تونسي يتولّى دفن جثث المهاجرين

الصياد التونسي يدفن جثث مهاجرين قضوا لدى محاولتهم العبور إلى أوروبا | أ.ف.ب

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا تثني حرارة الصيف الحارقة شمس الدين مرزوق عن المهمة التي حددها لنفسه، فيعتمد على رفش وحيد كي يدفن بكرامة جثامين المهاجرين الذين يقضون في المياه التونسية أثناء الرحلة الخطيرة نحو أوروبا.

ويتسلح الخمسيني بنظارة سوداء وقبعة للاحتماء من الشمس اللاذعة، فيما ينظر إلى قطعة الأرض الجرداء، حيث حفر للتو قبرين إضافيين في الرويس قرب جرجيس القريبة من الحدود الليبية، التي تشكل نقطة انطلاق لمراكب كثيرة محملة بمهاجرين ساعين إلى مستقبل أفضل.

وأوضح مرزوق أنّ انطلاق هؤلاء في عبور مخالف للقانون مدفوعين بالبؤس والظلم لا يعني أنهم لا يستحقون دفنهم باحترام وكرامة. ويروي صياد السمك السابق الذي عمل كذلك سائقاً للهلال الأحمر قبل أن يصبح عاطلاً عن العمل، أنّه دفن مئات المهاجرين في غضون 12 عاماً. وتمكن مرزوق من الحصول على إذن البلدية لإقامة مدفن صغير عشوائي بعيداً عن المنازل، في أرض جرداء أقام فيها مقابر بلا أسماء أو تواريخ. ويتذكر مرزوق الذي هاجر ابنه إلى إيطاليا بطريقة غير شرعية، كل الجثث التي دفنها.

ويشير إلى قبر دفن فيه جثتين لطفلين في الرابعة والخامسة من العمر، وآخر لامرأة عثر عليها مقطوعة الرأس وثالث لرجل فقد ذراعيه. وقال الصياد السابق إنّ صور الجثث، خصوصاً المتحللة منها، مطبوعة في ذهني، ليس الأمر سهلاً. وأضاف: «هذه القضية لا تعني تونس وحدها، بل تطال البشرية بأسرها، ويجب اعتبارهم جميعاً أبناءنا، إخوتنا وأخواتنا»، مطالباً بمقبرة حقيقية للمهاجرين.

ويشكّل صيادو الأسماك في جرجيس أول المبادرين إلى إنقاذ المهاجرين الذين يواجهون مصاعب بحراً أو انتشال جثث الذين انتهى حلمهم الأوروبي بمأساة. كما أنّ الصيادين هم من أول من يرصد المراكب المتهالكة ويبلغون السلطات، كما أنهم غالباً ما ينقذون ركابها بأنفسهم.

وتشير الأرقام الرسمية إلى إنقاذ 126 شخصاً من مختلف الجنسيات وانتشال 44 جثة من المياه مقابل سواحل البلدة منذ مطلع 2017. وهذا جزء طفيف من أكثر من 2000 شخص قضوا هذا العام أثناء عبور المتوسط من ليبيا إلى إيطاليا، وفق أرقام المنظمة الدولية للهجرة.

وروى رئيس جمعية الصيادين البحارة شمس الدين بوراسين: «يخرج المرء لكسب رزقه ويعود بمهاجرين بدل الأسماك، لكن لا يمكن أن نرى الناس يموتون دون أن نتدخّل». وفيما ينقذ جهاز خفر السواحل دورياً مراكب تواجه صعوبات، يظل دفن الجثث ليس من صلاحياته بينما تؤكد السلطات المحلية نقص الموارد لذلك. وأفاد قائد العمليات البحرية في جرجيس سامي صالح، أنّ وحدات الحرس الوطني البحرية ليست وحدات إنقاذ وليست مجهزة لانتشال الجثث، وبموارد محدودة جداً يبذل العناصر أقصى الجهود لإنقاذ الناس، لكن دفن الجثث لا يندرج ضمن مهامنا.

Email