الدوحة تُمارس حيلة «الهجوم خير وسيلة للدفاع»

تحرّك مصر في مجلس الأمن.. سوط لتأديـب قطر

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أرهقت التحركات التي تقودها مصر في مجلس الأمن الجانب القطري، الذي بدا متخبطاً أكثر من أي وقت مضى فاقدًا لاتزانه عقب قرارات الدول الداعية لمكافحة الإرهاب قطع علاقاتها معها وما تبعها من تداعيات مؤثرة وخطيرة على الدوحة، فلم تجد قطر سوى خيار حيلة «الهجوم خير وسيلة للدفاع»، وذلك لمحاولة لفت الأنظار عن السياسات القطرية في المنطقة التي تعمل مصر على فضحها في اروقة الأمم المتحدة ومنها، ومن ثمّ لجأت الدوحة لتقديم شكوى ضد مصر في مجلس الأمن تتهمها فيها بـ «استغلال عضويتها داخل المجلس لتحقيق أغراض سياسية».

وتأتي تلك الشكوى عقب شكوى تقدمت بها قطر إلى منظمة التجارة العالمية ضد دول المقاطعة بزعم تعرض الدوحة لـ «حصار» و«إجراءات تعسفية»، ما يُبرز النهج القطري في التعامل مع الأزمة الراهنة باتباع تلك السياسة الهجومية للدفاع عن مواقف قطر لما لم تجد أيـة وسائل للرد على الاتهامات الموثقة والمؤكــدة والخاصة بدعمها وتمويلها للعناصر الإرهابيــة وتدخلهــا فــي شــؤون دول المنطقــة.

وفيما اعتبر المندوب المصري الدائم لدى الأمم المتحدة، عمرو عبداللطيف أبوالعطا، أنّ الأزمة مع قطر ليست مسألة تُناقش في مجلس الأمن، أكد مصدر دبلوماسي مصري لـ «البيان»، أن المندوب المصري في مجلس الأمن قد يقوم بتقديم رد على تلك الشكوى القطرية ضد مصر بعد التنسيق مع الحكومة المصرية، يفند خلال ذلك الرد الموقف المصري، ويرصد كذلك ما يتوافر من دلائل قدمتها أسانيد وحجج الجانب المصري والدول الداعية لمكافحة الإرهاب في موقفهم ضد الدوحة.

خصوصاً أن مصر سبق وعممت على عدد من أعضاء مجلس الأمن الشهر الماضي قائمة بالانتهاكات القطرية في ليبيا.أكد مصدر دبلوماسي مصري لـ «البيان»، بقوله إن المندوب المصري في مجلس الأمن قد يقوم بتقديم رد على تلك الشكوى بعد التنسيق مع الحكومة المصرية، يفند خلال ذلك الرد الموقف المصري، ويرصد كذلك ما يتوافر من دلائل قدمتها أسانيد وحجج الجانب المصري والدول الداعية لمكافحة الإرهاب في موقفهم ضد الدوحة. خصوصاً أن مصر سبق وعممت على عدد من أعضاء مجلس الأمن الشهر الماضي قائمة بالانتهاكات القطرية في ليبيا.

وخاضت مصر صولات وجولات ضد قطر في «مجلس الأمن» وذلك من خلال عضويتها المؤقتة في المجلس والتي حصلت عليها رسميًا في أكتوبر 2015. كان من بين أبرز حلقاتها دعوة مصر –في يونيو الماضي- لمجلس الأمن للتحقيق في اتهامات تلاحق الدوحة بدفع فدية تصل إلى مليار دولار لكيان إرهابي في العراق من أجل إطلاق سراح مخطوفين من الأسرة الحاكمة القطرية، في القضية الشهيرة التي سلطت الضوء على علاقات قطر المتشعبة مع الكيانات الإرهابية المختلفة.

تخبط وسفسطة

وبدوره، يؤكد رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير منير زهران لـ «البيان»، على أن الجانب القطري يعاني من حالة تخبط واضحة، مشبهًا السياسة القطرية في التعامل مع الأزمة بالفأر الذي يبحث عن مخرج من «المصيدة» التي وقع بها فيترنح يمينًا ويسارًا باحثًا عن أي منفذ للخروج من أزمته تلك.

ويشير الدبلوماسي المصري مندوب مصر الأسبق لدى الأمم المتحدة، إلى أن أزمة قطر متصلة بدعم الدوحة وتمويلها ومساندتها للمنظمات والعناصر الإرهابية، وجميعها سياسات مخالفة لقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة، فكيف تشتكي قطر لتلك المنظمات وهي متورطة في دعم الإرهاب؟ واصفًا الدوحة في تعاملاتها مع الأزمة باتباع أسلوب «السفسطة» للهروب من أزمتها، في ظل تقديم الدول الأربع لدلائل وأسانيد تثبت صحة مواقفها وتؤكد دعم قطر للإرهاب، دون أن يكون هنالك أي رد من الجانب القطري.

وشنت القاهرة في 27 يونيو الماضي هجومًا كبيرًا لـ «تأديب قطر» في مجلس الأمن. كشفت خلاله عن «الدعم الذي تحصل عليه الجماعات والتنظيمات الإرهابية في ليبيا من قطر تحديداً ودولة أخرى في المنطقة». واستعرض مندوب مصر في المجلس أوجه ذلك الدعم الذي قدمته قطر للإرهاب في ليبيا. كما شدد آنذاك على «ضرورة قيام مجلس الأمن ولجانه ذات الصلة بتوثيق الانتهاكات المتكررة، من جانب بعض الدول وبصفة خاصة قطر».

خيبة سياسية

ويصف الخبير القانوني المصري معاون رئيس الوزراء السابق الدكتور عبد الله المغازي، الشكوى القطرية ضد مصر في مجلس الأمن بكونها دليل على «الخيبة السياسية» التي تعاني منها الدوحة. ويرى أن شكوى قطر ضد مصر وفق أحكام القانون الدولي «لا محل لها من الإعراب»؛ لأنه من المعروف أن في علاقات الدول مع بعضها البعض تكون هنالك دائمًا دوافع سياسية حول تقديم الشكاوى، وهذا أمر طبيعي، بينما الدافع السياسي الذي تتهم به قطر مصر لا يعاقب عليه القانون الدولي، لاسيما أن موقف مصر ودول المقاطعة واضح للعيان، وينطلق أساسًا من مبدأ يتفق عليه المجتمع الدولي كله وهو «مكافحة الإرهاب».

وينوه –في تصريحات خصوصاً لـ «البيان»- بأنه عندما تكون هنالك شبهات دعم للإرهاب تلاحق أية دولة وتتخذ مثل تلك المواقف ضدها، فهذه المواقف صحيحة وفق أحكام القانون الدولي، ولا يستطيع أحد أن يعيب على مصر أن لها موقفًا سياسيًا ضد قطر، لاسيما أن مسألة مكافحة الإرهاب هي قضية دولية، يهتم العالم كله بها. مشيرًا إلى أنه قد ثبت بالدليل القاطع أن قطر لها يد في دعم الإرهاب، وهذا بشهادة دول كبرى أوروبية والولايات المتحدة.

ويختتم المغازي تصريحاته بالتأكيد على أن الموقف المصري «سياسي» ولا يعاقب عليه القانون الدولي، الذي يعاقب الدول عندما يكون لها موقف تخرق به قواعد القانون الدولي، وهذا ما لم تفعله مصر.

وعممت مصر على الأعضاء المشاركين في الاجتماع المشترك المفتوح الذي عُقد يوم27 يونيو 2017 بمشاركة جميع الدول أعضاء الأمم المتحدة بمقر الأمم المتحدة في نيويورك حول «تحديات مكافحة الإرهاب في ليبيا»، قائمة تعكس الانتهاكات القطرية المختلفة في ليبيا وفقاً لما ورد رسمياً في تقارير فرق خبراء الأمم المتحدة. وأفحم ذلك وفد قطر الذي لم يقم بالرد على وفد مصر في حينها.

تحقيق

ويلفت عضو وفد مصر الدائم في الأمم المتحدة سابقًا السفير جلال الرشيدي، في تصريحات لـ «البيان»، إلى أن كل ما تطالب به مصر هو فتح تحقيق فيما تم الكشف عنه من وثائق ومعلومات تؤكد الدور القطري في دعم وتمويل الإرهاب وعلاقة قطر بالمنظمات والعناصر الإرهابية، ذلك في خط متواز مع إدانة جميع دول العالم للإرهاب ومطالبتها بملاحقة ومحاسبة الدول والجهات الممولة له، ومن ثم هناك مطالب ضرورية متعلقة بضرورة إجراء تحقيق دولي في الوثائق التي قدمتها مصر والتي تثبت ذلك التورط القطري، وهذا أمر أزعج الجانب القطري إلى حد كبير.

ويشير إلى أن الكثير من الدول طالبت بضرورة محاسبة الدول الداعمة للإرهاب، والكثير من الدول خصت قطر على وجه التحديد، كان آخرها ليبيا التي أعلن فيها المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة العقيد أحمد المسماري عن أن لدى ليبيا وثائق جديدة تدين قطر وتكشف تمويلها للإرهاب، وحاولت قطر الالتفاف على تلك الأمور المؤكدة والتي تدينها مباشرة.

ومؤخرًا، وفي نفس اليوم الذي تقدمت فيه الدوحة بشكوى ضد مصر في مجلس الأمن، استهلت مصر رئاستها لمجلس الأمن خلال الشهر الجاري باعتماد القرار رقم 2370 حول منع حصول الإرهابيين على السلاح، والذي صدر بإجماع الآراء في الثاني من أغسطس، وهو أمر لا يروق للجانب القطري في إطار التحركات المصرية الناجحة في مجلس الأمن.

خطوة استباقية

وإلى ذلك، يقول أمين لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب المصري النائب البرلماني طارق الخولي لـ «البيان»: شاهدنا خلال الفترات الماضية كيف دفعت مصر داخل جلسات مجلس الأمن بضرورة اضطلاع مجلس الأمن والمجتمع الدولي كله بدوره في مواجهة الإجرام القطري وسياسات وممارسات الدوحة في دعم الإرهاب خلال السنوات الماضية، ما أربك النظام القطري، ودفعه لتقديم شكوى ضد مصر في مجلس الأمن تم اتهام مصر فيها باستغلال عضويتها لتنفيذ أغراض سياسية.

ويرى الخولي أن تلك الخطوة «تعبر عن حالة الارتباك الشديد الذي وصل إليه النظام القطري»، كما تعبر كذلك عن «الجهل البيّن باختصاصات مجلس الأمن» باعتباره محفلاً دولياً معنياً بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وبالتالي فإن فكرة مواجهة أية دولة تدعم الإرهاب تأتي في صلب اختصاصات المجلس. ويصف تلك الشكوى القطرية بكونها «محاولة استباقية» من أجل إجهاض أية محاولات مصرية خلال رئاسة مصر للمجلس لتحريك المجتمع الدولي لفرض عقوبات على قطر.

النطاق الإقليمي

بينما يعتقد أستاذ العلوم السياسية خبير العلاقات الدولية الدكتور جهاد عودة، بأن الشكوى القطرية ضد مصر في مجلس الأمن جاءت ردًا على الجهود المصرية في المجلس، في تبادل شكاوى بين الطرفين، مؤكدًا على أن القطريين يعملون بشكل منظم في إطار تدويلهم للأزمة الحالية.

فيما يشدد على ضرورة أن تكون هنالك استراتيجية وتكتيكات وتقنيات تسمح بإعادة الأزمة للمستوى الإقليمي، لأن تدويلها قد يكون في صالح قطر بصورة أو بأخرى، ملمحًا إلى لعب «المال القطري» دوراً في ذلك الإطار.

ويرى أن الدول الأربع عليها أن تنظم نفسها بشكل أقوى، وألا تنجر وراء محاولات استنزافها، وأن تكون هنالك خطة واضحة من أجل تحجيم قطر ودورها. كما يوضح أن قطر عملت على تدويل أزمتها مع دول المقاطعة، وأن الحكم على مدى نجاحها في تلك المحاولات والشكاوى يتوقف على مدى نجاح دبلوماسيتها في الحشد.

Email