المبادرة الفرنسية بلا تفعيل.. وإسرائيل تتهرّب بـ «قبول المبادرة العربية»

التسوية الفلسطينية- الإسرائيلية جعجعة بلا طحين

■ مناورات عسكرية إسرائيلية متكررة في الجولان | أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو للمراقب أن الساحة الفلسطينية الإسرائيلية تشهد حراكاً دبلوماسياً نشطاً تشارك فيه أطراف كثيرة، ويغيب عنه الطرف الأشد تأثيراً، الولايات المتحدة الأميركية التي تحتكر ملف التسوية منذ بدأت فعلياً بعد حرب الخليج سنة 1991. ويتساءل المراقبون: هل من جدوى ترتجى من هذا الحراك أم يصح فيه القول «أسمع جعجعة ولا أرى طحناً»؟.

دولاب الدبلوماسية يحمل الكثير من المسننات. ففرنسا أرسلت مبعوثاً إلى القاهرة بعد فترة قصيرة على عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو من موسكو. الهدف المعلن من الزيارة محاولة تفعيل المبادرة الفرنسية الخاصة بتحريك التسوية على الجبهة الفلسطينية الإسرائيلية.

لكن المراقب لمسار هذه التسوية يصعب عليه توقّع جدوى التحرّك على هذه الجبهة بعدما قذف نتانياهو موقفه الرافض للمبادرة في وجه رئيس وزراء فرنسا مانويل فالس الذي عاد من فلسطين المحتلة بخفي «نتانياهو».

بعد عودة نتانياهو من موسكو ظهرت تصريحات متناقضة من الجانبين الروسي والإسرائيلي بشأن «قبول» نتانياهو المبادرة العربية.

لكن هذا التناقض لا يعني أن المعلن يتناقض مع المبطن في واقع الحال، إذ يصعب تقبّل مشهد يعلن فيه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مواقف على لسان نتانياهو من دون أن يكون سمعها منه فعلاً.

قد يكون رئيس الوزراء الإسرائيلي ألمح للقبول، أو أن يكون أبدى قبولاً مشروطاً بالمبادرة، لكن ما هو غير وارد أن يلجأ مسؤول بحجم لافروف وما تمثّله دولة مثل روسيا، إلى اختراع تصريحات من مخيّلته ونسبها إلى مسؤول آخر باسمه الصريح.

قراءة أخرى

لكن للمشهد برمته قراءة أخرى لها علاقة بمعرفة طبيعة العقلية الإسرائيلية والهدف الحقيقي من زيارة نتانياهو إلى موسكو، كما يقدّمها سياق الأحداث في المنطقة، وكما تحدّث سياسيون ومحللون وإعلاميون إسرائيليون، وهذا هو الأهم. لا يمكننا أن نختزل الحدث ونحقنه بخلط اعتباطي بين التحليل والموقف. فنتانياهو زار موسكو أربع مرات خلال سنة واحدة، لأنه بحاجة إليها وليس العكس، فما الذي يريده؟.

زفي ماغين سفير إسرائيل السابق لدى موسكو والذي يعمل حالياً بمعهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب لامس منطقية الأشياء وهو يلخّص ما يريد رئيس حكومته، إذ يقول إن نتانياهو لا يبدّل ولاءه، لكن ما نراه هنا هو محاولة للمناورة بشكل مستقل لدعم مصالح إسرائيل.

قادة إسرائيل لديهم عقلية لا ينفع في محاولة فهمها أن نسقط عليها عقليات وطرائق تفكير آخرين، بمن فيهم نحن العرب. هؤلاء لا يحشرون أنفسهم في ثنائية الأبيض والأسود، الصداقة المطلقة والعداء المطلق، إنما يبحثون عن ألوان بينية ومناطق بين الصداقة والعداء.

صحيح أن الجدل الإعلامي أثير حول الموقف من المبادرة العربية الخاصة بالتسوية على الجبهة الفلسطينية الإسرائيلية، لكن واقع الحال يقول إن نتانياهو لم يذهب إلى موسكو لبحث الملف الفلسطيني، بل لم يدفعه لركوب الطائرة والطيران إلى هناك سوى الملف السوري، بالدرجة الأولى والثانية والعاشرة.

وفي فهم العقلية الإسرائيلية يمكن الاستنتاج بأن إسرائيل قرأت المعادلة الإقليمية والدولية، ورأت أن موسكو باتت الممسك الرئيس بأوراق الملف السوري، فضلاً عن حقيقة أكثر إطلاقية وهي أن موسكو باتت لاعباً دولياً أساسياً، وأن بوتين لم يحتل موقع الشخصية الأكثر تأثيراً على مستوى العالم، من فراغ ومن دون أن يضع نفسه في حسبان كل من يريد أن يقرأ المشهد الدولي والشرق أوسطي.

البحث عن دور

الزيارة الأخيرة إذن تأتي في هذا السياق، إذ تريد إسرائيل أن يكون لها دور في الترتيبات التي ستوضع القضية السورية على سكّتها، وإن لم تمنح دوراً، فإنها تريد بالحد الأدنى أن تؤخذ مصالحها بالاعتبار.

وإن تعذّر ذلك أيضاً فهي تريد من موسكو أن تضمن لها تخفيف أضرار النتائج المحتملة لوصول الأزمة السورية إلى نهاية لا تروق لإسرائيل، الأمر الذي عبّر عنه وزير الدفاع المستقيل للتو موشي يعالون الذي طلب، إن لزم الأمر، تدخّلاً إسرائيلياً «محدوداً» في الأزمة السورية لإسقاط بشار الأسد.

سبق ذلك تصريحات لنتانياهو يقول فيها إن على النظام السوري أن لا يحلم بالجولان، ثم أتبعت التصريحات بعقد اجتماع استعراضي للحكومة الإسرائيلية في الهضبة المحتلة.

إذن، على الجبهة الفلسطينية تبدو عربة التسوية بلا قوة دفع وبلا مقومات أساساً، وعلى جبهة شمال فلسطين المحتلة، تجري إسرائيل مناورات تحاكي إخلاء مستوطنات كاملة ونقل مستوطنيها إلى منطقة الأغوار، مترافقة مع تصريحات تستغرق في تقديم سيناريوهات لحرب مقبلة.

Email