قهوجي لـ «البيان»: تطوّر يثبت متانة حلف موسكو ــ طهران

القاذفات الروسية.. قذائف ورسائل

ت + ت - الحجم الطبيعي

بإجماع المراقبين للحرب السورية، فإن روسيا باستخدامها قاعدة جوية إيرانية لقصف أهداف في سوريا، تكون قد بدأت مرحلة جديدة من انخراطها في الأزمة السورية، مرحلة لها دلالات عسكرية وسياسية، بل يمكن الحديث عن مرحلة لها ما بعدها، من حيث النتائج الجيوسياسية، ومن حيث كونها خطوة هي الأولى من نوعها التي تسمح فيها طهران لطائرات أجنبية مقاتلة باستخدام منشآتها العسكرية منذ العام 1979، وهو ما يمثّل تغيراً نوعياً في المشهد السوري ومشهد المنطقة.

ثمة خبراء يرون أن انتقال قاذفات «تو22 إم3» و«سو34» الروسية إلى مطار همدان الإيراني، سيسمح بزيادة فعالية الضربات الروسية على تجمعات وأهداف المسلّحين في سوريا، وقد يسمح لتلك الطائرات باستهداف مواقع تنظيم داعش بالعراق أيضاً في وقت لاحق.

ما بعد الاستخفاف

يقول المدير العام التنفيذي لمؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري (إينغما) رياض قهوجي لـ«البيان»، إن انطلاق قاذفات روسية من إيران حدث جديد، وهو يمثّل راحة للطيارين من حيث قرب المسافة. لكنه يعتقد أن هذا الحدث لا يشكل تطوراً نوعياً، باعتبار أن القاذفات الروسية يمكنها أيضا الانطلاق من مناطق بعيدة.

ويبني قهوجي استنتاجه، في حديثه لـ«البيان» على كون هذه القاذفات تستهدف مجموعات مقاتلة وليس جيشاً نظامياً، مذكّراً بأن روسيا وإيران سبق أن استخفتا بهذه المجموعات المقاتلة، في حين أن الحدث الجديد يثبت أنها قوة لا ينبغي الاستخفاف بها. ويقول قهوجي إن روسيا تستخدم سياسة الأرض المحروقة في أماكن وجود المعارضة لكي تؤلب السكان في تلك المناطق على المعارضة.

مسافة وحمولة

وحسب الخبير الروسي في الشؤون العسكرية قسطنطين سيفكوف، فإن استخدام مطار همدان الإيراني سيزيد من فعالية الغارات الروسية على مواقع المسلّحين في سوريا ثلاثة أضعاف. وينقل موقع قناة «روسيا اليوم» عن الخبير الروسي قوله إن القاذفات الاستراتيجية «تو-22 إم 3» كانت سابقاً، ولدى تنفيذ ضرباتها في سوريا، تقلع من مطار موزدوك جنوب روسيا، ما يعني أنه كان عليها قطع نحو ثلاثة آلاف كيلومتر، وهو أمر يحد بقدر كبير من قدرتها على حمل الأسلحة التي لا يتجاوز وزنها في هذه الحال بين 5 و8 أطنان، مشيراً إلى أنه وبعد انتقال هذه القاذفات إلى القاعدة الجوية الإيرانية، لن تتجاوز المسافة المقطوعة 700 كيلومتر للوصول إلى أهدافها في سوريا، وهو ما يمكنها من حمل قرابة 22 طناً من الأسلحة.

المسافة أيضاً هي إحدى الميزات التي يضيفها استخدام المقاتلات والقاذفات الروسية للقواعد الإيرانية، وخصوصاً قاعدة همدان التي انطلقت منها القاذفات، الثلاثاء، باعتبار أن القاذفات كانت تستغرق رحلة مدتها ساعتان للوصول من قواعدها في روسيا إلى الأهداف بسوريا، ولكن الآن تستغرق الرحلة 30 دقيقة فقط.

قصر المسافة ومدة التحليق يعني وقوداً أقل وبالتالي إتاحة المجال لتحميل القاذفات بقنابل وأسلحة أكثر، وما يعكسه ذلك من توفير قدرات أكبر على تنفيذ عمليات جوية أكثر كثافة.

الأمر لا ينحصر بإيران فقط، بل هي المرة الأولى أيضاً التي تستخدم فيها روسيا قواعد عسكرية خارج سوريا لتنفيذ مهمات وطلعات جوية، الأمر الذي يفهمه محللون على أنه تطور استراتيجي كبير لموسكو ويوطد قدمها في منطقة الشرق الأوسط.

تحالف يتعزّز

المشهد العملياتي على الأرض يشير إلى تعزيز في التحالف الروسي الإيراني. ويؤكد رياض قهوجي لـ«البيان»، أن ما يحدث يؤكد أن التحالف العسكري الروسي الإيراني استراتيجي لأقصى الحدود، وليس عابراً، ويضيف أن الكلام الذي سمعناه عن شرخ بين الطرفين ليس دقيقاً، حيث تؤكد التطورات الأخيرة أن هذا الحلف أمتن وأبعد مما يتصوّر البعض.

وبرأي بعض الخبراء فإن موسكو تنظر لما هو أبعد من التحالف مع إيران، إذ إن عينها على تركيا، وبخاصة بعد المصالحة، إذ سبقت انطلاق القاذفات من القاعدة الإيرانية، تصريحات من موسكو وأنقرة حول إمكانية التنسيق في عدد من البنود التي تجنِّب الطرفين الروسي والتركي أي مشاكل أو خلافات، وتساعد على سلامة الطيران في الأجواء السورية وحولها.

ويتحدّث المسؤولون الأتراك والروس عن عنصرين مهمين في نظرتهما للأزمة السورية، وهما: الحفاظ على وحدة أراضي سوريا وتركيا، وضرورة الوصول إلى صيغة تساعد على تسوية الأزمة سياسياً. يضاف إلى ذلك تأمين الحدود التركية السورية كجزء من الاتفاقات التي توصل إليها الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان في لقائهما في مدينة سان بطرسبيرغ.

أنقرة على الخط

ويمكن إدراج زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى أنقرة، الأسبوع الماضي، ضمن هذا المشهد المتكوّن وإن بمستوى الاختبار لخطوات قد تكتمل في مرحلة لاحقة في إطار مشهد التنسيق والتعاون بين موسكو وطهران وأنقرة.

الولايات المتحدة ليست بمنأى عن التطورات الجارية، ولا يستبعد خبراء أن نشهد نشاطاً أميركياً مفاجئاً في هذا المشهد العام، خاصة وأن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف يقوم بجولة مكوكية في الشرق الأوسط لإجراء مباحثات مع أطياف المعارضة السورية.

 وقد تسفر زيارة نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن إلى أنقرة في 24 أغسطس الحالي عن مفاجآت في العلاقات الأميركية ــ التركية المتوترة بسبب المعارض التركي فتح الله غولن، المتهم بالمسؤولية عن المحاولة الانقلابية الأخيرة، والذي يقيم في الولايات المتحدة، وتطالب أنقرة بتسليمه، وأيضاً بسبب دعم واشنطن لقوات سوريا الديمقراطية.

ويتوقّع مراقبون أسبوعين ساخنيْن ميدانياً وسياسياً على الساحة السورية والمشهد الإقليمي، انطلاقاً من انطلاق القاذفات الروسية من الأراضي الإيرانية التي لن تكتفي بإطلاق القذائف المتفجّرة، بل الرسائل السياسية أيضاً.

Email