فبركة الوثائق.. تقليد «عريق» في السياسة القطرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

مرة أخرى يتجه نظام الدوحة عبر أدواته المتعددة إلى فبركة الوثائق في محاولة بائسة منها لخدمة أجنداتها في المنطقة، وآخرها الوثيقة التي نشرها موقع «عربي 21» بهدف الإساءة إلى العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات العربية المتحدة والجمهورية التونسية.

ويرى المراقبون أن قطر التي تقوم بتمويل المئات من المواقع الالكترونية وعدد من الجيوش الإلكترونية في عدد من الدول العربية، تعتمد على الفبركة والتحريف والتزوير والتزييف في سعيها للإساءة إلى الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، وإلى كل بلد تتناقص مواقفه مع مشروعها التخريبي في المنطقة، وما الوثيقة التي نشرها موقع «عربي 21» وتلقفتها عشرات المواقع والصفحات المرتبطة بالتنظيم الدولي للإخوان، إلا دليل آخر على فقدان نظام الدوحة لقيم وأخلاقيات المواجهة السياسية، واعتماده على الكذب والتدليس في بث الفتنة بين الدول والشعوب العربية.

اختراق المجتمعات

ويشير المراقبون إلى أن نظام الدوحة الذي فقد مصداقيته إقليمياً ودولياً، لم يعد يجد غير الفبركة سبيلا لتجييش أنصاره من الفوضويين والمتشددين، مستمراً بذلك في لعبته القذرة التي تستهدف الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، والأحزاب والقوى السياسية والإجتماعية العربية المناوئة لسلوكياته العدوانية ومحاولاته التدخل في شؤون الدول الأخرى عبر نشر الإرهاب والتطرف واختراق المجتمعات والتلاعب بمصالح الشعوب.

وضمن مسلسل الفبركات تعمد النظام القطري نشر وثائق نسبها، كذباً وبهتاناً، لوزارة الخارجية الإماراتية من أجل الإساءة للعلاقات الأخوية التي تربط الإمارات وتونس.

وتعلقت الوثائق المزيفة بكيفية التعامل مع الإشكال الذي حدث عقب الإجراء المؤقت بمنع التونسيات من السفر على طيران الإمارات إلى أو عبر الإمارات وذلك بناء على احتراز أمني طارئ.

وقد عملت صحف ومواقع الكترونية تونسية مرتبطة بنظام الدوحة على إعادة نشر تلك الوثائق في إطار الحملة الإعلامية الممنهجة التي يديرها عزمي بشارة ضد الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، وبخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة، غير أن أغلب الناشطين التونسيين شككوا في صدقية الوثائق، واعتبروها جزءاً من محاولات قطر الإساءة إلى علاقات بلادهم مع دولة عربية شقيقة يكن لها كل الإحترام والتقدير.

تحليل منطقي

كما أكد ناشطون تونسيون عدم صدقية الوثائق المنشورة اعتماداً على المنطق التحليلي شكلاً ومضموناً، حيث قال المستشار الإعلامي الأسبق برئاسة الحكومة التونسية الإعلامي عبد السلام الزبيدي في تدوينة على موقع «فيسبوك» إن «ركيزة النشر هي مؤسسة إعلامية دعائية ممولة من قطر، و «الوثيقة» المفترضة إماراتية في زمن الصراع الإقليمي ممّا يجعل أخذ المسافة النقدية من المضمون مسألة ضرورية تفرضها تقنيات العمل الإعلامي والاتصالي وأخلاقياتهما». وأضاف إن «الوثيقة» مطلقة السرية لم تطأها أعين كبار المسؤولين عدا خمسة منهم، ورغم ذلك تحصلت عليها ركيزة إعلامية «معادية».

وأضاف: «في حال كانت الوثيقة صحيحة فنحن أمام عمل استخباراتي وليس استقصاءً، وفِي حال كانت كاذبة فنحن أمام كذب وتلفيق وترويج لما يسميه بعض الباحثين بـ»الكذبة المقبولة«.

وتابع الزبيدي إن «المقال أسند لوزير الدولة للخارجية والتعاون الدولي أنور قرقاش صفة» سمو الشيخ«والحال أنّ الأدبيات البروتوكولية تمنحه صفة معالي الدكتور ومجرد جولة في المواقع الرسمية والتويتر توضح هذا الأمر، ولست في حاجة إلى التذكير أنّ مثل هذه الأخطاء غير واردة» إضافة إلى «خلُوّ» الوثيقة«من الختم»!

وأردف الزبيدي إن «تقدير الموقف لا يُلزم المسؤول السياسي لأنه (التقدير) عمل استشاري غير ملزم لصانع القرار الذي عادة ما يطلب في نفس الموضوع عدة تقديرات، ونظراً لاحترافية الركيزة الإعلامية القطرية فقد لجأت إلى التنسيب من خلال استعمال عبارة»يبدو«أن الخارجية قد اعتمدتها، وهذه التقنية في الكتابة أجدها عند صناع السياسة» وفق تعبيره.

تدليس الوثائق

وهذه ليست المرّة الأولى التي تعتمد فيها قطر على التزوير والتزييف والتحريف وتسريب وثائق تتم فبركتها في الغرف المغلقة التي تتولى تمويلها سواء في الدوحة أو في عدد من العواصم العربية والغربية.

وتعتبر فبركة الوثائق تقليداً قطرياً قديماً، ففي العام 1994 أصدرت المحكمة الدولية حكمها التاريخي بشأن النزاع الحدودي بين البحرين وقطر، والذي نص صراحة على تبني الموقف البحريني، وإثبات تزوير قطر لعشرات الوثائق، فسجلت المحكمة الدولية في العام 1999 رسمياً تخلي قطر عن الوثائق التي ثبت من قبل خبراء المحكمة أنها مزورة.

وتعود وقائع قضية تزوير قطر المثبتة في المحكمة الدولية إلى ما بعد انسحاب بريطانيا من الخليج العربي، إذ سعت الدوحة على مدار عقود، للاستيلاء على أراض وجزر ضمن السيادة البحرينية، مستخدمة في ذلك كل الوسائل المشبوهة من تزوير وثائق ومراسلات باسم حكام ومواطنين من البحرين، وبعض دول الخليج، فأهداف قطر العليا في المنطقة تبدأ من البوابة البحرينية.

وفي أبريل 1998 قدمت البحرين طعناً بـ82 وثيقة مزورة الأختام والأحبار ونوعية الأوراق، قدمتها قطر للمحكمة لتدعيم قضيتها، وتضمنت وثائق قطر المزورة مراسلات حكام البحرين ومواطنيها من العوائل المعروفة، إلى جانب مراسلات لحكام دول خليجية، ليأتي قرار المحكمة الدولية بتبني الموقف البحريني ورفض وثائق قطر المزورة.

تزوير التصريحات

كما انتهج النظام القطري تحريف التصريحات والتلاعب بالمضامين بما يعتقد أنه يخدم مصالحها. ففي يونيو 2017 تعرضت قناة الجزيرة القطرية التي تبث من العاصمة الدوحة، لانتقادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية ودول خليجية وعربية أخرى بعد أن اتهمت بترجمة محرفة لخطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وكان ترامب قد خص قطر ودول المنطقة بجزء كبير من خطاب ألقاه في مؤتمر صحافي في البيت الأبيض جمعه بالرئيس الروماني كلاوس يوهانس. وقال الرئيس ترامب في المؤتمر الصحافي حرفيًا:»حان الوقت لكي توقف قطر تمويل الإرهاب، وأطالب كل الدول بوقف دعم الإرهاب وبشكل فوري«.

وفي إطار سعيها لفبركة المواقف الدولية، أظهرت وسائل الإعلام القطرية بياناً من الخارجية الإريترية يقول إن أسمرة رفضت طلباً من السعودية والإمارات بقطع علاقاتها مع قطر على ضوء مطالبة الدولتين ودول أخرى للدوحة بالكف عن تمويل ودعم الإرهاب، وجاء في البيان الكاذب أن إريتريا تربطها علاقات قوية مع الشعب القطري ولن تقطع علاقتها بقطر.

إلا أن وزير الإعلام الإريتري يماني ميسكيل أكد عبر حسابه على»تويتر«أن هذا البيان الذي ورد باللغة العربية ونسب للخارجية الإريترية لا أساس له من الصحة ولا يتعدى أن يكون»أخباراً كاذبة«.

ولاحقاً، كذبت المفوضية السامية لحقوق الإنسان ما تناقلته وسائل إعلام قطرية، معبرة عن بالغ أسفها تجاه ظهور التقارير غير الدقيقة التي رصدت الاجتماع الذي عُقد بين مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين والممثل الدائم لدولة قطر لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف علي المنصوري.

Email