الملف السوري أشعل خلافه مع عزمي بشارة

حمد بن جاسم مخاطباً العرب في نوبة جنون: ليس أمامكم إلا أن تتبعوني!

■ الحرب السورية فرصة حمد بن جاسم لإطلاق يد المتطرفين | أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

كسب حمد بن جاسم ثروة ومكانة من عمله في سمسرة صفقات السلاح، إلا أنه واجه عقبة في وقت لاحق بصعود نجم تميم بن حمد وظهور صراع داخل العائلة الحاكمة انتهت في النهاية بخروج بن جاسم من الحكم، ظاهرياً، وتفرغ للصفقات والمؤامرات.

في «قطر.. أسرار الخزينة» الصادر في باريس عن دار ميشيل لافون، يخصص الكاتبان الفرنسيان جورج مالبرونو وكريستيان شينو فصولاً عن أدوار حمد بن جاسم والصراع داخل العائلة الحاكمة.

يقول الكتاب الفرنسى: «إن أمير قطر صار يعتمد على ابنه أكثر فأكثر لإدارة الملفات الدبلوماسية المهمة التي كانت في الأساس مهمة رئيس الوزراء.

وخلال الحرب ضد نظام القذافي في ليبيا، كان الأمير تميم هو المسؤول عن الاتصالات بالقبائل الليبية، التي لعبت دوراً شديد الأهمية والحسم في الإطاحة بالقذافي».

كان ما اعتبره الأمير السابق حمد بن خليفة نجاحاً لنجله تميم في إدارة الملف الليبي سبباً في أن يعتمد عليه والده من جديد في تعامل قطر مع الأزمة السورية، وهو الملف الذي أشعل الصراع بين حمد بن جاسم وعزمي بشارة، رجل تميم في الملف السوري، على حد وصف الكتاب وقد أوردت إحدى البرقيات الدبلوماسية السرية التي أرسلتها السفارة الفرنسية في الدوحة إلى حكومتها في باريس أنه «في أزمة سوريا سعت قطر لحشد التأييد الدولي لدعم المعارضة السورية بكل الوسائل والسبل: حشد الفنانين، تقديم الدعم المالي والسياسي للمجلس الوطني السوري، تحريك رجال الأعمال السوريين.. باختصار، كل ما يمكن أن يجعل الدوحة عاصمة المعارضة السورية التي يتم التخطيط لمستقبل سوريا فيها، وكما حدث في ليبيا، فإن رجلاً واحداً لعب دوراً محورياً في هذا التحرك، هذا الرجل هو عزمي بشارة، النائب السابق في الكنيست الإسرائيلي، والرجل الذي تم نفيه من إسرائيل بسبب صلاته بحزب الله، واستضافته الدوحة بعدها لكي يدير أحد مراكز الأبحاث فيها.

إن عزمي بشارة، المقرب من الأمير تميم، منخرط مع المعارضة السورية منذ بداية الأزمة، لكنه اضطر لاحقاً إلى أن يتراجع أمام رئيس الوزراء حمد بن جاسم، الذي انتزع ملف الأزمة السورية وأحكم قبضته عليه».

عنجهية بن جاسم

كان واضحا أن الصراع الذي يجري على أرض سوريا ستنعكس آثاره حتماً على الصراع الدائر في قلب العائلة المالكة القطرية بين حمد بن جاسم والأمير تميم بن حمد، خاصة في حالة فشل ابن جاسم في وضع حد للأزمة، يقول مؤلفا كتاب «قطر.. خزينة الأسرار»: «إن الوضع في سوريا شديد التعقيد بالنسبة لقطر، خاصة في ظل وجود دول أخرى لها مصلحة في الانتقام، فالعراقيين مثلاً يقولون إنهم يملكون دلائل على أن القطريين يقومون بتمويل الإرهابيين في جماعة جبهة النصرة، وهي الامتداد السوري لتنظيم القاعدة في العراق.

مثل هذا الكلام هو أساس الانتقادات المبطنة التي يوجهها الأمير تميم، الأكثر حذراً، لطريقة التعامل مع الملف السوري، إلا أنه في نهاية الأمر لا يملك ذلك الملف تحت يده».

وأوضح الكتاب: «أن مجال الدبلوماسية، الذي كان يتحرك فيه حمد بن جاسم منذ 20 عاماً ويمثل قلب تحركاته كلها، هو المجال الذي تفجرت فيه كل طاقاته، ليضع نفسه بوضوح في قلب المجتمع الدولي.

وفي اجتماع لمجلس الأمن، أرادت فيه قطر أن تفرض عقوبات على سوريا، بينما أصر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على الاعتراض باستعمال حق الفيتو على أي مشروع قرار في هذا الصدد، فسأله حمد بن جاسم: كم تريد مقابل رفع اعتراضكم بحق الفيتو؟ فرد عليه لافروف: إياك أن تتخيل أنكم قادرون على شراء كل شيء بالمال.

وتعجب الحاضرون من هذا النقاش الذي جرى في غير محله، ما تسبب في توتر العلاقات بين روسيا وقطر».

ويروي أحد الدبلوماسيين المغاربة، في مقابلة مع مؤلفي الكتاب يوم 12 ديسمبر 2012، عن واقعة حدثت في قلب جامعة الدول العربية في المغرب، وجه خلالها حمد بن جاسم تهديداً صريحاً لوزير الخارجية الجزائري مراد المدليسي، الذي كان رافضاً بشدة تبني موقف معارض للنظام السوري بالطريقة التي تريدها قطر، فصاح فيه حمد بن جاسم: اسكت أنت، دورك سيأتي! ثم استدار للحاضرين الذين صمتوا مبهوتين قائلاً: على كل حال، ليس أمامكم إلا أن تتبعوني، لأن الأميركان ورائي أنا».

لكن، ربما كانت نظرة الأميركيين أنفسهم لحمد بن جاسم تختلف، يقول الكتاب: «إن حمد بن جاسم يضغط منذ زمن طويل على أعصاب نظرائه، فبعد الحرب الإسرائيلية على حزب الله في لبنان عام 2006، كان من المفترض أن يكون هناك غداء يختتم اجتماع في نيويورك عقدته وزيرة الخارجية الأميركية وقتها، كوندوليزا رايس، مع وزراء الخارجية العرب، لكن كوندوليزا رايس هتفت: كلا أرجوكم، لا أريد حمد بن جاسم تحديداً، سيستمر في استعراضه! ولم يبذل أي من الوزراء العرب أدنى جهد لمحاولة تغيير رأيها أو الإصرار على أن يحضر حمد بن جاسم الغداء».

لقد تميزت تصرفات حمد بن جاسم بكثير من العنجهية طيلة ممارسته للسلطة، ما جعله منبوذاً على الصعيدين الإقليمي والدولي، وبحسب أحد الدبلوماسيين العرب، فإن بن جاسم «كان يبدو متقلب المزاج، وهو عنجهي في خطابه، يتعامل مع نظرائه وخاصة من العرب بكثير من التعالي، حتى كأنه يريد الإيحاء بأنه يحظى بدعم قوى عالمية، وأن لا أحد يستطيع الرد عليه، وهو يتميز بالحقد على كل من يخالفه الرأي، وكذلك بالغرور الذي يبدو من سلوكه وحركاته ومواقفه»، ويضيف الدبلوماسي «لقد كان أغلب القادة العرب يدركون أن حمد بن جاسم شخصية معقدة، تجمع بين الجشع للمال والجشع للسلطة وللنجومية، لذلك كان يقوم بأدوار استعراضية في كل المناسبات ويحاول الظهور بمظهر الحاكم الفعلي لقطر والقادر على تغيير مصير المنطقة، وبعد الإطاحة بأنظمة بن علي ومبارك والقذافي بدا وكأنه تحول إلى الحاكم الفعلي لهذه الدول، فقطر الإمارة الصغيرة أصبحت قوة امبريالية توسعية بفضل مؤامراته التي يعرف الجميع كيف كانت تحاك ومن كان يقف وراءها».

Email