تقارير «البيان»

أزمة نازحي العراق بلا نهاية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أصبحت مشكلة النازحين في العراق شبيهة إلى حد بعيد بأزمة «عراقيي الداخل وعراقيي الخارج» إثر الغزو والاحتلال الأميركي عام 2003، حيث أخذ معظم السياسيين القادمين من الخارج، مع الاحتلال، ينظرون الى عراقيي الداخل نظرة الشك والريبة، وحتى الاتهام، لأنهم لم تسمح لهم الظروف بمغادرة البلد، او رفضوا ذلك حباً بترابهم، ما دعا الى اتهامهم بأنهم من اتباع النظام السابق والموالين له..

فيما ينظر اليهم معظم عراقيي الداخل، بأنهم عاشوا حياة الترف في الخارج، وتعاونوا مع الأجنبي واستعانوا به ضد وطنهم، وضد اهلهم الذين بقوا في الداخل رغم هول المصاعب آنذاك، من حصار اقتصادي، وفقدان رغيف الخبز وحليب الأطفال، ودكتاتورية النظام الحاكم، وما الى ذلك من مصاعب.

حديث سابق لأوانه

اليوم يجري الحديث عن اعادة النازحين الى قراهم ومدنهم، رغم انه سابق لأوانه بسنين طويلة، فالعدد هنا يقارب الـ 2,2 مليون نازح، وترجح مصادر سياسية وانسانية وصول العدد الى خمسة ملايين نازح، داخل البلاد، ومن دون احتساب الذين هاجروا الى الخارج. ولكن التساؤل المطروح هو: من الذي اضطر هؤلاء للنزوح؟، وكيف تتم إعادتهم.

تتحدث أجهزة إعلام بأن «داعش» هو الذي قام بتهجير هذا العدد الهائل من العراقيين، من دون المرور بالذكر على ان موجات النزوح الداخلي سبقت ظهور «داعش» بسنوات طويلة، نتيجة عمليات التطهير الطائفي والعرقي، التي مازالت مستمرة.

شهادة الرئيس

يقول الدكتور فؤاد معصوم في تصريح سابق ان عدد الاكراد في بغداد كان اكثر من مليون شخص قبل العام 2003، فيما لا يزيد عددهم الأن على بضعة الاف.

وشهدت اعوام ما بعد 2003 حملات تطهيرية واسعة من المناطق والوظائف وحتى التعامل الشخصي، ومن ضمنه القتل على الهوية او الاسم.

وكانت احصاءات غير رسمية ذكرت ان زهاء ثلاثة ملايين عراقي اضطروا الى النزوح الداخلي والهجرة الى الخارج، فيما فضل معظم العائدين من الخارج العودة الى البلاد التي غادروها، بحثا عن الأمن والأمان.

تغطية النزوح

ويرى المحلل السياسي ساهر عبد الله، ان «داعش» تم اتخاذه اداة للتغطية على موجات التهجير والنزوح السابقة واللاحقة، فالذين نزحوا من مدن الانبار مثلا، وخاصة الفلوجة، في الفترة الاخيرة، لم يكن نزوحهم بسبب مضايقات من «داعش»، وان كانت هذه المضايقات موجودة الى حد ما..

ولكن سبب النزوح هو الحصار المفروض على المدن، والقصف المدفعي والجوي الحكومي، الذي لا يميز بين المدنيين والجماعات المسلحة، اضافة الى اعتبار تلك المناطق ساخنة، او «حتى اعتبارها سنيّة تستحق المعاقبة»، ما جعل معظمها بالفعل حواضن لـ«داعش».

الهزيمة بكلمتين!

يقول رئيس منظمة بدر، قائد «الحشد الشعبي» هادي العامري ان سبب سقوط الموصل بيد «داعش» هم أهل الموصل، الذين كانوا يسمون الجيش العراقي «الجيش الصفوي» ما افقده التأييد الشعبي، ولكنه لم يذكر ان التأييد يكسب ولا يفرض، كما لم يبين مدى تأثير ذلك على ثلاث فرق عسكرية من المكون الشيعي، كانت في الموصل.

والآن، بعد الممارسات الإرهابية لتنظيم داعش، حدثت هجرة واسعة من الموصل، وخاصة من الاقليات، ولكن اجهزة الاعلام عموما تتجاهل او تتناسى كم نزحوا من الموصل قبل «داعش» وكم عملية اغتيال وتفجير كانت تجري يوميا تحت انظار ومسامع القوات الأمنية، وكم نزحوا جراء القصف المدفعي والجوي، بمشاركة الطيران الدولي، او خوفا من المستقبل المجهول.

إعادة النازحين

يقول الإعلامي محمود الجنابي، ان ناحية جرف الصخر، بين بابل وبغداد، مضت اكثر من ثلاثة شهور على اخراج «داعش» منها، ولحد الآن لم يعد احد من النازحين، بل على العكس، تم اقتياد المتبقين من سكان الناحية، بمن فيهم الشيوخ والأطفال والنساء، الى محاجر في محافظة بابل، لأنهم لم يهربوا «إسوة بعراقيي الداخل» من سيطرة «داعش» ولم يتركوا مزارعهم ومنازلهم، التي سيطرت عليها الميليشيات، وافرغتها من محتوياتها او فجرتها، والمبرر لاحتجاز هذه العوائل هو انهم يريدون تنظيف المنطقة من المتفجرات، وخشية على أرواحهم.

ويقول ساهر عبد الله ان الحديث عن عودة النازحين، يجب ان تسبقه توافقات سياسية، واصدار عفو عام عن المعتقلين، والامتناع عن محاسبة العوائل والعناصر التي بقيت في مدنها وقراها التي سيطر عليها «داعش»، اضافة الى تشكيل الحرس الوطني، الذي يتولى حماية المناطق التي تتم استعادتها من «داعش» واخراج الجيش والميليشيات منها، وقبل كل شيء اعادة البنى التحتية، والبنى الإنسانية التي انتهكتها الحرب.

 

لا حل في الأفق

يشير المراقبون الى ان بعض المناطق التي كانت تبدو هادئة نسبياً، وتم إخراج «داعش» منها، مثل السعدية وجلولاء، لا تزال ممنوعة على سكانها من العرب السنّة، فيما يمنع الشيعة الأكراد دخولها، ويفعل الأكراد الشيء نفسه مع الميليشيات الشيعية، ولا يبدو ان هناك حلاً في الأفق القريب لعودة سكانها النازحين.

Email