مع بداية ظهور آثار «العزلة » وتدهور ثقة المستثمرين

الاقتصاد القطري يتضعضع والتجارة والاستثمار أكثر القطاعات تضرراً

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكد المركز الاستشاري الاستراتيجي للدراسات الاقتصادية والمستقبلية في أبوظبي أن التطورات التي شهدتها الأيام القليلة الماضية، على خلفية الأزمة التي تسببت بها السياسات القطرية، تشير إلى أن الاقتصاد القطري بدأ تظهر عليه مظاهر المعاناة نتيجة للأزمة التي اندلعت في الخامس من يونيو الجاري لدى إعلان كل من المملكة السعودية والإمارات ومملكة البحرين ومصر قطع علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع قطر، ما أفضى إلى قيام هذه الدول بإغلاق منافذها البرية ومجالاتها البحرية والجوية أمام قطر.

وأوضح تقرير «المركز الاستشاري الاستراتيجي» أن آثار العزلة التي دخلها الاقتصاد القطري قد بدأت، جراء ذلك في الظهور في ظل الأهمية الكبيرة التي تحتلها الدول المقاطعة بالنسبة لحركة التجارة الخارجية لقطر، وكذلك بالنسبة لحركة الأفراد من قطر وإليها، وبالنسبة لحركة رؤوس الأموال الوافدة إليها أيضاً.

تأثيرات مباشرة

كما أن العلاقات الاقتصادية المباشرة التي تربط الدول المقاطعة بقطر تزيد من حدة وعمق تأثير الأزمة على الاقتصاد القطري أيضاً، لافتاً إلى أن آثار الأزمة على الاقتصاد القطري تتعدد بتعدد القطاعات وأنشطته الاقتصادية المنكشفة على هذه الأزمة، كالتجارة البينية بين قطر ودول المقاطعة والتجارة الخارجية والأوضاع المالية للحكومة والاستثمار الأجنبي والبورصة القطرية والسياحة والطيران المدني، وغيرها من القطاعات أيضاً.

وفي ما يتعلق بالتجارة الخارجية القطرية أشار تقرير المركز الاستشاري الاستراتيجي للدراسات الاقتصادية والمستقبلية إلى أن الإحصاءات والبيانات الرسمية تبِّين أن السعودية والإمارات والبحرين ومصر تستحوذ على ما يناهز 6.5 مليارات دولار، أو ما يساوي 10%، من إجمالي الصادرات القطرية البالغة 65 مليار دولار. كما أنها تستحوذ على ما قيمته 5.1 مليارات دولار، أو نحو 15% من الواردات القطرية البالغة 34 مليار دولار.

وهذا يعنى أن قطع هذه الدول علاقاتها التجارية المباشرة بقطر يعني أن قطر ستخسر 11.6 مليار دولار من تجارتها الإجمالية البالغة قيمتها 65 مليار دولار، مشدداً على أن تأثير الأزمة في العلاقات التجارية المباشرة، لن يتوقف عند هذا الحد، فإغلاق المجال الجوي وخطوط الملاحة البحرية التابعة للدول المقاطعة، ولا سيما السعودية والإمارات، يهدد استقرار تدفق سلع الاستيراد الآتية من مختلف دول العالم إلى قطر ما يزيد من حدة الأزمة.

السلع الاستهلاكية

وبشكل عام، فستكون أسواق سلع الاستهلاك النهائي القطرية، ولا سيما السلع الغذائية، هي الأكثر تأثراً، الأمر الذي يمس الحياة اليومية للسكان بشكل مباشر، من خلال قصور المعروض من هذه السلع وارتفاع أسعارها في الوقت ذاته. يضاف إلى ذلك أن إغلاق المجال الجوي وخطوط الملاحة البحرية التابعة لدول المقاطعة في وجه سلع التصدير القطرية يلقي بظلاله أيضاً على الاقتصاد القطري، الذي ستتقلص قدرة منتجاته على الوصول إلى الأسواق العالمية.

تدفق الاستثمار

وأضاف تقرير «المركز الاستشاري الاستراتيجي» أنه بالنسبة للأوضاع المالية الحكومية في قطر، فإن حالة العزلة التي تحول إليها الاقتصاد القطري تعد مصدر تهديد بالنسبة لأوضاعه المالية، إذ إن الأزمة تحد من تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية إليه، ولأن هذه التدفقات تمثل بنداً جوهرياً ضمن بنود الموازنة العامة للدولة القطرية، فإن ذلك سيضطر الحكومة إلى السحب بكثافة من أرصدتها المالية، وقد تلجأ إلى تسييل بعض أصول صندوقها السيادي الموزعة حول العالم والمقدرة بنحو 335 مليار دولار، لا سيما أنه في الأزمات المماثلة عادة ما تلجأ الحكومات إلى ضخ كميات كبيرة من السيولة في عصب الاقتصاد الوطني، سواء عبر القطاع المصرفي أو تمويل الاستيراد أو الإنفاق على المشروعات التنموية المخططة، لتمكينه من المحافظة على مستويات أدائه كما هي.

الجدارة الائتمانية

ولفت تقرير«المركز الاستشاري الاستراتيجي» الانتباه إلى أن الجدير بالذكر أن الأزمة القائمة أخذت مجراها في التأثير على الجدارة الائتمانية للاقتصاد القطري بالفعل، فهو قد تعرض لخفض تصنيفه الائتماني من جانب وكالة «ستاندرد آند بورز» نهاية الأسبوع الماضي، من AA إلى AA-، كما وضعته الوكالة على قائمة المراقبة الائتمانية ذات التداعيات السلبية، ما يعني أن هناك احتمالاً كبيراً لخفض جديد في تنصيفه الائتماني خلال الفترة المقبلة. كما خفضت وكالة «موديز» التصنيف الائتماني لقطر من AA2 إلى AA3، بسبب ضعف المركز الخارجي للبلاد، والضبابية التي تحيط بنموذج النمو الذي تتبعه الدولة.

كما تعرضت التصنيفات الائتمانية لعدد من الشركات القطرية إلى التخفيض أيضاً من قبل وكالات التصيف العالمية، وشمل ذلك شركة «راس غاز»، وشركة «قطر للبترول»، وشركة «صناعات قطر»، وشركة «الديار العقارية»، و«شركة ناقلات» وشركة «أوريدو»، وبالطبع سوف تزداد هذه القائمة طولاً مع استمرار الأزمة.

تراجع الجاذبية

أما في ما يتعلق بالاستثمارات الأجنبية المتدفقة إلى قطر، فإن الأزمة أفقدت الاقتصاد القطري الكثير من مقومات جاذبيته تجاه الاستثمار الأجنبي بشقيه المباشر وغير المباشر، إذ إن عزل هذا الاقتصاد عن محيطه الإقليمي يقلص قدرته الاستيعابية بالنسبة للاستثمار الأجنبي، بسبب تراجع قدرة المستثمرين والشركات العاملة فيه على الوصول إلى أسواق دول الجوار لتصريف منتجاتها، كما أن احتمالات تعرض الاقتصاد القطري لعدم الاستقرار، في ظل الأزمة زادت من عدم ثقة المستثمرين في مستقبله، وفي قدرته على توفير التمويل اللازم بالاعتماد على القطاع المصرفي المحلي والإقليمي والعالمي كذلك، بسبب قصور السيولة المحلية، وانقطاع الصلة مع الأسواق الإقليمية الهامة، إضافة إلى ضعف القدرة على الوصول إلى الأسواق العالمية.

وضع حرج

وفي ما يتعلق بتأثير الأزمة في الاستثمار الأجنبي المباشر في قطر، أعاد تقرير المركز الاستشاري الاستراتيجي للدراسات الاقتصادية والمستقبلية إلى الأذهان إلى أنه ووفقاً لبيانات منظمة «الانكتاد»، يبلغ حجم الاستثمارات التي تنتمي إلى السعودية والإمارات والبحرين ومصر في قطر بنحو 22.2 مليار دولار، وتمثل 20.5% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في الإمارة الخليجية الصغيرة، واستمرار الأزمة الحالية يزيد من احتمالات خروج هذه الاستثمارات من هناك، ما يدفع الاقتصاد القطري إلى وضع شديد الحرج من دون شك، أما في ما يتعلق بجانب قطاع الاستثمار الأجنبي غير المباشر، فقد شهدت الأيام الماضية موجة خروج كبيرة له من قطر، الأمر الذي تسبب في تعرض البورصة القطرية لخسائر بلغت قيمتها نحو 10 مليارات دولار. فقد تم رصد موجة هجرة لرؤوس الأموال الخليجية والأجنبية للبورصة القطرية، حيث بلغ صافي مبيعات المستثمرين الخليجيين والأجانب 223.5 مليون دولار، منها 159.3 مليون دولار أموال خليجية، و64.2 مليون دولار أموال أجنبية.

إلغاء الرحلات

وأشار تقرير «المركز الاستشاري الاستراتيجي» إلى أن الأزمة تلقي، بلا شك، بتداعياتها السلبية أيضاً على قطاع السياحة القطري، وكذلك على أداء شركة الخطوط الجوية القطرية، ويعود ذلك إلى أن إغلاق المجال الجوي للدول المشاركة في المقاطعة أمام حركة الطيران القطري وكذلك إلغاء رحلات الطيران التي كانت تقوم بها شركات الطيران المنتمية لتلك الدول إلى العاصمة القطرية الدوحة، كل ذلك يفقد قطر إحدى أهم المميزات التي جعلت منها وجهة سياحية يقصدها نحو 37 مليون سائح سنوياً على مدار السنوات الماضية، فضلاً عن أن إغلاق المجال الجوي للدول المقاطعة أمام حركة الطيران القطري، تضع شركة الخطوط الجوية القطرية بين أكبر الخاسرين جراء الأزمة، حيث خسرت الشركة نحو خمسين رحلة جوية يومياً، كانت تقصد مطارات الإمارات والسعودية والبحرين ومصر.

كما أصبحت الشركة مجبرة على تغيير مسارات رحلاتها الذاهبة والقادمة من الوجهات الواقعة في نصف الكرة الأرضية الغربي، وبالتحديد في قارات إفريقيا وأوروبا وأميركا الشمالية، تفادياً للمجالات الجوية الإماراتية والبحرينية والسعودية والمصرية، وستكون المسارات البديلة أطول من المسارات القديمة، الأمر الذي يزيد من التكلفة التشغيلية للشركة القطرية، لتفقد بذلك نسبة كبيرة من قدراتها التنافسية، وستفقد حصة من سوقها العالمي لصالح منافسيها في المنطقة والعالم.

أمد الأزمة

وخلص تقرير المركز الاستشاري الاستراتيجي للدراسات الاقتصادية والمستقبلية إلى أنه بوجه عام، فإن الآثار السلبية للأزمة الحالية على الاقتصاد القطري هي آثار لا حصر لها، وهي مرشحة للزيادة والتعقيد أيضاً في الأجلين المتوسط والطويل، خاصة إذا ألقت الأزمة بظلالها على قطاع الغاز الطبيعي القطري، الذي هو العماد الرئيسي لاقتصاد البلاد.

وعموماً فإن مصير الاقتصاد القطري في ظل الأزمة الحالية مرهون بالأمد الزمني للأزمة ذاتها، وكذلك ما إذا أقدمت الدولة المقاطعة على إجراءات إضافية تندرج تحت بند المقاطعة، بجانب احتمالات انضمام دول أخرى للمقاطعة من عدمه، خلال الفترة المقبلة، وكما أضافت دول المقاطعة إجراءات جديدة، وكلما طال أمد الأزمة، وكلما شاركت دول جديدة في المقاطعة، كلما دفع ذلك، بالاقتصاد القطري إلى المزيد من مضاعفة خسائره.

Email