اقتصاد الدوحة يقفز إلى المجهول

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتواصل نزيف الخسائر للاقتصاد القطري، إذ طال جميع القطاعات، فيما تزايدت حالة الغموض بالنسبة إلى المستثمرين بشأن مدى قدرة الدوحة على تحمل تبعات المقاطعة العربية، نتيجة إصرارها على دعم ومساندة وتمويل الإرهاب.

وسرّع المستثمرون وتيرة خروجهم من السوق القطري، حيث أفادت «بلومبرغ» بأن العديد من البنوك العالمية العاملة في قطر تدرس رفع تكلفة القروض بأكثر من النصف، بسبب مقاطعة العديد من المستثمرين الدوليين علاقاتهم مع الاقتصاد القطري نتيجة غموض مستقبله، خاصة مع تواصل التراجع في الاحتياطي النقدي الأجنبي لدى الجهاز المصرفي القطري.

وأدت التراجعات في أسواق المال وتدهور النشاط التجاري وتجارة التجزئة مع ارتفاع تكلفة الشحن، وكذلك حالة الشلل التي أصابت القطاع السياحي وأنشطة الإنشاءات وترنح «الريال» وشح السيولة المصرفية ونزوح الأموال والإيداعات من البنوك، إلى نشر حالة من الذعر بين المستثمرين، ورفع من مخاطر السوق مما يحد من جاذبيتها الاستثمارية.

وكشفت «بلومبرغ» عن أن العديد من بنوك قطر، منها قطر الوطني والبنك التجاري وبنك الدوحة، عازمة على إيجاد مصادر أخرى للتمويل تتضمن القروض والإيداعات الدولارية الخاصة بشهادات الاستثمار، موضحةً أن هذه الخطوة جاءت بعد أن أوقف أكثر من 50في المئة من قاعدة المستثمرين الأجانب تعاملاتهم وأنشطتهم مع الاقتصاد القطري.

نزوح الأموال

وقال خبراء الاقتصاد ومحللون ماليون ومصرفيون إن فاتورة الخسائر مرشحة للزيادة خلال الفترة المقبلة، مع تواصل نزوح الأموال ورحيل المستثمرين، حيث تتزايد المخاوف بشأن سوق الأوراق المالية ومستقبل الأسهم، مما يجعل «البيع» والخروج هو الخيار الأساسي أمام المتعاملين في الأوراق المالية، كما يسود الاتجاه ذاته بالنسبة إلى أصحاب المشاريع والشركات التي يبدو مستقبل الاقتصاد غامضاً بالنسبة إليها، حيث تتزايد تكلفة التمويل والإنشاءات والأعمال، مما يجعل الاستثمار المباشر في «مهب الريح».

لا سيما أن تحقيق الأرباح والبيئة المواتية والاستقرار السياسي والاقتصادي هي المقومات الأساسية لأي وجهة استثمارية، وهي العناصر التي أصبحت غائبة تماماً عن الدوحة التي تعيش على أعتاب السقوط الاقتصادي بسبب العناد الحكومي.

حيث يتجه الاقتصاد بقوة نحو «القفز إلى المجهول»، لا سيما مع تهاوي التصنيف الائتماني للاقتصاد وللمؤسسات والبنوك وكبريات الشركات القطرية، ووضعها على قائمة المراقبة وتحسباً لخفض جديد متوقع في تصنيفاتها الائتمانية.

شلل السياحة

ولفت الخبراء إلى حالة الشلل التي ضربت قطاع السياحة القطري، موضحين أن إقدام الدوحة على إعفاء مواطني 80 دولة من الدخول إلى أراضيها دون تأشيرات ما هو إلا محاولة يائسة للخروج من أزمتها الحالية التي تضرب قطاع السياحة والخسائر التي قدرها اقتصاديون بمليارات الريالات، حيث تسعى الدوحة عبر إعفاء 80 جنسية من تأشيرة الدخول إلى تخفيف الخسائر التي مُنيت بها خلال الفترة الأخيرة، بعد توقف السياحة السعودية والإماراتية التي كانت تشكل نحو 50 في المئة من إجمالي التدفقات السياحية لقطر.

وأوضحوا أن الإعفاء من التأشيرات اعتراف من حكومة الدوحة بمدى التراجع وحالة الشلل التي أصابت القطاع السياحي وضربت بعنف المشاريع الجديدة، لا سيما التي كانت تجهز استعداداً لاستضافة كأس العالم 2022، كما أن المخاوف من سحب تنظيم المونديال تلقي بظلالها القاتمة هي الأخرى على قطاعات الضيافة والتشييد والبناء.

محاولات يائسة

وأشار الخبراء إلى أن هذا الإعلان جاء أيضاً بعد محاولات الدوحة غير المجدية لتنشيط سياحتها، بعد أن عملت على تقديم العروض المجانية لاجتذاب السياح، إلا أن البيانات الرسمية أظهرت حجم التأثير السلبي في قطاع السياحة والنقل القطري برغم كل هذه المحاولات.

ووفقاً للإعلان، ستمنح قطر رعايا 33 دولة حق الإقامة لـ180 يوماً من دون تأشيرة، أما بالنسبة إلى رعايا الـ47 دولة الأخرى فيسمح لهم بالإقامة من دون تأشيرة لمدة 30 يوماً على أن يتمّ تجديد هذه الفترة مرة واحدة فقط.

ولبنان هو الدولة العربية الوحيدة بين هذه الدول الـ80 التي تشمل دول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى دول غربية أخرى ودول لاتينية وآسيوية.

وأشار الخبراء إلى أن المقاطعة العربية تلقي بظلالها القاتمة على الاقتصاد القطري بعد نحو 11 أسبوعاً وتُفاقم خسائرها يوماً بعد آخر، خاصة بعد تعديل وكالات الائتمان العالمية نظرتها المستقبلية إلى قطر ونظامها المصرفي من مستقرة إلى سلبية وآخر هذه التأثيرات.

وعزوف رجال الأعمال عن الذهاب إلى قطر، وهو ما أظهرته بيانات رسمية قطرية، تخوفاً من تفاقم الخسائر المتوقع أن يتكبدها الاقتصاد خلال الفترة المقبلة، وسقوطه في «فخ الركود». وبحسب تقارير اقتصادية، تراجعت تأشيرات رجال الأعمال الصادرة في يونيو الماضي بنحو 59 في المئة.

ويدلل هذا الرقم على فداحة ما أصيب به الاقتصاد القطري من ركود شديد، وتخوف المستثمرين ورجال الأعمال الأجانب، من الدخول في استثمارات جديدة في قطر، بل التخارج من السوق، وتزامن ذلك مع سحب المستثمرين الأجانب 55.8 مليار ريال من أصولهم في المصارف القطرية، وكذلك القطاع الخاص الذي سحب نحو 19.6 مليار ريال من ودائعهم خلال يونيو الماضي.

وقطاع النقل يعد ضمن القطاعات المتضررة في قطر، إذ تأثرت حركة الطيران في مطار حمد الدولي لينخفض عدد القادمين إلى الدوحة بـ32 في المئة في يونيو الماضي ، مقارنة بعددهم في الشهر السابق ، ليصل عددهم في يونيو الماضي إلى نحو مليون فرد مقابل 1.6 مليون في مايو الماضي .

كما تراجع عدد الطائرات القادمة إلى مطار حمد الدولي بـ23 في المئة، ليبلغ عددها 8.3 آلاف طائرة مقابل 10.8 آلاف طائرة خلال مايو الماضي.وانخفض حجم البضائع التي تحملها السفن القادمة إلى موانئ قطر بـ46 في المئة، ليبلغ وزنها خلال يونيو الماضي نحو 2.7 مليون طن، مقارنة بنحو 5 ملايين طن خلال شهر مايو الماضي.

ولم يقف التأثير السلبي في الدوحة عند هذا الحد، بل وصل إلى قطاعها العقاري الذي يعد من القطاعات المهمة، وذات التأثير الكبير في الناتج المحلي الإجمالي لقطر، حيث تراجع عدد العقارات التي تم بيعها إلى أدنى مستوياته الشهرية منذ بدء نشرها في أبريل 2014، ليبلغ عددها خلال يونيو الماضي 135 عقاراً مقابل 411 عقاراً في مايو الماضي، ويسجل عددها تراجعاً 67 في المئة، وهو الأعلى منذ بداية الإعلان عن عدد العقارات المبيعة في أبريل 2014.

Email