محاولة لإغراء المغتربين بالبقاء وإنقاذ الاقتصاد من الانهيار

«الإقامة الدائمة».. قانون مسيّس والتفــاف قـــــــطري جديد على المطالب

ت + ت - الحجم الطبيعي

في خطوة وصفها محللون سياسبون بأنها تعمق الأزمة بين قطروجيرانها وتمثل دفعة معنوية جديدة لخيام «الارتزاق» التي حطت في الدوحة، ونافحت عنها بشراسة في أزمتها الأخيرة مع الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب، وافق مجلس الوزراء القطري على مشروع قانون بشأن بطاقة «إقامة دائمة» لغير القطريين ممن «أدوا خدمات جليلة للدولة، وذوي الكفاءات الخاصة التي تحتاج إليها الدولة».

ووافق مجلس الوزراء القطري على القرار - بحسب وكالة الأنباء الرسمية- برئاسة عبدالله بن ناصر آل ثاني الذي يرأس المجلس مع حمله حقيبة «الداخلية»،وبموجب القانون الذي لم تحدد ملامحه، يحق لوزير الداخلية منح الإقامة الدائمة لغير القطريين وفق شروط لم تذكرجميعها.


ويسكن العاصمة القطرية التي وصفتها وسائل إعلام أميركية بـ«مدينة التناقضات» ملاحقون من بلدانهم بتهم الإرهاب،ويتولى بعضهم أماكن حساسة في دوائر صنع القرار القطري، حتى أضحوا أصحاب نفوذ وامتيازات لا يجدها المواطن القطري، بحسب ما تؤكده تقارير لسياسيين قطريين خارج البلاد.


ويرى محللون سياسيون صعوبة الفصل بين القرار القطري، الذي يرونه دفعة معنوية لآلاف المقيمين الذين امتهنوا المنافحة عن الدوحة، وبين أزمة قطر مع جيرانها، بينما يكشف المستقبل القاتم للدوحة التي باتت عاصمة طاردة للأجانب الذين يمثلون 90% من سكانها.


تسيس الشروط
ورغم أن تفاصيل القانون لم تعلن بعد، إلا أن ما ذكرته وكالة الأنباء يشير إلى أن «الإقامة الدائمة» لن تكون متاحة للكل بشروط عامة كما هو الحال في بريطانيا مثلا (مدة الإقامة والاستمرار في العمل)، وإنما سيخضع منحها لاعتبارات تقررها الحكومة القطرية وقيدت بعبارة الذين «أدوا خدمات جليلة للدولة» أو «ذوي الكفاءات الخاصة التي تحتاج إليها الدولة» مما يضعها تلقائياً في خانة الاجراء السياسي.


ويرى عدد من المعلقين المطلعين على الأوضاع داخل قطر أن ذلك الإجراء يستهدف تهدئة قلق كثير من المقيمين في قطر مع استمرار أزمة الدوحة مع جيرانها والتبعات الاقتصادية لمقاطعة الدول الداعية لمكافحة الإرهاب لقطر.


وحسب وكالة الأنباء القطرية سيتمكن حامل بطاقة الإقامة الدائمة من الحصول على نفس معاملة «القطريين في التعليم والرعاية الصحية في المؤسسات الحكومية»، إضافة إلى «الأولوية في التعيين بعد القطريين في الوظائف العامة العسكرية والمدنية». ويبلغ عدد سكان قطر 2.4 مليون شخص، 90 بالمئة منهم من الأجانب، يعتمد عليهم في كثير من مناحي الدولة والمشروعات غير المكتملة في البلاد.


مخاوف
وأبدى عدد من المراقبين مخاوفهم أن تكون الإقامة الدائمة مقدمة لتجنيس بعض المقيمين في قطر من الإرهابيين والمتطرفين من الدول العربية وغيرها، وبعضهم محكوم عليه في قضايا في بلاده أو مصنف على قوائم الإرهاب.


ونقلت وكالة بلومبيرغ الأميركية عن باحث أميركي متخصص في السياسات العامة أن إعلان قطر في هذا التوقيت عن القانون الجديد، يمكن أن يكون الهدف من ورائه حشد التأييد الدولي في مواجهة أزمة مقاطعة الدوحة.بينما قال كريستيان كوتس اولريتشن، وهو باحث في معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس: «القرار يمكن أن يكون مصممًا لحشد التأييد الدولي من خلال تصوير قطر على أنها شيء مختلف في المنطقة، متسامحة ومنفتحة بشكل شامل». وكانت وكالة «بلومبيرغ» أكدت أن علامات الإجهاد بدأت تظهر على الاقتصاد القطري، وذلك بعدما أظهرت بيانات مصرف قطر المركزي أن صافي احتياطي النقد الأجنبي لديه تراجع 10.4 مليارات دولار في يونيو إلى 24.4 مليار دولار.


مقدمة تجنيس
وأعرب كتاب ومثقفون سعوديون عن خشيتهم من أن يكون موافقة مجلس الوزراء القطري على مشروع القانون هي خطوة لتجنيس بعض المقيمين في قطر من الإرهابيين والمتطرفين من الدول العربية وغيرها، وبعضهم محكوم عليه في قضايا في بلاده أو مصنف على قوائم الإرهاب.


وقال استاذ علوم سياسية سليمان عبد الكريم الراشد إن قرار الدول الداعية لمكافحة الإرهاب قطع العلاقات الدبلوماسية وخطوط النقل مع الدوحة، تسبب في نزوح رؤوس أموال عن قطر، وجعل العديد من الشركات الأجنبية الكبرى العاملة تخطط للخروج في حال استمرار الأزمة، ولعل ذلك قد دفع بالنظام القطري إلى تقديم نوع من الاغراءات للمقيمين في البلاد كمنحهم بطاقة الإقامة الدائمة وفقاً للشروط الفضفاضة المعلنة.


ومن جهته اعتبر الباحث السياسي محمد احمد بن حزام أن قرار مجلس الوزراء القطري في هذا التوقيت بالذات له عدة دلالات منها محاولة استدراك انهيار الاقتصاد القطري بسبب خطط العديد من الشركات الأجنبية ورجال الأعمال من قطر، إضافة إلى الالتفاف على مطالب الدول الداعية لمكافحة الإرهاب من خلال منح المطلوبين لدى هذه الدول الجنسية القطرية وإحباط عملية إلزامية تسليمهم لدولهم.


وقال إن قطر لم تعتمد شروطاً عامة ومنطقية مثل بعض الدول الأوروبية التي تحسب للمقيمين فيها سنوات اقامتهم لتمنحهم الإقامة الدائمة وإنما اعتمدت ضوابط فضفاضة غير مسبوقة في هذا المجال، لدى بقية الدول التي تمنح المقيمين فيها هذه الامتيازات.


وذكرت الكاتبة الصحفية مها الشهري أن قطر التي يبلغ عدد سكانها 2.5 مليون نسمة حوالي 90 في المائة منهم من الأجانب تواجه انتقادات واسعة في ملف حقوق الإنسان والعمالة الوافدة، وهي تريد أن تجمل صورتها أمام المجتمع الدولي.


وقالت المحلل الاقتصادي هلا ابو حجلة إن توفير إقامة للأجانب بشكل دائم هو اجراء احترازي تقوم به الدولة لضمان الحفاظ على مابقي لديهم من استثمارات ومحاولة منهم لاستقطاب المستثمرين من خلال توفير الحوافز والخدمات والامتيازات، ولكن من المهم معرفة أن أي مستثمر يود الانطلاق بمشروع معين يهمه جداً الاستقرار السياسي في الدولة وطبيعة علاقتها مع الدول المحيطة بها. فالمعاملات البنكية ضرورية وأساسية لإقامة أي مشروع واستمراره على المدى البعيد.


وتضيف أبو حجلة: إلى هذه اللحظة لم نعرف تفاصيل هذا المشروع بمجمله. إلا انه قد تبين أن هذه الإقامة الدائمة ستمنح لفئات محددة لا تستطيع الدولة القطرية الاستغناء عنهم أو إيجاد بديل لهم وهذه الفئات فئات محدودة بعددها و لا تعبر عن عامة الأجانب.


وقال محللون سياسيون فلسطينيون إن اتخاذ قطر قراراً بمنح الأجانب إقامة دائمة في قطر، في ظل نقص السيولة وبدء تأثير المقاطعة عليها، دليل على أن قطر تحاول احتواء الأزمة، وتقديم إغراءات للأجانب بالبقاء في قطر، وعدم الخروج منها.

و قال المحلل السياسي عبد المجيد سويلم، إن قرار التجنيس ليس جديداً، فقد كانت قطر تفكر في الموضوع مسبقاً، والآن لديها فرصة على ما يبدو ولديها مبرر، والتي تهدف لزيادة عدد السكان في المستقبل، والإقامة الدائمة هي خطوة على طريق التجنيس.

وأوضح أن الخطوة مرتبطة بطمأنة السكان والأجانب بعدم مغادرة البلاد، وهذا يدلل على أن قطر ممعنة في سياساتها الانفرادية في خروجها عن الصف الخليجي وربما العربي كله. ويعتقد سويلم، أن مجموع هذه الخطوات تدلل على أن قطر حسمت أمرها بالتعنت والخروج عن الصف الخليجي، وليس لديها نية لحل الأزمة والاستجابة لمتطلبات الدول الأربع، وهي بالأساس تعكس توجه المجتمع الدولي وليس فقط أراء الدول.


اضطرار
قال المحلل السياسي د جمال أبو نحل، إن قطر بدأت تشعر بأن المقاطعة بدأت تؤتي أكلها، نتج عنه خروج للأيدي العاملة، فلذلك اضطرت لوضع الإغراءات والامتيازات حتى يمكث المغتربون ورؤوس الأموال في قطر، عن طريق الحوافز المقدمة لهم.

Email