المدينة التي تضم المرقدين عقدة في مسار تشكيل إقليم سني

سامراء على فوهة حروب الهندسة السكانية

حشد من القوات العراقية يحتفل بتحرير ناحية حمرين - رويترز

ت + ت - الحجم الطبيعي

ذهب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بنفسه إلى سامراء ليعلن من هناك إطلاق معركة تحرير محافظة صلاح الدين، تحت عنوان: لبّيك يا رسول الله.

لا يبدو إعلان الحملة التي تعثرت مبكراً، يدخل في باب العمل الدعائي، فالحشود العسكرية تتواصل وتم التمهيد لها منذ فترة بفتح طريق رئيسية جديدة تربط محافظة ديالى بصلاح الدين، بإشراف مباشر من وزير النقل السابق، والقائد الميداني لـ»الحشد الشعبي» هادي العامري. الطريق الجديد الذي يبلغ طوله نحو 90 كيلومتراً يبدأ من منطقة العظيم مرورا بالحولي والضلوعية وصولا إلى سامراء..

وتحديدا مرقدي الإمامين العسكريين. وخضع هذا الإنشاء الجديد لحسابات أمنية، بحيث يصبح طريقاً يسلكه زوار المرقدين، وممراً للإمدادات العسكرية الحكومية، خصوصاً أن الطريق يقع بكامله في مناطق سيطرة الحكومة في منطقة سهلية منبسطة، ويستخدم بديلاً للطرق الأخرى التي يسيطر تنظيم داعش على اجزاء منها ويستخدمها نقطة وصل هو الآخر.

عقبة المرقدين

وجود المرقدين في سامراء يشكل عقبة كبيرة أمام أي رؤية سنّية للحل وتعيق إمكانية تشكيل إقليم سني يضم كافة المناطق ذات الغالبية، كما أن موقعها في معقل سني يترك مرارة لدى الشريحة الشيعية التي تفضّل أن ينفصل السنة في إقليم خاص بهم، فمركزية المدينة في المخيال الشيعي يُخضع المدينة لحسابات استثنائية تتجاوز النسب السكانية للطوائف..

ففي سامراء لا تتراوح نسبة الشيعة بحسب تقديرات عديدة بين 5 إلى 10 في المئة، وفي كامل محافظة صلاح الدين نحو 20% يتركزون بشكل رئيسي في التاجي والدجيل وبلد، وهي مراكز تقع جنوبي المحافظة. بالتالي، فإنه في الحسابات الشيعية لا بد من إخراج المنطقة الممتدة من بغداد وحتى سامراء من الحسابات السنية. كيف ذلك؟.

يوصي قانون الحرس الوطني الذي صدرت مسودته النهائية الأسبوع الماضي بأن يتم دمج كل من الحشد الشعبي وقوات العشائر السنية، وأن ترتبط بالقائد العام للجيش وليس بقيادة مشتركة من المحافظات. وعليه، فإن الحرس الوطني لن يكون قوة سنّية بوجود موازن شيعي داخلها ربما يتفوق على الأولى في العدد والعتاد، وهذا يسمح بحماية الامتدادات الشيعية في المحافظات السنية عبر القانون..

فأبناء الأقضية الشيعية هناك (البلد ، الخالص، الدجيل، تلعفر، طوزخوماتو) منضوون مسبقاً في الحشد الشعبي، ما يعني أن حاكمية المناطق غير المنتظمة في إقليم ستكون ذات طابع تعددي بين التشكيلين الأساسيين في الحرس: الحشد والعشائر.

الإقليم السني

ما الذي يطالب به السنة؟. تريد الطبقة السياسية السنية إقليماً خاصاً وإن كان الحديث يجري عنه مواربة حتى الآن، وهذه المواربة غير المبررة نقطة ضعف رئيسية في مسار «حقوق السنة»، الذي لن يضمنه سوى تشكيل قوات سنية خالصة،..

وهي التي يفترض أن تتولى تحرير المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش. الذي يجري الآن هو تمييع الطبقة السياسية الشيعية في البرلمان والحكومة قانون الحرس عدا عن عرقلة تطبيقه على أرض الواقع كي لا تنسب إلى تلك القوات تحرير المناطق ذات الوضع الخاص، مثل سامراء وديالى، وكلما تحررت مناطق جديدة بدون مشاركة العشائر فإن هذا يقلص من الوضع التفاوضي للطبقة السياسية السنية، وفي الوقت نفسه..

كلما حررت القوات العراقية منطقة ذات غالبية سنية فإن الموقع التفاوضي للسنة يضعف. ليست مصادفة إذاً ان يتم نشر قانون الحرس الوطني في اليوم الذي دكت فيها القوات العراقية أبواب مدينة تكريت، وهذا على الأرجح هو ما دفع التحالف إلى عدم توفير الغطاء للقوات العراقية في تكريت: فالغاية أبعد من طرد داعش، الغاية دفع السنة إلى الإفلاس السياسي، والتحالف لا يبدو أنه في وارد قبول هكذا معادلة.

الأمر الآخر أنه بالنسبة للسياسيين الشيعة فإن تحرير محافظة صلاح الدين يعني أن الثغور الشمالية يجب أن تبدأ من تكريت وشمالاً، بحيث يشل قدرة التنظيم على شن أي هجوم على المرقدين الشيعيين في سامراء التي شهدت مقتل أربعة من كبار ضباط الحرس الثوري الإيراني منذ يونيو الماضي.

هندسة سكانية

في ديالى آلت السيطرة كاملة للحشد الشعبي الشيعي مع أجزاء صغيرة للبيشمركة فيما بقي السنة الذين يشكلون نحو 40 في المئة تحت حاكمية هاتين القوتين، وآخر حواضن تنظيم داعش تم تدميرها قبل شهرين وتشريد معظم سكانها، بحيث أنه في موازاة هذه الحرب ذات العناوين المتوارية، تجري هندسة سكانية واسعة وعنيفة في كافة مناطق الحرب.

ليست داعش الوحيدة التي تقوم بذلك، بل تكاد هذه الهندسة السكانية تكون نتيجة موضوعية للحسابات الأمنية تقوم بها كافة أطراف الحرب: حيثما يتواجد الأكراد فإن نداءهم للبيشمركة، وحيثما يتواجد الشيعة يستنفر لهم الحشد الشعبي..

وحيثما يتواجد السنة فإن من يحميهم من طائفتهم ينال ولاءهم. هذه المعادلة تجعل من المناطق المختلطة عرقيا وطائفياً تتقلص بالدم لصالح التماثل القسري طالما أن الحرب تتمدد، في سنجار بدأت داعش بإنهاء التنوع لصالح المكون العربي الموالي له، في المرحلة التالية باتت هناك حملة عكسية: طرد المجتمع المتهم بالتكيّف مع داعش. أفرغت تلعفر من الشيعة، وأفرغت جرف الصخر من السنة.

ذلك الجزء من محافظة صلاح الدين الممتد من بلد جنوباً إلى سامراء شمالاً يبدو أن هذه المعادلة بدأت تشملها لكن بدون أن تكون عملية عنيفة فورية كسابقاتها.

وفقاً لذلك، فإن الإقليم السني الذي تقبل به الطبقة السياسية الشيعية هو ذاك الذي يتكون من الأنبار ونينوى. أما ديالى وصلاح الدين فهما «شريط أمني» معزز بشبكة من الطرق الجديدة. سامراء الكامنة في قلب هذه المعادلة تفسد ما تشتهيها نفوس الكثير من السنة والشيعة: الافتراق بالحسنى. وتجبر الأخيرة على التمسك بـ»عراق موحد» لم يعد يطيقه أحد.

إضاءة

تقع سامراء وسط محافظة صلاح الدين، وتعتبر المركز الثاني في المحافظة بعد تكريت. لم تحظ المدينة بأي اهمية تاريخياً باستثناء مرحلة من الفترة العباسية حينما بناها المعتصم إلى أن تم تدميرها كلياً على أيدي المغول. شهدت المدينة في الفترات اللاحقة إهمالا من كافة الدول التي حكمت العراق، باستثناء العقد الأخير من القرن التاسع عشر، حيث شيد فيها العثمانيون عددا من الأبنية الجديدة حينما كانت بغداد تبتعد شيئا فشيئا عن السلطنة.

Email