خبراء أميركيون: خياران أمام قطر التحوّل الجذري أو عزلة أكثر عمقاً

ت + ت - الحجم الطبيعي

انتشر دعم قطر للإرهاب في كل مكان وطاف القرى والحضر، فلم يعد خافياً على أحد هذا التبنّي والاحتضان القطري للتطرّف وتنظيماته بدءاً من "الإخوان المسلمين" و"حماس" و"طالبان" و"القاعدة" بل وحتى "داعش"، في أمر أقلق الجوار الخليجي الساعي دوماً إلى استقرار المنطقة وأمنها وإبعادها عن تدخّلات إيران التي لا تريد بالخليج وأهله خيراً.

يوماً بعد آخر تتكشّف خيوط العلاقة بين قطر وإيران وسعيهما الحثيث إلى إشعال الحرائق في مناطق كثيرة بالمنطقة، مراهنتين على الإرهاب وتنظيماته لتنفيذ هذه المخطّطات.

لا تعبآن بما يحيط بالمنطقة من مخاطر ومهدّدات. لقد بدأ الاصطفاف بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات لإعادة الدوحة إلى صوابها إن أرادت ذلك، وألّا تكون قد حكمت على نفسها بالعزلة التي يتسع محيطها على الدوحة يوماً بعد آخر.

لا تزال أزمة دولة قطر مع جيرانها الخليجيين، وإصرارها على التمسّك بدعم الإرهاب مستمرين، فيما أصداؤهما تتردّد في كل مكان من العالم تقريباً. ويرى خبراء ومسؤولون أميركيون سابقون أنّ قطر تغرّد من نحو 25 عاماً خارج السرب الخليجي، مشيرين إلى أنّ التمويل القطري للجماعات المتطرفة كان منذ فترة طويلة مصدراً للتوتر مع واشنطن.

ويشدّد المسؤولون والخبراء على أنّ قطر أمام خيارين بلا ثالث إمّا إحداث تحوّل جذري في سياساتها أو مواجهة عزلة أعمق، لافتين إلى أنّ عدم اتخاذ الدوحة أي إجراءات بشأن قضايا تمويل الإرهابيين لا يزال يغضب واشنطن.

وتشير زميلة الأبحاث في برنامج سياسة الخليج في معهد واشنطن لوري بلوتكين بوغارت، إلى أنّ المخاوف التي تنتاب البعض في واشنطن تتمثّل في دعم قطر السياسي وغير السياسي لمختلف الجماعات المتطرّفة والإرهابية على امتداد المنطقة.

موضحة أنّ هذا الأمر كان السبب الرئيس وراء تعرض إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لضغوط متزايدة من جهات مختلفة، للنظر في تخفيض الوجود العسكري الأميركي في قطر أو سحبه.

وتمضي بوغارت إلى القول: «وإذا كانت المشاركة الأميركية في قمّة الرياض حققت نجاحاً في أنشطة تمويل مكافحة الإرهاب والسياسات ذات الصلة، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه هل ستثبت العزلة التي تعانيها قطر من جيرانها الخليجيين بأنها أكثر فعالية؟ بإمكان واشنطن أن تعمل مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات جنباً إلى جنب مع قطر.

لتحديد الخطوات المعينة التي يمكن أن تتخذها الأخيرة لمعالجة الفروق الحاسمة بما يتماشى مع مبادرات مكافحة الإرهاب وغيرها من المبادرات الأمنية الإقليمية التي أُعلن عنها خلال قمم الرياض، وينبغي أن يكون الهدف النهائي هو دفع العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الخليج .

وكذلك العلاقات الإقليمية نحو تعاون أوثق، وسترحب الولايات المتحدة بدخول الدوحة إلى أسرة الشركاء الخليجيين الذين يوافقونها الرأي حول تمويل أعمال مكافحة الإرهاب والمصالح الإقليمية وهي أمر يختلف حولها الطرفان الآن».

إلزام قطر

بدوره، يرى الباحث البارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ديفيد واينبرغ، أنّ الوصول إلى هذه المرحلة من التوتّر في العلاقات الخليجية دليل على الإحباط من سلوك قطر غير المسؤول على مدار السنوات الأخيرة.

مضيفا أن ما يقصده بالسلوك غير المسؤول هو علاقات قطر من حركات متطرّفة إرهابية على غرار حركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين والمجموعات الأخرى التي تهدد استقرار منطقة الشرق الأوسط.

ويقترح مشروع مكافحة التطرّف في واشنطن على الإدارة الأميركية إلزام الدوحة باتخاذ عدة خطوات لإثبات حسن النوايا، لاسيّما فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب ومنها:

* توقيف أو طرد جميع الأفراد المطلوبين دولياً داخل حدودها، بما في ذلك الأشخاص الذين ذكرتهم تقارير المؤسسة ومن ضمنهم الشيخ يوسف القرضاوي المطلوب للإنتربول.

* طرد أو اعتقال جميع أعضاء حركتي حماس وطالبان المقيمين في الدوحة.

* وقف كل الدعم المباشر المالي والاستراتيجي للمنظمات المصنفة تحت بند الإرهاب.

ولا تنتهي أزمة قطر عند هذا الحد، إذ يستعد عضو الكونغرس الجمهوري إدوارد رويس لطرح مشروع في الكونغرس الأميركي لتسمية قطر كدولة راعية للإرهاب بسبب دعمها حركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين ومجموعات أخرى.

واستطاع رويس حتى الآن الحصول على تأييد أحد عشر عضو كونغرس من كلا الحزبين لطرح المشروع، أملاً في استقطاب المزيد.

سياسة تناقضات

في السياق، يقول مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن سايمون هندرسون: «يبدو أن هذه الأحداث هي أحدث تطور في السياسة الخارجية القطرية التي تشتهر بالتباينات والتناقضات، على سبيل المثال كانت الدوحة أغضبت السعودية سابقاً بعد استضافتها مكتباً دبلوماسياً إسرائيلياً.

ولكنها قامت في وقت لاحق بطرد أعضاء البعثة وضم حركة حماس في كنفها وتقديم رعاية مالية ودبلوماسية كبيرة للحركة، كما دعمت قطر المتطرّفين الجهاديين في سوريا، بل إنّها تدعم بعض الشخصيات في جماعة الإخوان المسلمين، وفي الوقت نفسه فإنّ عدم اتخاذها أي إجراء حول قضايا تمويل الإرهابيين لا يزال يغضب واشنطن».

وشدّد هندرسون على أنّ الأولوية بالنسبة لواشنطن يجب أن تكون احتواء الخلافات وصون وحدة دول مجلس التعاون الخليجي، فضلاً عن الحفاظ على النوايا الدبلوماسية الحسنة التي تحققت في مؤتمرات قمة الرياض، مردفاً:

«هذا الحادث أيضاً تذكير بأنّ عدم رغبة الدوحة في تخطي طهران قد يضعف في النهاية استعدادها لاستضافة وجود عسكري أميركي كبير، وبناء على ذلك يجب على واشنطن إعادة النظر في البدائل الحالية لقاعدة العديد».

أبعاد أزمة

من جهته، يوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة تكساس والخبير في منطقة الخليج العربي غريغوري غوس، أنّ هناك أبعاداً متعددة للأزمة، أولها إجماع دول خليجية وعربية على دعم قطر للإرهاب والتطرّف، مشيراً إلى أنّ قطر بالفعل الأقل صرامة بشأن تنظيم حركة الأموال الخاصة.

ونوّه غوس إلى علاقة قطر بجماعة الإخوان المسلمين والجماعات المتطرّفة إلى جانب التعاون القطري - الإيراني حول بعض القضايا، في الوقت الذي تواجه فيه المملكة العربية السعودية تدخلات إيران في شؤون المنطقة مباشرة وعلى كافة الصعد.

تقاطع مواقف

ويلفت حسين إيبش أحد كبار زملائه المقيمين في معهد دول الخليج العربي، إلى أنّ موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتقاطع وبشكل حاسم مع موقف السعودية والإمارات والبحرين ومصر ودول أخرى في الضغط على قطر لوقف تمويل ودعم الإرهاب وتنظيماته وجماعاته.

مضيفاً: «هناك أولويتان تواجهان إدارة ترامب، الإرهاب وإيران، وهذا هو بالضبط ما يحدث، إنّ فرصة انحياز الولايات المتحدة إلى قطر ومنحها فرصة للخروج وحفظ ماء الوجه قد انتهت تماماً».

ويشخّص بروس ريدل ضابط الاستخبارات السابق والذي عمل مستشاراً لأربع إدارات أميركية الموقف بقوله: «القطريون منذ ربع قرن يغردون خارج السرب الخليجي»، دول الخليج تريد من قطر قطع علاقاتها مع إيران وطرد حركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين، وأن تبث قناة الجزيرة أخباراً مقبولة سياسياً.

وفيما يعزو مسؤولون أميركيون تفاقم الأزمة والتوتر الإقليمي إلى سياسات أوباما الفاشلة والتي كانت في السنوات السابقة تنتهج سياسة الابتعاد عن حلفاء الولايات المتحدة التقليديين.

واتباع سياسات تسعى لمنح إيران المزيد من القوة، شدّد مسؤول رفيع في البيت الأبيض رفض الإفصاح عن اسمه، على أنّ العلاقة الفاترة بين إدارة أوباما والمملكة العربية السعودية والاتفاق النووي الإيراني، هو الذي أطلق العنان للطائفية».

مصدر توتّر

إلى ذلك، يقول مارك لاندلر الصحافي في صحيفة «نيويورك تايمز»، إنّ تمويل قطر الجماعات المتطرّفة كان ومنذ فترة طويلة مصدراً للتوتر مع واشنطن. وأبان أنّ الولايات المتحدة تحاشت اتخاذ مواقف في الخلافات الإقليمية في الخليج العربي، لأن لديها شراكات استراتيجية مع معظم دوله.

وفيما ذكر غايل تزيماش ليمون الزميل في مجلس العلاقات الخارجية بواشنطن، أنّ أزمة قطر نتاج التوتر في الأشهر الأخيرة، والتي وصلت نقطة الانهيار بعد التصريحات المنسوبة للأمير القطري، أفادت كارين يونغ الباحثة في معهد دول الخليج العربي بواشنطن.

ألّا رابط بين ما يحدث في دول مجلس التعاون الخليجي وزيارة الرئيس ترامب للمنطقة، مضيفة: «السعودية والإمارات ضاقتا ذرعاً بالدعم القطري للإرهاب وترامب أيضاً مقتنع وسيدعم هذا الاتجاه». وقال روبرت مالي، منسق سياسة الشرق الأوسط في إدارة أوباما: «قطر في موقف صعب، إما أن تحدث تحولاً جذرياً في السياسة أو تواجه عزلة أعمق».

ضرورة ضغط

سياسياً، قال رئيس مجلس النواب الأميركي بول رايان، إنه رغم وجود قاعدة عسكرية أميركية في قطر، فإنه يجب الضغط عليها من أجل تحسين سياستها الخارجية. وقال رايان للصحافيين: «أعتقد أنه ينبغي لنا أن نمارس بعض الضغوط على قطر» لأنه «يمكن لقطر أن تحسن سياستها الخارجية - دعونا نضع الأمر على هذه النحو».

 

 

 

 

Email