«أمراؤنا الأعزاء»يضيء علــى فساد قطر في فرنسا

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

Ⅶ تونس - الحبيب الأسود

«أمراؤنا الأعزاء»، هو أحد الكتب الصادرة في باريس، والتي تفضح تنظيم الحمدين، من خلال معلومات وتفاصيل رصدها الصحافيان بجريدة «لوفيغارو»، جورج مابرينو وكريستيان شينو، حيث يكشف الكتاب علاقة الفساد التي نشبت بين نظام الدوحة وبعض السياسيين الفرنسيين، الذين يتلقون هدايا وامتيازات مقابل الدفاع عن قطر، ويخصص فصولاً متعددة لنقل معطيات ومعلومات عدة ومهمة عن أسرار العلاقات الفرنسية القطرية ودعم الدوحة للإرهاب، وعمن سماهم بـ «أيتام قطر»، في إشارة إلى مسؤولين فرنسيين كبار، اعتادوا الحصول على أموال وهدايا من السفارة القطرية.

ويشير الكتاب إلى أن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، وضع في طليعة اهتماماته التقرب من دولة قطر وأميرها السابق حمد بن خليفة آل ثاني، حتى إن العلاقة بين الرجلين تطورت بشكل سريع، وتحوّلت بعد ذلك إلى سنوات عسل، ما سمح لفرنسا باستقطاب الأموال القطرية.

لكن بعد وصول فرانسوا هولاند للحكم في 2012، تغيّرت استراتيجية فرنسا تجاه قطر كلياً، حيث أدار هولاند ظهره لهذه الدولة الصغيرة، وأصبح يعمل على توطيد علاقة بلاده بالمملكة العربية السعودية، باعتبارها البلد الأقوى والأغنى في منطقة الخليج.

وينقل الكتاب عن دبلوماسي مقرّب من الديوان الأميري، أن حمد بن خليفة آل ثاني اضطرب نفسياً، عندما نجح في مايو 2008 في توقيع اتفاق الدوحة الخاص بلبنان، فقد اعتقد أنه أصبح لاعباً دولياً. ثم جاء، بعد ذلك، التدخل في ليبيا، حيث اعتقد فجأة، من خلال دعم جماعة الإخوان، أنه أصبح عرّاب العالم العربي.

فضيحة

ويخصّص الكتاب مجالاً فسيحاً لفضح دور السفير القطري الأسبق بباريس، محمد الكواري، في إفساد الطبقة السياسية الفرنسية، عن طريق تقديم الأموال بسخاء إلى أغلب رجال السياسة، قبل أن يتم تغييره من قبل الشيخ تميم، الذي حاول أن يتجاوز سياسات والده في فرنسا، ويتحدث المؤلفان مطولاً عن السفير الكواري، الذي وصل إلى باريس عام 2003، ولم يكن يعرف كلمة فرنسية. أقام في فرنسا 11 عاماً، وعند مغادرته باريس، أقام حفلة وداع تسابق إليها أغلب رجال السياسة الفرنسيين، وكان يتكلم الفرنسية بطلاقة، كما كان تحت تصرفه حساب مفتوح ينفقه من دون أي رقابة من الدوحة. ومن الأمثلة المهمة في هذا المجال، ما يرويه أحد ضباط الأركان في باريس. يقول: تلقيت اتصالاً من الملحق العسكري القطري، في وقت الحرب الليبية عام 2011، يعرض فيه تقديم مساعدة للجيش الفرنسي، الذي كان يحتاج إلى الذخيرة: «أكد لي أنه لا توجد مشكلة. عبّر الملحق العسكري القطري، عن استعداده للحضور مع حقيبة ممتلئة بالنقود لكي نستطيع شراء القذائف التي يريد أن نستخدمها. وكان مستعداً للحضور والدفع نقداً، يا للوقاحة».

ازداد نشاط السفير محمد الكواري ابتداءً من عام 2007، بعد تقارب نيكولا ساركوزي مع الدوحة، وكان هو مهندس تعزيز العلاقات مع باريس، إذ كان على تواصل مع خلية خاصة في الرئاسة الفرنسية. إن علاقته المميزة مع رئيس الوزراء القطري (في حينه) حمد بن جاسم، أهّلته ليكون أنشط السفراء العرب في باريس، وعندما فقد الكواري مرشدَه الروحي حمد بن جاسم، الذي كان يعتقد أنه يستطيع شراء كل شيء حتى الرجال، تم نقله إلى الولايات المتحدة، ليحل محله على رأس السفارة، الشيخ مشعل بن حمد آل ثاني، الذي يبدو أنه تصرف بشكل مختلف عن سلفه، قبل أن يشعر بعد ثلاثة أعوام بالتعب، ما دفع بنظام الدوحة إلى نقله بمثل مهمته إلى واشنطن.

وفي هذا السياق، اختار الصحافيان مابرينو وشو، أن ينطلقا في سرد التفاصيل بقصة وزير الدولة لشؤون البرلمان، جان ماري لوغوين، المقرب من رئيس الوزراء السابق مانويال فالس، والذي عرض على السفير القطري السابق، مشعل بن حمد آل ثاني، إنشاء مكتب تواصل، يتم تمويله من السفارة القطرية، مقابل حجب الأسئلة المعادية لقطر في البرلمان، مهدداً بأنه، في حالة رفض طلبه، سيدعم ويشجع مثل تلك الأسئلة التي تركز بالخصوص على تمويل قطر للمنظمات الإرهابية.

يقول الكتاب: ما إن رفض السفير تمويل المكتب، حتى نشرت صحيفة «لو ديمانش»، مقالاً عنيفاً يهاجم قطر ودورها التخريبي في المنطقة، وقام أحد مساعدي الوزير بإرسال نسخة من المقال إلى السفير، مصحوبة برسالة جاء فيها: «ينبغي على صديقنا مشعل، قراءة هذا المقال، لكي يعرف ثقل لو غوين، ولكي يسرع ويضرب لنا موعداً».

وهكذا، اضطر السفير إلى دعوة الوزير الفرنسي إلى عشاء عمل، ووعده بنقل طلبه إلى الدوحة، لكن لوغوين فاجأه بمقترح آخر، حيث طلب منه توقيع عقد مع صديق له يعمل مديراً لشركة اتصالات، تدفع للوزير عشرة آلاف يورو شهرياً.

ابتزاز

رشيدة داتي، دشنت علاقاتها الوطيدة مع دولة قطر طويلة، عندما احتلت منصب وزيرة العدل خلال ولاية ساركوزي، حيث زارت الدوحة في مناسبات عدة، في إطار مشروع لم يرَ النور يتمثل في بناء مركز إقليمي للقضاء مع الدوحة، كما ارتبطت بعلاقات وطيدة مع النائب العام القطري علي بن فطيس المري، حتى إنه اضطر إلى نفي أن يكون هو والد زهرة ابنة داتي المولودة خارج إطار الزواج.

كانت كل الأبواب مفتوحة أمام رئيسة بلدية الدائرة السابعة في باريس، حيث تقطن نخبة الأثرياء وسفراء دول عربية وأجنبية كثيرة، ربما انطلاقاً من هذه الميزة، فكرت الوزيرة السابقة في تأسيس جمعية تضم سفراء وشخصيات سياسية واقتصادية هامة من ساكني دائرتها لتمويل مشروعها، ولكن عندما طلبت من سفير قطر مشعل آل ثاني خلال مأدبة عشاء، أن يوفر لها 400 ألف يورو، قوبل طلبها بالرفض.

وعوض أن تنتهي هذه القضية في هذا الحد، راحت رشيدة داتي تنتقد السياسة الخارجية لقطر في الإعلام الفرنسي، الأمر الذي أثار استغراب السفير القطري مرة أخرى. لكن تصرف داتي، جعل مسؤولي السفارة والحكومة القطرية، يديرون ظهرهم لها، فبعدما كانت تملك علاقات طيبة معهم، وتسافر إلى قطر رفقة والدها ووالدتها بأموال قطرية، أصبحت اليوم غير مرغوب فيها، ومسجلة في قائمة سوداء، تضم شخصيات أخرى، تتمنى السلطات القطرية ألا تعود أبداً إلى الدوحة.

يضيف الكاتبان الفرنسيان: ظهر السفير القطري بعد ذلك، مثلاً، أقل كرماً مع سيغولين رويال وزيرة البيئة، الاشتراكية. أعيدت العلاقات معها عندما كانت مرشحة الحزب الاشتراكي للانتخابات الرئاسية عام 2007. في السنة التالية، دعيت إلى «الدوحة فوروم». حضر معها مساعدها إيريك غيبالي. هناك ضحية أخرى للوضع الجديد، هو وزير حزب الخضر، جان فانسان بلاسي، الذي اشتكى ضمن الدائرة الضيقة للحزب، من أن السفير الحالي لم يعد يدعوه لإجازة نهاية الأسبوع. يشير أحد المقربين من السفير، إلى أن «بلاسي لم يستلم هدايا إلّا من السفير السابق»، ولم يقل أكثر من ذلك. يقول جان فانسان بلاسي، الذي دعي إلى «الدوحة فوروم» عام 2013: «نحن نأتي، قبل كل شيء، من أجل أن نتعرف». كان معه 79 شخصاً في الوفد الفرنسي، وهذه أهم مناسبة سنوية يحضرها نحو عشرين سياسياً، منهم فرانسوا فيون وميشيل إليوت ماري، وكذلك الحاضر دائماً، إنريكو ماسياس، أو مدير راديو سيروك، بيير بيلانجي. لا أحد يعرف ما إذا كان السيناتور الوسطي إيف غيغو، قد حصل على شيء من السفير السابق، ولكنه طلب مرة 50 ألف يورو من السفير الحالي، من أجل مشروع في منطقته الانتخابية، ورفض السفير تلبية طلبه.

كذلك، واجهت ناتالي غوليه، سيناتورة منطقة أورن، الرفض الواضح والحاسم من قبل السفير القطري، ومع ذلك تعددت طلباتها. اتصلت، في نهاية عام 2015، بمكتب السفير، لكي تشتكي من عدم تلقيها هدية «بابا نويل»، قالت بانزعاج: «كيف حصل أنني لم أستلم هدية نهاية السنة؟، زملائي في مجلس الشيوخ حصلوا على هدية.. أنا لم أستلم شيئاً!». قال الشيخ مشعل بن حمد آل ثاني بغضب، عندما أخبره مساعده باتصال السيدة غوليه: «لتذهب إلى الجحيم».

وعندما هاجم بعض السياسيين أو الصحافة قطر، بعد هجمات باريس في يناير 2015، لم تتردد السيناتورة في الاقتراح على السفير تنظيم ندوة، طبعاً مقابل المال. أجاب الدبلوماسي بالرفض. ومن يومها، والسيدة غوليه تصرح دون مواربة: «لا أحب قطر كثيراً».

دومينيك دوفيلبان رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأسبق «كان يفرض أن يحجز له في الدرجة الأولى، أو في مكان رجال الأعمال، وكان ألغى مشاركته في ندوة، لأن الحجز كان في الدرجة الاقتصادية، وليس في الدرجة الأولى. وقد أصابت الدهشة السفير من هذا التصرف»، يردف أحد الديبلوماسيين: «هناك شيء أكيد آخر: لم يكن رئيس الوزراء السابق، الذي أصبح محامياً تجارياً، يقول أي كلمة جيدة عن قطر، إلّا مقابل منفعة مادية، مثله في ذلك مثل جميع الذين تحدثنا عنهم. أكد دوفيلبان في 4 نوفمبر 2015، على راديو أوروبا 1: «لا تملك فرنسا أي دليل على تورط قطر في تمويل الإرهاب». يقول الكتاب: «لا يبدي رجال السياسة عندنا أي رغبة في الاطلاع على التقارير الأميركية العديدة والمنشورة، والتي تشير إلى دور الدوحة في تمويل الإرهاب».

Email