« البيان » تفتح ملف تدخلات نظام الملالي في المنطقة والعالم (14)

إيران تعبث في ليبيا بالمليشيات والانفصاليين

ت + ت - الحجم الطبيعي

ساهمت إيران بدور كبير في تأجيج الصراع في ليبيا منذ أوائل عام 2011، حيث كانت من أبرز الدول التي اندفعت مع تنظيم الحمدين في قطر لتوسيع دائرة الفوضى، تحت ما سمي بثورات الربيع العربي، التي سارع لاستغلالها نظام الملالي في طهران، وما إن أُطيح بنظام العقيد الراحل معمر القذافي، حتى دشّنت طهران مخططاً لاختراق الأقليات العرقية والثقافية في البلاد.

واستقطاب آلاف الشبان الليبيين، ونقل المئات منهم إلى طهران وبيروت وبغداد، بهدف توجيههم إلى الحوزات العلمية والمدارس الفقهية.

وفق تقارير صحافية، ظهر الوجود الإيراني في عهد ما بعد القذافي في طرابلس أول الأمر، على أيدي رجال أعمال معظمهم لبنانيون في عام 2011، تحت مزاعم البحث عن رجل الدين المختفي في ليبيا منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، موسى الصدر.

لكن في العام التالي، رصدت جهات ليبية معنية تكاثر المندوبين الذين يتعمّدون نشر كتب مذهبية في الكثير من مكتبات العاصمة، وهو ما رد عليه في ذلك الوقت، دعاة ليبيون اتهموا إيران بمحاولة التدخل والتغلغل في ليبيا. وأعقب ذلك قيام مسلحين في العاصمة بالهجوم على مبنى السفارة الإيرانية ومنزل السفير القريب منها.

أمراء حرب

وأشارت مصادر مطلعة لـ «البيان»، إلى أن إيران سعت إلى استقطاب بعض قادة المليشيات وأمراء الحرب، وأعربت عن استعدادها لتمويل عدد من المليشيات ودفع رواتب للمسلحين الموالين لها تصل إلى ثلاثة آلاف دولار شهرياً، وقد تم الاتفاق على ذلك مع زعيم سياسي معروف، وقائد إحدى أكبر المليشيات في مدينة مصراتة.

وأضافت المصادر أن إيران استغلت في ذلك علاقاتها مع عدد من قيادات تنظيم القاعدة وجماعة الإخوان، أثناء مساهمتها في حرب الإطاحة بنظام القذافي، من خلال الدور الميداني لمقاتلي مليشيا حزب الله اللبناني.

ووفق المصادر، اعتبر نظام الملالي أن الفرصة ملائمة لبسط نفوذه في ليبيا ذات الموقع الاستراتيجي المهم الرابط بين المشرق والمغرب العربيين، والمفتوح على دول الساحل والصحراء وعموم القارة الأفريقية، وعمل في هذا الاتجاه على التموقع داخل الأراضي الليبية، من خلال العمل على اقتطاع دولة للأمازيغ في غربي البلاد، وفق ما صرح به عيسى عبد المجيد، أحد زعماء أقلية التبو.

وأكدت مصادر أمنية، أنه تم رصد تمويلات إيرانية تصل إلى 50 مليون دولار، بهدف دعم بعض الحركات الانفصالية في ليبيا، حيث تطمح طهران إلى الدفع نحو تأسيس الكيان الأمازيغي في بلاد المغرب العربي، خصوصاً أن الأغلبية الساحقة من الأمازيغ تعتمد المذهب الإباضي، بينما يعتمد العرب المذهب المالكي، ورغم أن قيادات أمازيغية نفت علمها بالأمر.

إلا أن السلطات الليبية أبرزت أن الأمر جدي، وأن المكر الإيراني يعتمد على قوى بعينها، وبخاصة تلك التي تنزع إلى الانفصال عن المكوّن العربي.

تدريب

ويشير مراقبون إلى أن إيران كانت وراء الدفع بمقاتلين من حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية للمشاركة في حرب 2011، من خلال تدريب المسلّحين المحسوبين على تنظيم القاعدة وجماعة الإخوان في شرقي ليبيا، وكذلك في غربيها، والقيام بعمليات استخباراتية، إلى جانب العمليات العسكرية الخاصة المشتركة مع القوات القطرية.

وكان النظام السابق أعلن في مارس 2011 عن رصده عدداً من مسلحي حزب الله في مدينة مصراتة، وقال خالد الكعيم معاون وزير الخارجية الليبي آنذاك، إن أفراداً من حزب الله اللبناني، يشاركون في القتال إلى جانب المتمردين في مدينة مصراته الواقعة على بعد حوالي 200 كيلومتر شرقي العاصمة طرابلس. وتابع قائلاً: «القناصون في مصراته هم عناصر من حزب الله. هذه ليست نكتة، بل حقيقة».

وأشار إلى أن وكالات الاستخبارات الغربية «تدرك مشاركة حزب الله في الأحداث في مصراتة»، وقد تزامنت تلك التصريحات مع إعلان زعيم الحزب حسن نصر الله، دعمه الكامل لحرب الإطاحة بنظام القذافي.

ورغم أن الخطاب الرسمي الإيراني، كان يبدو ضد تدخل الناتو في ليبيا، إلا أن بعض المحللين يفسرون ذلك، بأن نظام الملالي كان يطمح إلى أن تتم الإطاحة بنظام القذافي من خلال حلفائها الذين قدمت لهم الدعم، حيث صرّح وزير الخارجية الإيراني الأسبق علي أكبر صالحي، في حوار مع صحيفة «جام جام» الإيرانية، بالقول:

«لقد كنا على اتصال مع الجماعات المتمردة في ليبيا قبل سقوط القذافي». وأضاف إن حكومته أرسلت شحنات من المساعدات وصفها بـ «غير العسكرية» للكثير من الجماعات هناك. وأضاف أنه في أعقاب الإطاحة بالقذافي، تلقى الرئيس الإيراني في ذلك الوقت، محمود أحمدي نجاد، رسالة شكر من رئيس «المجلس الوطني الانتقالي» مصطفى عبد الجليل.

تحالف

ومما يزيد من التأكيد على دور إيران التخريبي في ليبيا، أن وزارة الخزانة الأميركية كشفت في عام 2016، عن علاقات طهران بتنظيم القاعدة والجماعة المقاتلة في ليبيا وهي مجموعة متطرفة يتزعمها الإرهابي عبد الحكيم بالحاج، وذلك عبر وثائق سرية، يعود تاريخها إلى فترة قليلة سبقت اندلاع حرب الإطاحة بالقذافي في فبراير 2011.

وبحسب بعض تلك الوثائق، فإن إيران عقدت صفقة سرية مع تنظيم القاعدة في ليبيا، أصبحت بموجبها «نقطة عبور هامة للتمويل» في منطقة المغرب العربي.

وأظهرت الوثائق أن القيادي في القاعدة، والمكنى عطية الله الليبي، واسمه الحقيقي جمال إبراهيم الشتيوي زوبية المصراتي، لعب دوراً محورياً في عمليات التمويل، فيما قام البحريني عادل محمد محمود عبد الخالق، بمساعدة الجماعة الليبية المقاتلة، عبر سفره لإيران 5 مرات، ولقائه كبار الداعمين لـ «القاعدة» في طهران.

وبرز دور عطية الله الليبي، المعيّن من أسامة بن لادن، كمبعوث لتنظيم القاعدة في إيران، وهو منصب سمح له بالسفر من وإلى إيران بإذن من المسؤولين الإيرانيين، فيما كان القيادي الليبي في "القاعدة"، ويدعى محمد بن حمادي الممول الرئيس للجماعة الليبية المقاتلة، كما تم تعيين نور الدين الدبسكي عضواً في لجنة عسكرية من الجماعة الليبية المقاتلة ومقرها إيران.

فيما أشارت عدد من الرسائل المرسلة من وإلى أسامة بن لادن، والتي عثر عليها في منزله في آبوت آباد بباكستان، حيث قتل، إلى بعض أتباعه الليبيين الذين كانوا يعيشون في إيران، ثم شاركوا في ما بعد في أحداث 2011 داخل الأراضي الليبية، في إطار إطاحة النظام.

لجنة

وعُيّن نور الدين الدبسكي، وفقاً لوثيقة أميركية، عضواً في لجنة عسكرية، من الجماعة المقاتلة الليبية ومقرها إيران، فيما أشارت وثيقة أخرى، إلى عقد إيران صفقة سرية مع تنظيم القاعدة الليبي. وصفت الوثيقة الأراضي الإيرانية بأنها «نقطة عبور هامة للتمويل»، داخل وخارج الدول المجاورة، مثل: أفغانستان وباكستان، وأن القيادي عطية الله الليبي، لعب دوراً مركزياً في هذه العمليات التي كانت تجري في ليبيا حينها.

وتحدثت تقارير إعلامية عن وجود صلة بين إيران والأعضاء الليبيين في تنظيم القاعدة في وثائق بن لادن نفسه، التي تمت مصادرتها من منزله بآبوت آباد. ففي تقرير مرسل لابن لادن من أحد عملائه، يرجع تاريخه إلى 20 أبريل 2011، كانت هناك فقرة مكثفة حول مساعي «القاعدة» في ليبيا، تكرر فيها ذكر إيران.

وأفاد أحد المتشددين بأن أحد العملاء الذي يطلق عليه «أنس»، سمح له بالسفر من ليبيا إلى إيران. ومن الواضح أن أنس، ليبي الأصل، كان محتجزاً لفترة من الزمن في إيران، مع أبو مالك الليبي، المعروف باسم (عروة الليبي)، باعتباره أحد أهم الأعضاء الذين سمح لهم بالسفر من إيران إلى ليبيا.

ووصفت الرسالة «عروة»، باعتباره أحد أهم «الإخوة» في الجماعة الليبية المقاتلة، وهو تعبير يستخدمه المتشددون وعلى رأسهم جماعة الإخوان.

وأضافت الوثيقة إنه «ظل في إيران، ولم يأتِ إلينا. وقبل شهر، سافر إلى ليبيا ووصل بسلام..ونتوقع أن يكون له دور كبير في ليبيا». ولكن بعد بضعة أيام من الخطاب المرسل لابن لادن، ظهرت تقارير في ليبيا تفيد بأن قوات القذافي قتلت أبا مالك.

التمدد المذهبي جسر للتغلغل السياسي

سعت إيران إلى استغلال حالة الفوضى في ليبيا بعد 2011 في ترويج مشروعها المذهبي والسياسي في البلاد، والانطلاق به إلى دول الجوار العربي والأفريقي، مستفيدة في ذلك من علاقاتها من قوى الإسلام السياسي التي سيطرت على مقاليد السلطة بعد انتخاب المؤتمر الوطني العام في 2012، ووصول قيادات من تنظيم القاعدة إلى مراكز المسؤولية في طرابلس.

وفي العام 2013 تم رصد تحركات لرجال أعمال ليبيين وإيرانيين وعملاء هدفهم التمدد المذهبي، والعمل على ترسيخ الوجود الإيراني في مستقبل ليبيا، ورصدت تقارير استخباراتية في العاصمة طرابلس حراكاً متزايداً لعملاء إيران، مؤكدة أن رجال أعمال يتحرّكون لصالح طهران ويديرون عمليات مشبوهة انطلاقاً من مقار لهم في باريس والعاصمة التونسية.

وبحسب تقرير استخباراتي، فإن وثائق سرية كشفت عن مواقع لأجهزة تجسس وأسماء سماسرة التشيّع في طرابلس، كما أظهرت أن الإيرانيين يسابقون الزمن، مستغلين تدهور الأوضاع الليبية، لتثبيت قدمهم في البلاد، حيث تزرع طهران موالين لها وتسعى لتشكيل دولة عرقية في غربي البلاد تكون منفذة للأجندة الإيرانية في شمال أفريقيا.

تحرك مريب

واتهمت هيئة علماء ليبيا، في بيان، إيران بنشر التشيع بين الشباب الليبي، وطالبت الحكومة باتخاذ إجراءات لمكافحة هذه الظاهرة، كما انتقدت ما وصفته بالتحركات المريبة للسفارة الإيرانية لدى ليبيا. واقترحت الهيئة على وزارة الداخلية ولجنة الأمن القومي بالمؤتمر الوطني تشكيل لجنة لمكافحة هذه الظاهرة، وتعهدت بأنها ستبذل كل ما من شأنه جذب اهتمام الرأي العام إلى هذه القضية.

وقالت مصادر مطلعة إن الحكومة قررت منع الأجانب والعرب الذين يدخلون أراضيها وعلى جوازاتهم أختام تشير إلى زيارتهم إلى إيران في إجراء احترازي للتصدي لحملات التشيّع التي انتشرت بقوة في البلاد مستغلّة ضعف الدولة وأجهزة رقابتها في الفترة التي أعقبت سقوط نظام القذافي.

وأكدت أن السلطات المختصة في مطار طرابلس «شرعت في تطبيق إجراءات المنع على أي أجنبي أو عربي من دخول البلاد إذا تبين لها أن المسافر حامل جواز السفر سبق أن دخل إيران بموجب تأشيرة دخول مثبتة على صفحة من الجواز». بينما أعلنت السفارة اللبنانية أن عدداً من اللبنانيين الذين كشفت جوازات سفرهم عن زيارات سابقة لهم إلى إيران منعوا من دخول التراب الليبي.

محطة ليبية لـ«الجيش المصري الحر»

بعد الإطاحة بحكم الإخوان في مصر في الثالث من يوليو 2013 فقدت إيران حليفاً استراتيجياً مهماً، فاتجهت مع قطر لمحاولة السيطرة على شرق ليبيا.

حيث شكلتا معاً النواة الأولى لما يسمى بالجيش المصري الحر في أغسطس 2013، وأطلقتا بالاشتراك مع تركيا، مخطط تدريب المقاتلين على يد أبو فهد الرزازي.

حيث وصل عدد عناصر المجموعة الأولى إلى 700 مسلح، انضم إليهم مسلحون من حاملي جنسيات أخرى. ونشر ما يسمى الجيش المصري الحر بيانه الأول انطلاقاً من الأراضي الليبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي في 15 أغسطس 2013.

ووفق مصادر استخباراتية، فإنّ التدريبات كانت تجري في درنة وسرت وبنغازي وفي الجبل الأخضر والصحراء الشرقية الليبية المحاذية للحدود مع مصر، وتضيف المصادر أنّ «الإرهابي الليبي عبد الباسط عزوز أوفد حينها من قبل أيمن الظواهري لإنشاء ساحات تدريب للعناصر الإرهابية، ومنها حركة أنصار الشريعة، وهي حركة إقليمية توجد في تونس وشمال مالي وليبيا ومصر.

حصلت على دعم مباشر من قطر لتكون الجناح العسكري لجماعة الإخوان، في إطار ما توصلت إليه المخابرات القطرية من توحيد الأهداف بين القاعدة والإخوان».

فريق عمل

وشكّل عزوز فريق عمل مساعداً يتكوّن من الليبي إسماعيل الصلابي والمصرييْن يوسف طاهر وثروت صلاح شحاتة الذي قبض عليه فيما بعد من قبل الأمن المصري. وتمّ الإعلان في يناير 2014 عن تكليف الإرهابي المصري شريف رضوان، وهو أحد قيادات «أنصار بيت المقدس» بقيادة الجيش المصري الحر.

وهو الإرهابي الذي اعتقل سابقاً وأطلق سراحه بعد ثورة يناير ليتجه إلى سوريا ومنها إلى ليبيا برعاية الاستخبارات القطرية، ليجد في انتظاره الإرهابي الليبي إسماعيل الصلابي الذي ينسق مع الدوحة ويرتبط بعلاقة صداقة مع رئيس الاستخبارات القطرية غانم الكبيسي، وأبا عبيدة الليبي القيادي المعروف في الجماعة الليبية المقاتلة بزعامة عبد الحكيم بالحاج، إذ تمّ توزيع المسؤوليات بحضور ممثلين عن المخابرات القطرية.

وفي إبريل 2014، نظّم ما يسمى «الجيش المصري الحر»، استعراضاً عسكرياً في درنة، فيما تداولت المواقع المتطرّفة مقاطع فيديو للعرض تظهر أن غالبية المشاركين من المصريين.

فضلاً عن أعداد من جنسيات عربية كانوا يرفعون رايات تنظيم القاعدة يتوسطهم القيادي في التنظيم الإرهابي إسماعيل الصلابي، فيما توصلت الأجهزة السيادية المصرية إلى معطيات موثّقة، من بينها قيام مسؤولين من الحرس الثوري الإيراني بزيارة ليبيا سراً لمقابلة عناصر مصرية، حيث اتفقوا على دعم إيران لمسؤولي «الجيش الحر» بأجهزة لفك شفرات لاسلكي الأجهزة المصرية وأجهزة تصوير ليلي لمراقبة الحدود.

قطر - إيران

كما رصدت الأجهزة المصرية اتصالات بين مسؤولين قطريين وإيرانيين لمناقشة الوضع في مصر، بمشاركة رجل أعمال تركي بارز على صلة بالتنظيم الدولي للإخوان.

وكشفت عن وجود مصانع في ليبيا وغزة لتصنيع الزي الخاص بالقوات المسلّحة والشرطة المصريتين، ومخططات ووثائق جرى إرسالها من جهات ليبية إلى الجهات الأمنية في مصر تكشف عن نية الجيش الحر مهاجمة وحدات عسكرية في منطقة مطروح، وتهريب هذه العناصر إلى محافظات الدلتا مثل المنصورة والشرقية. وقدمت الجهات الليبية معلومات تكشف عن استقدام الإخوان أفارقة للعمل في الجيش الحر مقابل مبالغ مالية، وإنشاء حركة متمردين في ليبيا بدعم التنظيم الدولي للإخوان.

 

Email