كيري في مقديشو .. أسوار سجن «الصقر الأسود» لاتزال عالية

وزير الخارجية الأميركي مستقبلاً صوماليين على هامش زيارته - رويترز

ت + ت - الحجم الطبيعي

ثلاث ساعات ونصف الساعة فقط مجموع ما أمضاه وزير الخارجية الاميركي جون كيري في العاصمة الصومالية مقديشو محاولا عبرها إطلاق سراح بلاده من سجن «الصقر الأسود» الذي ظلت حبيسة فيه لما يزيد عن العشرين عاماً في ذاك البلد الافريقي الممزق.

وكيري الذي تمنى أن يتجول في شوارع مقديشو لم ينس أن يبث رسالة مصورة للشعب الصومالي من خلف الحواجز الترابية العالية التي تحيط بمطار آدم عدي واعداً باستمرار دعم بلاده لاستقرار الصومال.

غير أن صورة الولايات المتحدة الاميركية في الصومال تحتاج إلى جهد كبير فلايزال الكثيرون من ابناء هذا البلد ينظرون اليها باعتبارها العدو الاول، فالقتل والدمار الكبير الذي أحدثته واشنطن في تجربتها الفاشلة بداية التسعينيات لا تكفي ساعات كيري القليلة لمسحه من النفوس. ويقول عبده صالح تدي، على بعد خطوات من مطار مقديشو مقر مفاوضات كيري مع القادة الصوماليين وفي الضاحية الجنوبية تحديدا، لاتزال أسرة أحمد وهلية تحافظ على حطام طائرتي «بلاكهوك» باعتبارهما رمزاً لانتصار الشعب على القوة الأولى في العالم.

ويقول تدي إن الصوماليين لا يمكن أن ينسوا قتلاهم من الاطفال إلى جانب الحرب الاعلامية التى شنتها اميركا عليهم. وأردف لـ«البيان» متحدثاً من الخرطوم: نعم هم قدموا الكثير من أجل بلادنا لكنهم في ذات الوقت خربوا الكثير، تجربتهم لم تكن راشدة، يحتاجون إلى بذل المزيد من الجهد. وأردف كان على كيري أن يحاول زيارة حطام «بلاكهوك» مثلما زار نصب ضحايا تفجير سفارة بلاده في كينيا.

تدخل الأمم المتحدة

واندلعت الحرب الاهلية في الصومال في أعقاب الإطاحة بنظام سياد بري من السلطة يناير 1991، وجرت محاولة متعددة لإعادة الاستقرار غير أنها باءت بالفشل، وبقرار مجلس الأمن الدولي تشكلت (يونوسوم 1 -UNOSOM 1) التي تهدف في المقام الأول الإغاثة الإنسانية وإعادة النظام والانضباط إلى الصومال بعد انهيار حكومته المركزية. وافق المجلس بالإجماع على القرار رقم 794 في 3 من ديسمبر عام 1992 ..

ونص على تكوين قوة حفظ سلام بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وسميت «يونيتاف» وتهدف لاقامة السلام والإغاثة الإنسانية خاصة بعد التقارير التي أذيعت بأن 30 ألف مدني صومالي ماتوا من المجاعة في العام الأول للحرب الأهلية.

وقوبلت القوات الاميركية في بداية مهمتها بترحاب كبير وسعد الصوماليون بالمساعدات الانسانية التي يقدمها جنود الجيش الاميركي غير أمراء الحرب المتضررين من عودة الاستقرار يتقدمهم جنرال الحرب الاهلية القوى حينها محمد فرح عيديد. استطاعوا ان يؤثروا على بعض المتشددين من رجال الدين وأقنعوهم بأن الاميركان أتوا للتبشير بالمسيحية ونشرها وسط الصوماليين ليتحول الفرح إلى كراهية خاصة مع تنامي فكرة أن هؤلاء جاءوا ليردوهم عن دينهم.

وفي الفترة من يناير إلى أكتوبر من العام 1993 وقعت اشتباكات مسلحة أسفرت عن خسائر قدرت بـ24 باكستانياً و19 أميركياً «من جملة 31 أميركياً قتلوا في الصومال» وفي معركة مقديشو 3 أكتوبر 1993 التي كان محيط مطار آدم عدي الذي احتمى به جون كيري احد معاقلها استطاعت قوات عديد التي قتل من منسوبيها قرابة 1000 من إسقاط مروحيتين من طراز «بلاك هوك» وطوردت طواقمها في الشوارع وقتلوا وسحلوا لتنقل الفضائيات المشهد إلى العالم مما اضطر حكومة كلينتون إلى إقرار انسحاب فوري من الصومال.

العودة إلى المعركة.

ظلت الولايات المتحدة تعاني من صدمة ذلكم مشهد ولم يضع أي مسؤول أميركي رفيع قدمه على أرض الصومال حتى الثلاثاء الماضي ليكسر جون كيري الحاجز النفسي ويحط محاطاً بسرية كاملة إلى أرض المطار الذي شهد خروج كبار قادة بلاده العسكريين دون جثث طواقم طائراتهم محاولا الخروج ببلاده من مشهد السحل الصادم إلى مشهد جديد في البلد الذي بدأ يخطو باتجاه الاستقرار في مهمة محفوفة بمخاطر جمة.

ويقول فرح حاجي آدم، وهو صحافي صومالي يعيش في الولايات المتحدة الأميركية على صفحته في «فيسبوك» إن واشنطن لم تكن بعيدة خلال العشرين عاماً الماضية من الصومال اذ ظلت هي الداعم الرئيس لعمليات قوات الاتحاد الافريقي التي تمكنت من هزيمة حركة الشباب المتشددة، ويمضي حاجي إلى القول: صوماليو اليوم ليسوا هم صوماليي العام 1993 الصوماليون اليوم أكثر وعياً وأقل عداء للأمريكان.

زيارات

زار مسؤولون غربيون ودوليون آخرون مقديشو خلال السنوات الأخيرة، أبرزهم وزير الخارجية البريطاني السابق وليام هيغ والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. والحكومة الحالية في الصومال على غرار الحكومات السابقة، مستمرة بفضل الدعم العسكري والمالي من المجموعة الدولية، وهي غير قادرة على بسط سلطتها خارج العاصمة وضواحيها.

 ويواجه الرئيس حسن شيخ محمود الذي اعتبر في العام 2012 أفضل فرصة للسلام، صعوبات في بسط نفوذه خارج مقديشو رغم التراجع العسكري لـ«الشباب» الذين يحل محلهم في معظم الأحيان زعماء حرب، وخصصت الولايات المتحدة منذ العام 2007 أكثر من نصف مليار دولار لقوة «أميصوم» بحسب البيت الأبيض.

Email