عن انطلاق عمل مجلس النواب الجديد، ومن ثمّ الشروع في استحقاق تسمية رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة الجديدة.

وفيما سارع العالم إلى إطلاق دعوات لممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وتقرّرت جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي حول غزة، جدّد لبنان رفضه إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، ورأى رئيس الحكومة سعد الحريري في نقل السفارة الأميركية إلى القدس «خطوة تضع كل المسارات السلمية في المنطقة أمام جدار مسدود».

وفي غمرة التطورات، ظلّ لبنان منشغلاً باستعداداته للاستحقاقين النيابي والحكومي، وانهمكت القوى السياسية في تقويم نتائج المشاورات الداخلية التي جرت خلال اليومين الماضيين بين الرؤساء الثلاثة، لجهة الاستحقاقات الدستورية المقبلة، على صعيد إعادة هيكلة المؤسسات، في ضوء نتائج الانتخابات. وفيما تدل كل المؤّشرات على أنّ استحقاق انتخاب رئيس مجلس نواب ونائبه وهيئة مكتب المجلس، سيمر بسلالة ومرونة، فلن يسري هذا الأمر على استحقاق تشكيل الحكومة ولو أنّه لن يكون صعباً، في ظل استمرار الصدام السياسي بين مختلف الأطراف، ما سيؤثّر حتماً على عملية التشكيل.

ويتمثّل الاتجاه الثابت، مع بداية ولاية المجلس المنتخب، في تجديد الدم في عروق التسوية السياسية التي بدأت مع انتخاب الرئيس العماد ميشال عون، مع إلباس هذه التسوية هيكلية جديدة، بمعنى ألّا تغيير في أركان التسوية، ولا في واقع الرئاسات، باعتبار أنّ إعادة انتخاب الرئيس نبيه بري لرئاسة المجلس محسومة، وإعادة تسمية الحريري لرئاسة الحكومة محسومة أيضاً، لأنه سيحظى بدعم أغلبية النواب في استشارات التكليف، إلّا أنّ الأمر الذي سيشكّل الاختبار الشاق المحتمل هو تشكيل الحكومة الأولى بعد الانتخابات، والتي يرجّح أن تكون بمثابة مخاض عسير، نظراً لخريطة الحصص النيابية الجديدة وتوزّعها، وتطورات أخرى تتصل بحسابات الداخل والخارج للمرحلة المقبلة.

وفي ظل تفجّر الوضع الإقليمي، رأى الرئيس نبيه بري أنّ التأخّر في تشكيل الحكومة هو أخطر مما يحصل إقليمياً، لأنّ ذلك يعتبر ضرورة ملحة، لافتاً إلى أنه مع تشكيل حكومة وفاق وطني أو ما تسمى حكومة وحدة وطنية، فيما كان لافتاً تأكيد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أنه بموجب القانون السابق كان يتمّ تشكيل حكومات اتحاد وطني، فيما يمكن بموجب القانون الجديد أن تتشكّل حكومة أكثرية وبقاء المعارضة خارجها إذا رغبت.

وتعيش الساحة اللبنانية وكواليسها أسبوعاً ارتدادياً لمشهد نتائج الانتخابات، في حين رسم الصمت الذي عمّ مختلف الأوساط والكواليس السياسية صورة معبّرة عن طبيعة المراجعات والحسابات السياسية الدقيقة التي تجريها كل القوى في شأن مشروع المرحلة المقبلة، باستحقاقاتها البرلمانية والحكومية المفترض أن تنطلق في 22 أو 23 مايو الجاري، مع جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب ونائب الرئيس وهيئة مكتب المجلس، وذلك قبل انخراط الجميع في منظومة التكليف والتشكيل لحكومة العهد الأولى.

ولم تقتصر الاستعدادات لهذين الاستحقاقين على اتصالات وراء الكواليس، بل يبدو أن ثمة اتجاهاً لتحويل جلسة مجلس الوزراء، اليوم، إلى جلسة إقرار الكثير من البنود العالقة، بما يعكس تحسباً لإمكانية مد فترة تصريف الأعمال للحكومة بعد 20 الجاري، بما لا يمكن معه انتظار تشكيل حكومة جديدة لبتّ بعض الملفات الملحّة. وانهمكت القوى السياسية في تقييم نتائج المشاورات الداخلية، في إطار سياسة الثواب والعقاب والمحاسبة، ومشاورات مع سائر الأطراف في محاولة للاتفاق على مشروع المرحلة بكل تحدياتها.

تشابه

وبدأ لبنان يتعامل مع الوقائع التي أنتجتها الانتخابات، وكيفية ترجمتها على صعيد توزّع القوى في الحكومة المقبلة، فيما يبدو الجنوح واضحاً في اتجاه اعتبار أن الانتخابات أعادت نفس الموازين التي كانت قائمة قبلها، ما يعني إضافة لعودة الرئيسين بري والحريري إلى منصبيهما، أن تكون الحكومة المقبلة شبيهة الحالية في توزيع حقائبها وبيانها الوزاري، الأمر الذي يرى فيه مراقبون محاولة واضحة لاستخدام نفس استراتيجية الإلغاء التي اتبعها حزب الله مع انتخابات 2005 و2009 التي فاز بها فريق «14 آذار».

Email