عاد مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستافان دومينغو دي ميستورا إلى دائرة الاهتمام مجدداً، حيث من المقرر أن تستضيف العاصمة السويسرية جنيف جولة جديدة من المحادثات حول سوريا، يعوّل عليها المبعوث الأممي هذه المرة لتحقيق اختراق جدي في الجهود الرامية إلى إنهاء الصراع.

الدبلوماسي السويدي الإيطالي، الذي حقق إنجازات لافتة خلال عمله في أكثر الأماكن خطورة مثل أفغانستان والعراق ولبنان ورواندا والصومال والسودان وقبل ذلك يوغسلافيا، يدير اليوم أزمة خطيرة لها طابع خاص، أطاحت من قبله بمبعوثين أممين، كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي، بعد إعلان كل منهما استقالته وفشل مهمته.

حرب سياسية

ويخوض دي ميستورا حرباً سياسية لا تتوافق مع المهمة التقليدية للمبعوث الدولي، الذي يكلف بجمع أطراف النزاع ويحاول دفعها للتحاور وتقديم تنازلات حتى يتم التوافق على حل، فهو يكافح لتقريب الآراء بين المعارضة السورية والنظام وأطراف دولية، في ظل صراع عسكري يرافقه تنامي قدرة المتشددين الذين يشكلون عقبة كبيرة أمام أي جهود للحل السياسي.

وقد وصف المبعوث الأممي الأزمة السورية، قائلا: «هذه من أكثر الحروب إثارة للمفارقة التي واجهتها».

دي ميستورا، البالغ من العمر 69 عاما والذي يحمل لقب ماركيز أي أنه من النبلاء، يواجه مهمة شبه مستحيلة في سوريا متسلحاً بدبلوماسيته العتيقة، التي استقاها من عقود من العمل الدبلوماسي ومن مجريات الأحداث العالمية الهامة التي عايشها، ومنها المفاوضات بين فيتنام الجنوبية والولايات المتحدة خلال الفترة 1968 – 1973، حيث كانت المعارك مشتعلة والأعداء يجلسون على طاولة المفاوضات في باريس، إلى أن نضج الحل السياسي بعد 19 عاما.

انتقادات وتحفظات

تلك الدبلوماسية، التي فشلت حتى الآن في تحقيق تقدم ملموس في المفاوضات أو وضع نهاية للحرب، تقابل بانتقادات وتحفظات، حيث قالت مدير منظمة هيومان رايتس ووتش كينث روث إن دي ميستورا «يتجاهل الصورة الأكبر، ويركز على تحقيق وقف إطلاق محلي بين الأطراف المتنازعة».

كما وصفته صحيفة «نيويورك تايمز» بأنه «رجل لا تأثير له، معروف بلباسه الأنيق أكثر من إنجازاته».

إلا أن الانتقادات اللاذعة، والتي سبقها فشل عنان والإبراهيمي في مؤتمرات جنيف السابقة، لم تُثنِ دي ميستورا عن المحاولة من جديد بـ «جنيف 3»، ولكن بقواعد مرنة لم تفض إلى نتائج ملموسة بعد.

الرجل، الذي يتحدث سبع لغات منها العربية بلهجة عامية، والذي يبدو في مظهره أرستقراطيا، عاش طفولة صعبة حيث اضطرت عائلته للفرار من بلدتها بعد الحرب العالمية الثانية، وهي خلفية دفعته إلى تبني سياسة قوامها التعاطف مع معاناة المدنيين واللاجئين، حيث استخدم المهربين لكسر الحصار عن سراييفو، بغض النظر عن تأثير سياسته في إطالة أمد الحوار بين الأطراف المتصارعة.

ويقول مسؤول بارز في الأمم المتحدة إن «هذا السجل لا مكان له في سوريا، لأن الأطراف المتصارعة والقوى الإقليمية والدولية ليست مهتمة بوقف القتال لإعطاء فرصة لجمع الأطراف حول طاولة واحدة»، لاسيما في ظل غياب سلطة فعلية للأمم المتحدة على الأرض.

ويرى مراقبون أن كلاسيكية دي ميستورا، اللازمة والمستقرة منذ مكيافيلي، قد لا تفيد في حل الأزمة السورية الناشئة عن دكتاتورية نظام بشار الأسد. معتبرين أن الفرصة الذهبية للمبعوث الأممي تبدأ عندما تسحب روسيا البساط من تحت الأسد، وليس بفضل تقنياته الدبلوماسية المصنوعة في زمن الحرب الباردة، وما قبل.