361 مليار دولار مفقودة من الموازنات بين 2004 و2014

الفساد ينهش جسد العراق

ت + ت - الحجم الطبيعي

تدهـــورت أوضــاع العراق إلى نحو كبير وضاق النـــاس ذرعاً بالفساد المـــالي والإداري الذي أصـــبح ينهش الدولة العـــراقية إلى درجة أنّ لا أحد يستطيع وضع حد له، بل أخذ بالتدرج حتى أصبح منظماً بل ومؤسسياً.

وتــحاول كل مجموعة التستر على عناصرها لإبعادهم عن المسألة معــتبرة ذلك مساساً بهيبـــتها، ما أجبر البعــض على الاستعــانة بمحققين دوليين لكشف حجم الفساد الذي حوّل العــراق من أغنى دول العالم قبل عقــود إلى أفقر دول العالم.

قد لا تكفي مجــلدات حصر الفساد المالـــي والإداري في العراق الذي يبدأ من أصغر نقطة إلى أعلى المستويات، وكــــانت نقطة البداية عند سقوط بغداد في العام 2003، عندما تم نهب دوائر ومؤسسات الدولة بشكل غوغائي، وسرعان ما تحول إلى عمل مافيات، انتقل الكثير منها إلى «العمل السياسي»، بهدف السيطرة على ما سمّوه «غنــائم» النظام السابق، وبضمنها قضم دوائر الدولة ومقار المنظمات.

وصولاً إلى الممتلكات الشخصية لموظفين أو مسؤولين في النظام السابق، وبعضهم من وثقوا رسمياً عمليات الاستيلاء بتسجيلها كعمليات شراء، بأسعار دون الرمزية، وأبطال هذه الممارسات ما زال معظمهم رواد «العملية السياسية»، التي ابتدأت بالفساد وتطورت إلى الفساد الأكبر.

وكان رئيس الوزراء حيدر العبادي طلب رسمياً من الأمم المتحدة مساعدته في الكشف عن مصير 361 مليار دولار مفــقودة من موازنات البلاد بين عامي 2004 و2014، فضلاً عن مصير آلاف المشاريع والاستثمارات في قطاعات الكهرباء والإسكان والزراعة، وذلك على الرغم من إنفاق الدولة على تلك القطاعات ما مجموعه 98 مليار دولار خلال عشر سنوات.

ووفق المـــصادر ذاتها، فإن الفـــريق مُنح صلاحية التحقيق مع رؤساء الوزراء السابقين، وهم: إياد علاوي (2004 - 2005) وإبراهيم الجعفري (2005 - 2006) ونوري المالكي (2006 - 2014)، فضلاً عن وزراء سابقين. وسيتمكن الفريق من التحقيق مع المسؤولين الموجودين حالياً خارج البلاد، بفــضل صفته الأممية.

غنائم

في غضون ذلك، قــال المحلل السياسي زيد الزبيدي إن مــن استطاعوا الاستيـلاء على أكبر قدر من «الغنائم»، هـــم الذين أصبــــحوا قادة سياسيـين ورؤساء أحزاب وكتلاً سياسية، احتوت الكـــثير من العائدين من الخارج، بالمغريات المادية، وبما وصلت إليه أيديهم.

والنفوذ الذي استطاعوا تحقيقه، بانضــوائهم تحت جناح وحماية القوة الخارجية، وبالتقاط ما بقي من عمليات النهب، وما يمكن الوصول إليه «مستقبلاً» من ثروات البلاد.

ويرى عضـو لجــــنة الـنزاهة العراقية ريبوار طه مصـطفى أن حجم الفـساد في العراق يتــــجاوز سعي الحكومية الحالية إلى محــاربته، بسبب تجذره منذ ســنوات في مفاصل الدولة، ويقول، إن المشكلة ليست في إدارة شخــص.. المشكلة أكبر من ذلك». ويضيف «عندما يأتي شخص ويتولى منصــــب رئيــس الوزراء ويريد أن يقوم بمحاربة الفساد، فإن العملية لن تكون بالسهولة التي نتوقع».

صفقات وهمية

ويكشــف التقـــرير السنوي لهيئة النزاهة العراقية عن مستوى كبير من الفساد في البلاد، في وقت تتعالى أصوات العراقيين مطالبة بتبني إصلاحات تــضع حداً للظاهرة، وتتحدث عن عمليات فساد ضخمة تلحق أضراراً بالغـــة بالاقتصاد العراقي.

ويؤكد التقرير، الذي نشرته الهيئة على موقعها، أنها تمكنت خلال العام الماضي من استرداد ومــنع هدر وإيقاف صرف، وإصـــدار قرارات بإعادة ما مجموعه تريليون و600 مليار دينار عراقي، فيما نشرت مواقع عالمية تقارير عما وصفته بصفقات فساد تحـــت غطاء عقود نفطية شملت مسؤولين عراقيين رفيعي المستوى.

فساد دولة

في الأثناء، قال المحلل السياسي ساهر عبدالله لـ«البـيان» إن «الدولة فاسدة، ودليــل ذلك، أن عدد الموظفين الحكوميين قبل الغزو الأميركي في العام 2003، لم يتجاور الـ 800 ألف موظف، وارتفــع الآن إلى أكثر من سبعة ملايـــين، مــن دون إنتاجية».

وأضــــاف البلد يعتمد في 95 في المئة من موازنته على الإيرادات النفطية، التي أصبحت، حالياً، غير كافية لدفع رواتب الموظفــين، الذين تم تعييـــنهم بالرشاوى أو بالانتـــماء إلى أحزاب أو كتل مهيمنة، وهي أيضاً تتـــقاضى نسباً من الرواتب، في وقت تم إيقاف عمل جميع المؤسسات الإنتاجية، تحت ذريعة «الخصخصة»، ومنع سيطــرة الدولة على العمليات الإنتاجية.

أرقام فلكية

وفي السياق، يرى رئيس هيئة النزاهة الأسبق رحيم العكيلي أن حجم الفساد المتفشي في العراق بلغ أرقاماً فلكية، وهناك ملفات كبيرة لم يتم كشفها لحد الآن.

ويقول العكــــيلي إن العراق لم يطور أية آليات أو مــعايير لقياس تكلفة الفساد في العـــراق، لكن الحديث عن 1000 ملــيار دخلت الدولة العراقية منذ عام 2003 ولحد الآن، ولم يستـــفد منها المواطن بأبســـط الخـــدمات من كهرباء وصحة.

ويضيف أن هناك فساداً يتعــلق بسرقة الثروات دون دخولهـــا الموازنة، وهناك سرقات تتعلق بأصول الدولة من مشاريع الدولة الزراعية والصناعية والتلاعب بها جميــــعاً، مؤكداً أن «من الصــعب أن يتم تحديد رقم محدد لحجم الفـــساد في العراق.... أستطيع القـــول إنه رقم فلكي».

صفقات أسلحة

وتقول لجان برلمانية في مجلس النواب العراقي إنها بصدد فتح تحقيق بصفقات أسلحة أبرمتها الحكومة السابقة، برئاسة نوري المالكي، وتعهدت بإحالة ملف التحقيق إلى القضاء، في حال ثبــت وجود أدلة فساد، ومــــن أبرز تلك الملفات، عقود شراء طـائرات من روسيا والتشيك، وأشرف المالكي على توقيعها بمشاركة وزير الدفاع آنذاك سعدون الدليمي وعدد من قادة الجيش العراقي.

وبحسب نائب رئيس لجنة الأمن والدفـــاع البرلمانية حـــامد المطلك إن الحـــكومة السابقة وقعت مع روسيا في عام 2012 صفــقة لتزويد العراق بـ80 طائرة من طراز مي28 ومي35، تسلم العراق منها أربع طائرات حــتى الآن، بالإضافة إلى تزويــده بـ15 طائرة من نوع سوخوي، لم يتسلم منـــها ســوى 10 طائــرات، مشيراً إلى أنه «على الرغم من ذلك، تم تجــديد العــقد مرة أخـــرى في العام الماضي».

ويتطرق المطلك إلى عقد صفقة شراء طائرات «ل 159»مع جمهورية التشيك، بقيمة تتجاوز 200 مليون دولار، لافتاً إلى أن تاريخ تصنيع تلك الطائرات يعود إلى التسعينات، الأمر الذي اضطر الحكومة التشيكية إلى فتح مصانع كانت مغلقة لإعادة إنتاج تلك الطائرات بالمواصفات ذاتها ما حقق لها أرباحاً خيالية على حساب العراقيين.

نهب المال العام

وتحدثت مصادر برلـــمانية وإعـــلامية عن أن الطبــقة السياسية بالعراق قادت نهباً مالياً للمال العام لمدة 13 عاماً بحثاً عن النفوذ، وعندما بدأت أسعار النفط تنخفض أخيراً وتؤثر هي الأخــــرى على موارد الدولة، تلاشت كل الآمال في تحسن الحكم.

وتورد المصادر، تصريحات صاعقة لعضو لجنة النزاهة البرلمانية مشعان الجبوري، يقول فيها إن «الجميع فاسدون من قمة الهرم إلى قاعدته، نعم جميعهم بمن فيهم أنا، ولا يوجد حل».

ويضيف الجبوري، الذي لم يحاسبه أحد على اعترافاته «أنا، على الأقل أمين وصادق، لقد عرض عليّ أحدهم خمسة ملايين دولار لوقف التحقيق معه، أخذت المبلغ وظللنا مستمرين في مقاضاته.. صدقوني إن قلت إن أغلب الأسماء الكبيرة في البلاد مسؤولة عن سرقة كل ثروة العراق تقريباً».

فضيحة الموصل

ويشير وزير المالية هوشيار زيباري الى أن «سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم داعش عام 2014 يُعزى جزئياً إلى أن عدد الجنود بالمواقع العسكرية للدفاع عن المدينة كان في الواقع أقل من الموجود على دفاتر الخدمة والحضور».

ويعتقد زيباري أن كثيراً من الفساد المنظم يكمن هنا، قائلاً: «مشكلتنا الأكبر هي الجنود الوهميون، فهناك ما بين خمسمئة وستمئة مليون دولار تُدفع مرتبات شهرية لجنود لا وجود لهم».

ويعترف رئيس أركان الجيش العراقـــي السابق الجنرال باباكر زيباري، بأن قـــضية الجــنود الوهميين، بالإضافة إلى مناقصات الأسلحــة المضــــخّمة جداً، قد أفسدت القوات المسلحة، ويقدّر عدد الجنود الوهميــين بثلاثمئة ألف جندي.

ثقافة ارتكاب الفساد

ويؤكد محللون أن المشكلة الأساسية التي أدت إلى استشراء الفساد في العراق هــي نظام المحاصصة المتبع في البرلمان والحكومة الذي سبب ضعف الدور الرقابي لمجلس النواب بسبب المساومات المتبعة في علاقات الكتل البرلمانـــية التي تجعلها متفاهمة اتفاقاً أو ضمناً على عدم محاسبة المفسدين من أي طرف لأنه يعرض المفســدين من الأطراف الأخرى للمساءلة أيضاً.

وكذلك الحماية التي توفرها الأحزاب الحاكمة للمفسدين المنتمين إليها قد ساعدت – إضافة إلى عوامل أخرى – على شيوع ثقافة ارتكاب الفساد ومحاربة النزاهة.

سجن«طفل»

في الوقت الذي أقر فيه البرلمان العراقي قانون العفو العام المثير للجدل والذي يقضي بعدم محاكمة المسؤولين والوزراء المتهمين بالفساد بعد إعادة الأموال التي نهبوها، حكم على طفل عراقي بالسجن سنة كاملة لسرقته علـــبة محارم. وقد أشعل هذا الحكم غضب العديد من الناشــطين على مواقع التواصل الاجــتماعي، حيث طالبوا بإصدار عفو شامل عليه وهددوا بالخروج إلى الشارع في حال عدم الاستجابة لطلب العفو.

علبة محارم سرقها ابن الـ 12 سنة من أحد المتاجر، حكمت عليه بالسجن سنة في بلد يتخبط بملفات فساد هائلة، حيث قضت محكمة السماوة، عاصمة محافظة المثنى، بالسجن لمدة عام واحد على طفل بتهمة سرقة علب مناديل من متجر بالمحافظة.

والطفل هو واحد من آلاف الأطفال النازحين من مناطق في شمال وغرب العراق، إلى المثنى، هرباً من عنف تنظيم داعش.

محافظ «المركزي» السابق: المالكي أهدر أموالاً تبني وطن الأحلام

أكد محافظ البنك المركزي السابق سنان الشبيبي، أن رئيس الوزراء السابق وزعيم ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي «تسلم أموالاً أكثر من كل حكام العراق مجتمعين، من الزعيم عبد الكريم قاسم إلى صدام حسين، وأهدرها»، مشيرا إلى أن هذه الأموال كانت تكفي لبناء وطن جديد يتسع لـ 30 مليون نسمة، يكون أمنية لكل البشر في العالم.

وأوضح أن المالكي عيَّن 4 من أفراد حزبه الحاكم بمناصب كبيرة داخل البنك المركزي، وهم ليسوا من ذوي الاختصاص حتى تأثر البنك المركزي وأخذت العشوائية تضرب أطنابها، وهم مدير دائرة غسل الأموال، ومدير الدائرة القانونية، ومدير مراقبة المصارف، ومدير الدائرة الاقتصادية، لافتا إلى أن «الفساد أخذ يستشري داخل البنك المركزي من قبل زملاء المالكي في الحزب».

وتابع الشبيبي أنه عندما قرر تغييرهم أتاه كتاب من رئيس الوزراء يمنعه من إبعاد هؤلاء الفاسدين، وبين أسطر الكتاب تهديد مبطن، حيث أصدر عن طريق شريكه مدحت المحمود مذكرة إلقاء قبض عليه، بعد أن كان في سويسرا يحاضر حول السياسة النقدية الجديدة ضمن ندوة عالمية لصندوق النقد العالمي.

وأبان الشبيبي أنه «بعد ذلك عين المالكي أحد أقاربه المدعو علي العلاق، محافظا للبنك المركزي، لينهب كل احتياطي الدولة العراقية ومقداره 67 مليار دولار في آخر أيام هيمنته على الحكومة، وليسلم السلطة إلى حيدر العبادي وميزانية العراق خاوية واحتياط البنك المركزي منهوب، ليدخل العراق في أزمة مالية كبيرة لا يستطيع النهوض منها بعد عقد من الزمن حتى لو تحســـنت أسعار النفط».

21

نشر رئيس هيئة النزاهة في العراق حسن الياسري 21 مقترحاً قال إن بعضها يصب في دعم الإصلاح، والبعض الآخر يصب في محاربة الفساد.

وأهم المقترحات تهيئة وإنشاء جهاز شرطة خاص بهيئة النزاهة وتابع لها، يتم اختيار عناصره على وفق معايير المهنية والتخصص، إضافة إلى إنشاء قضاء متخصص بالنزاهة في كل محافظات العراق.

واقترح رئيس هيئة النزاهة في العراق ربط منظومة المفتشين العموميين بهيئة النزاهة، وأن يكون تعيينهم وإقالتهم عبر هيئة النزاهة حصرا، فيما طالب بنبذ معايير المحاصصة الحزبية في تولي الوزارات والوظائف، واعتماد معايير جديدة لاختيار القيادات الإداريّة في العراق على المستويين المتقدم والوسطي.

وطالب الياسري بمنع الوزراء والمسؤولين من تعيين أقاربهم في المؤسسات التي يعملون فيها، وإنشاء جهة مركزية لمنح وإدارة العقود الحكومية على مستوى الدولة، وإلغاء اللجان الاقتصادية التابعة لبعض الأحزاب.

وإنشاء محكمة متخصّصة بمحاكمة الوزراء مع وضع نص تشريعي جديد يتم تبنيه من الحكومة والبرلمان يقضي بإلزام مسؤولي الدولة بالإفصاح عن ذممهم المالية، إضافة إلى تفعيل مجلس الخدمة العامة الاتحادي، من أجل الحد من ظاهرة التعيينات الحزبية والعشوائية ومنع الوساطات فيها. بغداد - الوكالات

3000

نقل مقربون عن الرئيس العراقي السابق جلال الطالباني قوله، في معرض تعليقة على تفشي الفساد، وتضخم الثروات، مقابل عدم حصول الموظفين على رواتبهم عدة أشهر: «كان لدينا في كردستان قبل 2003 نحو 15 مليونير، أما الآن فلدينا 3000 مليونير. أربيل- البيان

مجلس الأنبار يقيل المحافظ بسبب ملفات «فساد»

صوت مجلس محافظة الأنبار، أمس، بالأغلبية على إقالة المحافظ صهيب الراوي.

وقال عضو المجلس أركان خلف الطرموز، إن مجلس الأنبار عقد، أمس، جلسة طارئة في قضاء الخالدية (23 كيلومتراً شرق الرمادي)، للتصويت على إقالة المحافظ صهيب الراوي، بشأن وجود ملفات فساد مالي وإداري بحقه.

وأضاف الطرموز، أن 19 عضواً في مجلس الأنبار من أصل 30 عضواً صوتوا بالأغلبية على إقالة المحافظ صهيب الراوي من منصبه. ووصف مكتب الراوي قرار إقالة المحافظ من منصبه بأنه غير قانوني، قائلاً إنه سيرفع دعوى أمام القضاء للطعن بالقرار.

وأوضح المكتب في بيان أن المحافظ كان في واجب رسمي وبأمر ديواني من مجلس الوزراء لحضور مؤتمر مهم في العمليات المشتركة حول إعادة النازحين إلى مدينة الفلوجة، وقال إن الراوي أرسل طلباً إلى مجلس المحافظة لتأجيل جلسة الاستجواب، لكن عدداً من أعضاء المجلس أصروا على استجواب المحافظ غيابياً.

لمشاهدة الجراف بالحجم الطبيعي .. اضغط هنا

 

Email