فلسطين

دير حجلة.. سياحة وتاريخ وهويّة

دير حجلة التاريخي يستقطب المئات من السياح يومياً | أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في مدينة أريحا الفلسطينية، مدينة القمر والنخيل، وأقدم مدن العالم، وعلى بعد نحو ثلاثة كيلو مترات غربي نهر الأردن، يتربع «دير حجلة» التاريخي، ليستقطب يومياً المئات من السياح، لا سيما الذين يقتفون آثار الرهبان، الذين عاشوا في الدير الأقدم في فلسطين، وربما في العالم أجمع.

ومن بين زواياه الأثرية، ولوحاته الفسيفسائية العتيقة، لا يزال دير حجلة، يبوح بأسراره وحكاياته مع إشراقة كل صباح، حيث يستقبل زائريه وقصّاده، من مختلف بقاع الأرض، وعلى اختلاف أديانهم، برسالة سلام دينية، يغلّفها الطابع الثقافي والحضاري، الذي يرمز للهوية العربية الفلسطينية.

ويشرح الأب خريستو، المسؤول بالدير، لـ«البيان» أن هذا الدير بناه القديس «غراسيموس» عام 455 قبل الميلاد، حيث أقيم -كما يقول- على أساسات المغارة التي ارتاحت فيها السيدة العذراء، خلال رحلتها من مدينة الناصرة إلى بيت لحم، لافتاً إلى أنه شهد على مدار السنوات الأخيرة عمليات ترميم عديدة.

وخلال ذلك تم العثور على قطع بلاط تعود للعام 1880، ووجدت تحته قطع «موزايكو» قديمة، مضيفاً: «أحضرنا بعض علماء الآثار، وعملنا على إنشاء مصنع خاص بالدير، لعمل لوحات موزايكو مشابهة، وإضافة لذلك، شيّدنا زوايا عديدة، أضيفت للدير، بما يؤهله للوصول إلى درجة الاكتفاء الذاتي.

ومن ثم تقديم المساعدة للمحتاجين، فأقمنا مدرسة للنجارة، وورشة لتعليم الفسيفساء، يدرس فيها طلاب جامعيون من اليونان وغيرها، إلى جانب مصنع للشموع، الخاصة بالأعياد المسيحية»، لافتاً إلى أنه في ردهات الدير، يعمل حالياً، العشرات من المسلمين والمسيحيين، جنباً إلى جنب، إذ أصبح مصدراً لدخل العديد من الأسر الفلسطينية، علاوة عن كونه يؤشر بوضوح على الهوية الوطنية والحضارية التي يحملها للعالم.

جذور التاريخ

في دير حجلة، ترشدك الأرضيات المرصوفة بالفسيفساء البيزنطية، والرسومات الإغريقية المنقوشة على جدرانه، إلى أساطير تضرب في جذور التاريخ، وتعود إلى حقبة القديسة هيلانة، التي عاشت لفترة طويلة في صحراء الأردن.

على مدخله المحفوف بالأشجار الشاهقة والكثيفة، يتموضع تمثال نحاسي لأسد، تنقل الروايات الأسطورية المتواترة، بأنه أصبح صديقاً حميماً للقديس غراسيموس، بعد أن عالجه في ذات المكان.

ويوضّح العاملون في الدير، أن هذا التمثال أحضر من اليونان، بينما تنتشر القطع الأثرية النادرة والثمينة على مساحته، ومن بينها «تابوت» يرجع للعهد الروماني، ويظهر في الواجهة، شعار الامبراطورية البيزنطية حاملاً النسر ذا الرأسين، وتتجلى في هذه اللوحات الإبداعية، حرفية الحضارة البيزنطية، فتسكب عليها جمالاً أخّاذاً.

وتحيط بدير حجلة أشجار النخيل التي جعلت منه واحة خلابة في هذه البقعة الصحراوية التي لا يكلّ الاحتلال الإسرائيلي ولا يملّ من محاولات وإجراءات منع ترميمها، في محاولة للحد من توافد الزوار إليها.

مكان مهجور

أثناء تجوالك في دير حجلة، الذي تحوّل من مكان مهجور، إلى أشبه بمنتجع سياحي، تشتم فيه عبق التاريخ، وتندهش لجمالية المشهد وروعة المكان.

حيث الطيور والأزهار على اختلاف أشكالها وألوانها، علاوة على ما يحويه من مرافق عامة، كالمطاعم والفنادق والمسابح والملاعب، وبين ثناياه التاريخية، يستعد العشرات من العمال الفلسطينيين والخبراء اليونانيين، لإنجاز أكبر خارطة لفلسطين، مصنوعة من الفسيفساء الخالص، في خطوة ستكون مقدمة لدخول موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية، وتشكل تحدياً للاحتلال، الذي يحاول بإجراءاته العنصرية، منع البناء والتوسعة في المكان الأعرق في العالم.

 

Email