ليبيا.. من الثورة إلى »الكرامة»

ت + ت - الحجم الطبيعي

مشاهدة الجرافيك بالحجم الطبيعي اضغط هنا

أنهى مجلس النواب الليبي فصلاً طويلاً من الجدل بشأن تعيين الفريق أول خليفة حفتر قائداً عاماً للجيش الليبي، وهي الخطة التي استحدثت بعد جدل ونقاش استمر لأسابيع تحت قبة المجلس وفي المنابر الإعلامية وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، والأهم من ذلك في العواصم الغربية الكبرى.

وعلى الرغم من كون خليفة حفتر يتولى مهمة قيادة الجيش فعلياً منذ مايو من العام الماضي حين أعلن عن إطلاق عملية الكرامة التي قال حينها إنها تهدف إلى تطهير ليبيا من الإرهاب وانضمام قيادات عسكرية وكتائب مسلحة طوعاً وإيماناً بدعوته، إلا أن قرار مجلس النواب وفي هذه المرحلة التي تعيشها ليبيا والتردي الذي باتت عليه مدنها بعد أن تمكنت منها الجماعات المتطرفة، جاء محملاً بالرسائل في جميع الاتجاهات.

وأولاها لليبيين الذين ضاقوا ذرعاً بأوضاع بلادهم وهم يشاهدون رؤيا العين جحافل المتطرفين وقد باتت تحكم قبضتها على حياتهم اليومية، وهو ما تجلى في الترحيب الكبير بهذا التعيين وسيل التهاني الصادر عن الفعاليات الاجتماعية من مدن ليبيا المختلفة التي ترى في قائد الجيش الجديد ضمانة للاستقرار والأمن الذي تنشده بعد أن كان مطلباً خرجت من أجله التظاهرات خلال الأسبوع الماضي.

أما الرسالة الثانية فهي الرد القوي والقاسي على محاولات كل من الولايات المتحدة وبريطانيا عبر سفرائهما في ليبيا ثني البرلمان عن اتخاذ هذه الخطوة، وكان أخطر هذه التصريحات ما عبّر عنه السفير البريطاني لدى الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، والذي أثار استياء الحكومة والبرلمان الليبيين حينما اعتبر ما يسمى «فجر ليبيا» تنظيماً يحارب تنظيم داعش في سرت.

وذلك كرد على محاربة خليفة حفتر الإرهابيين في بنغازي، وهو ما فسر بوقوف بريطانيا مع المليشيات التي تحكم قبضتها على العاصمة الليبية طرابلس رغم اعتراف بريطانيا الرسمي ببرلمان طبرق والحكومة المنبثقة عنه برئاسة عبدالله الثني.

وأياً تكن طريقة الرد وتقبل الطرفين البريطاني والأميركي لها، بات حفتر قائداً فعلياً وشرعياً للجيش الليبي، وهذه الرسالة جاءت من الليبيين لتؤكد سيادة ليبيا وعدم خضوع برلمانها وحكومتها لأية مساومة غربية، خاصة وأن هذه الدول هي التي تعطل رفع حظر التسلح عن الجيش الليبي، وهو التحدي الرئيس الذي سيواجه حفتر ومعه قواته في الأيام المقبلة.

عودة أقوى

في 14 فبراير 2014 ظهر شريط مسجل للجنرال المتقاعد خليفة حفتر وهو في بدلته العسكرية وبرتبة فريق يعلن فيه عن إيقاف عمل المؤتمر الوطني، وأظهر الشريط الذي بثته قنوات فضائية وانتشر على الشبكات الاجتماعية انتشار النار في الهشيم حفتر وهو يشرح في بيانه الأسباب التي وصفها بضرورة محاربة الإرهاب في ليبيا، وبأن تحركه هذا لا يعد انقلاباً عسكرياً، وإنما هو استجابة لمطلب شعبي شغل الشارع الليبي من أسابيع بإيقاف تمديد عمل المؤتمر الوطني.

جاء هذا الإعلان المثير للجدل في حينه في الوقت الذي تجمهر فيه المئات في العاصمة الليبية طرابلس مطالبين المؤتمر الوطني العام بالرحيل قبل أن تواجه المليشيات جموع المدنيين بالرصاص، كما يأتي في أعقاب سلسة دموية من الاغتيالات شهدتها مدينة بنغازي شملت عدداً كبيراً من قيادات الجيش والشرطة السابقين ونشطاء حقوقيين وصحافيين.

وعلى الرغم من المبررات التي ساقها حفتر لتحركه، إلا أن الظروف التي كانت تعيشها ليبيا والحراك السياسي الذي يمضي ببطء شديد وسط التوترات الأمنية، والذي أفضى إلى انتخاب لجنة الستين لصياغة الدستور والاستعدادات لانتخابات تشريعية، جعلت الدول الكبرى المعنية بالملف الليبي تقابل هذا التحرك ببرود وربما باستنكار.

وتحركت آلة إعلامية ضخمة يقف ورائها التنظيم العالمي لجماعة الإخوان لشن حملات إعلامية على حفتر، لينكفئ اللواء المتقاعد في مدينة المرج حيث بنى قاعدته، وليتوالى انضمام الوحدات العسكرية المسلحة الواحدة تلو الأخرى لتحركه، ليستمر في الحشد والتدريب، وفي 16 مايو أطلق «عملية الكرامة».

وما سماه نشطاء «فيسبوك» عملية كرامة ليبيا وهي عملية عسكرية قال إنها تهدف إلى «تطهير ليبيا من الإرهاب والعصابات والخارجين عن القانون، والالتزام بالعملية الديمقراطية، ووقف الاغتيالات، خصوصاً التي تستهدف الجيش والشرطة».

عملية الكرامة

انطلقت العمليات المسلحة للكرامة بقيادة حفتر الذي كان يظهر على الجبهات ببدلته العسكرية باشتباكات دموية بين قوات الجيش الوطني الليبي بمختلف فروعه وكتائبه في مناطق عدة من ليبيا بداية من المرج قاعدة حفتر إلى طبرق وطرابلس وبنغازي، واجه فيها الجيش ببسالة شبكة معقدة من المليشيات المسلحة؛ مثل تنظيم أنصار الشريعة وميليشيات 17 فبراير وراف الله السحاتي ومجموعات مسلحة من درنة.

وأمام التقدم الذي بات يحرزه الجيش الوطني الليبي الذي عاد منسوب معنوياته للارتفاع، أعلنت الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله الثني عن انحيازها لعملية الكرامة، محملة المؤتمر الوطني العام في ليبيا مسؤولية الفشل في بناء الجيش والشرطة في البلاد.

محاولة اغتيال

بعد النجاحات التي حققتها عملية الكرامة التي وجدت تأييداً جماهيرياً من الليبيين في الداخل والخارج، وقوة الضغط الهائلة التي فرضها قوات الجيش على الجماعات المسلحة والمليشيات المتطرفة، تم استهداف حفتر في الرابع من يونيو 2014 بمحاولة اغتيال بسيارة محملة بالمتفجرات قادها انتحاري، حاولت الدخول إلى مقر قيادة أركان عملية الكرامة المؤقت في منطقة غوط السلطان قرب الأبيار شرقي بنغازي.

حيث حاول المهاجم الاقتراب من المقر، إلا أن الحراسة انتبهت له فقام بتفجير السيارة وهو بداخلها، ما خلف خمسة قتلى من الجنود وإصابة 23 آخرين بجروح، وخرج حفتر هذه المرة متوعداً الإرهابيين بالمزيد من المواجهة وبالقضاء عليهم.

ورغم تعقيدات المشهد وتحقيق عملية الكرامة لنجاحات ميدانية بالقضاء على أوكار الإرهابيين وطردهم من معاقلهم في بنغازي، بدت المواقف الأوروبية والأميركية سلبية ضد خليفة حفتر والعملية التي يقودها، فظلت هذه القوى في بياناتها المتكررة تعلن تمسكها بالشرعية.

تمسك بالشرعية

رغم الانقسامات السياسية والتوترات الأمنية، أعلن اللواء خليفة حفتر تجميد عملية الكرامة خلال الانتخابات التشريعية في 25 يونيو من العام الماضي، والتي أفضت إلى اختيار برلمان خال من الإسلاميين، لتعاد صياغة المشهد الليبي من جديد ببرلمان شرعي اختار مدينة طبرق مكاناً لانعقاده، وبين مؤتمر وطني عام قرر التمسك بشرعيته المزعومة، وبرزت المليشيات المتشددة من جديد كلاعب سياسي بعد أن سيطرت تحت تهديد السلاح على المقار الحكومية بالعاصمة طرابلس.

تعبيد الطريق

منح اعتراف الحكومة الشرعية وتبنيها بشكل أوضح لعملية الكرامة زخماً جديداً بعد أن تحولت من مبادرة وطنية من اللواء حفتر وقيادات عسكرية إلى مشروع وطني تتبناه السلطة الشرعية في البلاد، حيث أكد رئيس الوزراء عبدالله الثني، أن كافة القوى التي تحارب الميليشيات الإرهابية في البلاد تخضع لسلطة وزارة الدفاع ورئاسة الأركان العامة للجيش.

فيما شرع البرلمان في بحث السبل الأمثل لتقوية عملية الكرامة، وفي الرابع من يناير الماضي أصدر البرلمان الليبي قراراً يقضي بإعادة 129 ضابطاً إلى الخدمة العسكرية، على رأسهم اللواء خليفة حفتر، لتكتمل هذه الخطوة الأسبوع الماضي حينما قرر برلمان طبرق إصدار قانون يستحدث منصب القائد العام للجيش وتسليمه لحفتر.

Email