استفتاء العلاقة مع أوروبا الاستحقاق الأبرز

كاميرون.. من مواجهة الآخرين إلى تحدي الذات

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

الفوز غير المتوقع الذي حققه حزب المحافظين بالأغلبية المطلقة ينقل رئيسه ديفيد كاميرون من تحديات التغلب على منافسيه في الانتخابات إلى تحد جديد، هو الفوز في سباق تحقيق وعوده الانتخابية.

التحدي الجذري الذي تجتمع عنده، في عقدة واحدة، بقية التحديات هو إجراء استفتاء وعد به حول انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي؛ ولكن المزاج البريطاني العام الذي وضع أصواته في صناديق حزب المحافظين كانت بواعثه ثلاثة اعتبارات:

- أولها، أن السياسيين بالغوا في التركيز على موضوع أوروبا.

- وثانيها، أن فوز الحزب القومي الاسكتلندي قد لا يكون جيداً لبريطانيا.

- وثالثها، أن من الأفضل أن يكون هناك حزب حاصل على الأغلبية.

وهو ما يعني أن الناخب البريطاني سعى إلى تجنب الوصول إلى لحظة جديدة توضع فيها وحدة المملكة المتحدة على المحك، وأنه يخشى أي وضع من عدم الاستقرار السياسي الذي يمكن أن ينجم عن تقاسم الأصوات، وأن الاتحاد الأوروبي لم يكن أولوية في الانتخابات، ولكن ذلك لا يعني أنه مع انسحاب المملكة المتحدة منه.

وهذا تؤكده حقيقة أن الناخب صب أصواته على كاميرون دون حلفائه، حيث إن الديمقراطيين الأحرار الذين يدعمون كاميرون منذ العام 2010 وكانوا يشاركونه الحكم، منيوا بهزيمة فادحة، فخسروا 48 مقعداً من أصل 57. بينما حلفاؤه السياسيون في موضوع الاتحاد الأوروبي يعانون من خيبة أمل كبيرة على مستوى المقاعد، مع ملاحظة أنهم حققوا تقدماً على مستوى الأصوات ..

حيث حل مرشحو الحزب في المرتبة الثانية بعد الفائز في 120 دائرة وإلى المرتبة الثالثة في أكثر من 360 دائرة انتخابية. وبهذا، فإن من الواضح أن إثارة موضوع الانسحاب من الاتحاد الأوروبي سيشكل أزمة بالنسبة لكاميرون مع ناخبيه، إذ يتضح أن هناك انقساماً في الشارع تحت السطح حول هذه القضية..

فلا هو بقادر على التخلي عن الاستفتاء، ولا هو يأمن نتائجه. كما أن الأسباب الثلاثة التي دفعت الناخب البريطاني يختار حزب المحافظين في اللحظة الحرجة الأخيرة، لها ثقلها الذي لا يمكن تجاهله، ولجوء كاميرون إلى إجراء استفتاء حول انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، سيعني:

أولاً: لجوء الحزب القومي الاسكتلندي، الذي حصد 58 من 59 مقعداً، إلى إجراء استفتاء جديد حول استقلال اسكتلندا؛ وهذه تجربة مرت عصيبة على كاميرون في المحاولة الأولى العام الماضي، كما أسر بنفسه إلى عمدة نيويورك.

وهنا، فإن كاميرون الذي وجه إلى خصمه زعيم حزب العمال ضربة قاصمة حينما قال إن ميليباند سيصيب المملكة المتحدة بالشلل من خلال تقديم مفاتيح كنز انجلترا للاسكتلنديين بتحالفه معهم، ربما سيتلقى هو نفسه ضربة إن تسبب بإفزاع ناخبيه من خلال إثارة الاسكتلنديين ودفعهم إلى الذهاب نحو تجديد العمل من أجل الاستقلال.

ثانياً: أن الانسحاب من الاتحاد الأوروبي سيثير إلى جانب الاسكتلنديين حزب العمال، وهو ما يساوي في الواقع حالة عدم استقرار سياسي، على الأقل لأن البلاد ستشهد تجاذباً قوياً بين القوى السياسية حول موضوع الاستفتاء..

بينما سيحبس البريطانيون أنفاسهم مرة أخرى بانتظار نتائج هذه العملية السياسية الطويلة، التي حاول الناخب أن يتجنب ما يمكن أن تثيره عن خلخلة في الاستقرار السياسي، فصوت للمحافظين بكثافة كي يتجنب أن تؤدي النتائج إلى انتخابات جديدة.

ثالثاً: أن الرهان على تأييد الناخب البريطاني للانسحاب من الاتحاد الأوروبي، مهما كانت أسبابه قوية، لن تدفعه إلى تجاهل المخاوف التي حركته باتجاه المحافظين.

ومن اللافت هنا، أن زعيم حزب استقلال المملكة المتحدة (يوكيب) نايغل فاراج المعادي للاتحاد الأوروبي خسر مقعده البرلماني، رغم النتائج الجيدة التي حققها حزبه من حيث عدد الأصوات، ما يعني أن التوجه الذي يتبناه رغم مؤيديه الكثر إلا أنهم لا يمثلون نسبة فارقة.

ليست هذه هي التحديات الوحيدة التي يواجهها ديفيد كاميرون، ولكنها الأقرب إلى مواجهته، والأكثر تحديداً لزعامته الجديدة التي يبدو أنها مجرد أغلبية برلمانية، ولكن أسوار وحدود الناخبين تحيطها من كل جهة، من مسافة لصيقة تعيق الحركة.

وبهذا يبدو أن زعيم حزب المحافظين ديفيد كاميرون سيكتشف سريعاً أنه انتقل من مواجهة الآخرين ومنافستهم في الانتخابات إلى مواجهة تحديات الذات!

Email