متطرّفو «داعش» يتخذونهن مصانع تفرّخ أطفالاً

«جهاد النكاح» فخ لسحب فتيات العالم نحو الإرهاب!

ت + ت - الحجم الطبيعي

جدلٌ واسع لا يزال يثيره استقطاب الجماعات الإرهابية وعلى رأسها «داعش» للنساء، لا سيّما بين علماء النفس والاجتماع، خصوصاً بعد تفشي الظاهرة لتصل إلى دول أوروبية عرفت مغادرة المئات من نسائها وفتياتها نحو سوريا.

وتعتبر تونس أول الدول التي نبهت إلى قضية «جهاد النكاح»، عندما صرح مسؤول أنّ «عدد التونسيات اللواتي مارسن «جهاد النكاح» مع المتطرّفين في سوريا لا يتعدى 15 امرأة على أقصى تقدير»، لافتاً إلى أنّهن سافرن إلى سوريا بقناعة تقديم خدمات اجتماعية للمقاتلين من قبيل تطبيب الجرحى والطبخ وغسل الثياب ليتم استغلال بعضهن جنسياً، مضيفاً إنّ «أربعاً منهن عدن إلى تونس، وإحداهن حامل».

ولفت إلى أنّ تونس كانت جريئة بإعلانها عن هذه الحالات مقارنة بدول أخرى». وكان وزير وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو أعلن في سبتمبر 2013، أنّ «فتيات تونسيات سافرن إلى سوريا تحت مسمى «جهاد النكاح» عدن إلى تونس حوامل من مقاتلين أجانب» دون تحديد عددهن، فيما أكّد الشيخ عثمان بطيخ مفتي الجمهورية آنذاك أنّ «16 فتاة تونسية تمّ التغرير بهن وإرسالهن إلى سوريا من أجل جهاد النكاح».

ظاهرة عالمية

واعتبر ناشطون حقوقيون أنّ «ظاهرة جهاد النكاح تمثّل انتهاكاً فظيعاً لإنسانية المرأة خصوصاً وأن تونس كانت أول بلد عربي وإسلامي أصدر قانوناً لتحرير المرأة في أغسطس 1956، غير أن الوقائع أثبتت أنّ الظاهرة مرتبطة بحالات نفسية واجتماعية تتجاوز رقعة التراب التونسي لتمتد نحو أوروبا التي عرفت استقطاباً من «داعش» للمئات من نسائها وفتياتها»، إذ قال تقرير صادر عن المركز الدولي لدراسات التطرّف التابع للكلية الملكية في لندن، أنّ «أعمار معظم النساء اللواتي انضممن لـ «داعش» تتراوح بين 16 و24، والكثير منهن يحملن شهادات جامعية».

وأضاف أنّ حوالي 10 في المئة من الأجانب المنتمين هن نساء وفتيات قاصرات.

قصص واعترافات

واعترفت فتيات أوروبيات بصدمتهن من الواقع الذي تخيلنه قبل السفر، وأكدن أنّهن لم يجدن الأزواج الذين كن يحلمن بمقابلتهم وأنهن يرغبن في العودة من صعوبة الحياة، ووصل الأمر بإحداهن للإعلان عن رغبتها في الانتحار.

وتبقى قصة سامرا كيزونوفيتش «16 عاماً»، وسابينا سيلموفيتش «15 عاماً» من النمسا الأكثر تداولاً، بعدما اختفتا من منزليهما في فيينا وظهرت فيما بعد صور الفتاتين على المواقع الإلكترونية ترتديان نقاباً.

و«سامرا وسابينا» من أصول بوسنية هاجرت أسرتاهما إلى النمسا، عقب الحرب الإثنية التي نشبت في التسعينيات، وبثّت الفتاتان رسائل للأصدقاء عن حياتهما الجديدة، قالتا فيها إنّه «لن يعثر أحد علينا أبداً».

وذكرت السلطات النمساوية بناءً على تحليل الصور، أنّ الفتاتين ربما موجودتان في معسكر تدريبي، وأنّهما تقيمان بالفعل في منزل زوجيهما، وأنهما تحملان جنينين، لكنهما أخيراً أعلنتا عن رغبتهما العودة لأسرتيهما، لبشاعة ما تتعرضان له من انتهاكات، حتى وصل الأمر بإحداهن إلى إعلان رغبتها في الانتحار.

نساء في جحيم

ألقت الشرطة التونسية القبض على زوج وزوجته كانا ضمن عناصر «داعش» وهما يحاولان دخول البلاد عبر حدود ليبيا قادمين من سوريا وأحالتهما إلى القضاء. وقالت صحيفة «الشروق»، إنّ «الزوجة وهي في الثلاثين من العمر ووالدة لطفين أحدهما في شهره الثاني، سافرت بصحبة زوجها إلى سوريا وتم القبض عليها بتهمة ارتكاب أعمال لا أخلاقية مع لا يقل عن 100 متطرّف خلال 27 يوماً.

واعترفت نورهان، أنّها ذهبت إلى سوريا بصحبة زوجها، مشيرة إلى أنّ «زوجها لبى مطالب «داعش» في المنطقة الخاضعة لقيادات تونسية أخرى، بوضع زوجته في خدمة عناصر الجماعة، خوفاً على حياتهما وأصبح مسؤولاً عن تلبية طلبات عناصر الجماعة من زوجته».

وأشارت إلى أنّها «كانت تعمل مع 17 سيدة أخرى من جنسيات مختلفة»، مؤكّدة أنهن «كن يخضعن لأوامر مشرفة ومسؤولة صومالية تدعى أم شعيب». وأكّدت نورهان، أنها استمرت في «جهاد النكاح» نحو شهر قبل إصابة زوجها في إحدى الغارات، ما سهّل لهما الانتقال إلى تركيا للعلاج، ومنها الفرار إلى تونس.

غسيل دماغ

أما لمياء بنت التسعة عشر فبدأت قصتها مع داعية على قناة دينية كان يسخر من إسلام التونسيين ومن فهمهم للدين لتصطدم بشخص أقنعها أن لباسها عورة وخروجها إلى الشارع حرام، وبعد خضوعها لعملية غسيل دماغ اقتنعت لمياء أنّ المرأة يمكن لها المشاركة في القتال بالترويح عن المقاتلين، وهكذا قرّرت مغادرة البلاد باتجاه بنغازي ومنها إلى تركيا قبل أن تحط بها الرحال في حلب.

وقالت لمياء إنّ شخصاً يدعى أبو أيوب التونسي استقبلها، لكن القائد الحقيقي للمخيم هو شخص يمني يسيّر مجموعة مسلّحة أطلقت على نفسها «فيلق عمر» والذي أجبرها على ممارسة «جهاد النكاح» مع باكستانيين وأفغان وليبيين وتونسيين وعراقيين وسعوديين وصوماليين.

وعادت لمياء إلى تونس وبمجرد وصولها إلى المعبر الحدودي ببن قردان تمّ إيقافها وفقاً لإعلان ضياع تقدمت به عائلتها في تونس وباستنطاقها صرحت أنها كانت في سوريا ضمن مجموعة من النساء والفتيات وتبيّن أنها مصابة بمرض الإيدز وأنّها حامل في الشهر الخامس.

في أحضان «داعش»

تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 90 في المئة من النساء والفتيات يتم تجنيدهن عبر الإنترنت وصفحات التواصل، بينما حدّد الباحثون في المركز الدولي لدراسة التطرّف ، أنّ «الفئة العمرية للفتيات اللواتي يلتحقن بالتنظيم تتراوح أعمارهن ما بين 16 و24 وأنّ العديد منهن من خريجي جامعات جدد تركن وراءهن عائلاتهن»، مؤكدين أنّ «هناك اتجاهاً متزايداً بين المراهقين للتطرف والذهاب للشرق الأوسط».

ويشير الباحث في شؤون التطرف بجامعة أنتويربين البلجيكية منتصر الدعمة، إلى أنّ «تزايد حدة الإسلاموفوبيا وصعود الأحزاب اليمينية في أوروبا من الأسباب التي تدفع الفتيات إلى الانضمام للتنظيمات الإرهابية»، فضلاً عن طفولة تلك الفتيات أيضاً تلعب دوراً مهماً. ويضيف إنّ «أغلبية الفتيات تعتقد بأنه ليس لهن مكاناً في المجتمع الذي يعشن فيه، يشعرن بالإقصاء».

وتحت عنوان «فتيات غربيات تهاجر من وطنها للالتحاق بداعش» نشرت صحيفة الجارديان تقريراً عن سفر الفتيات المراهقات للزواج من متطرّفي «داعش». وقالت المراسلة هارييت شيروود، إنّ «الزواج يدفع مئات الفتيات الغربيات للالتحاق بجهاديي داعش»، موضحة أنّ «الزواج يعد أحد أساليب التجنيد لدى التنظيم فضلاً عن مواقع التواصل الاجتماعي»، مضيفة إنّ «النساء والفتيات صغيرات السن يشكّلن نحو 10 في المئة من أولئك الغربيين الذين يتركون أوطانهم للانضمام للجماعات الإرهابية في سوريا والعراق».

من كل مكان

وأعرب جهاز المخابرات السويدي عن مخاوفه من الزيادة في أعداد الإرهابيين السويديين الذين سافروا إلى سوريا والعراق للقتال في صفوف «داعش»، في وقت كشفت فيه منسّقة سويدية مسؤولة عن مكافحة العنف والتطرّف عن إجبار بعض الفتيات على السفر إلى سوريا والعراق للانضمام إلى التنظيم.

ونقلت صحيفة ذا لوكال السويدية عن اندريس ثورنبيرغ رئيس جهاز المخابرات السويدي قوله، إنّ «السويد إحدى البلدان الأوروبية التي تعاني من ظاهرة سفر مواطني بلادها للقتال إلى جانب «داعش» وهي ظاهرة سريعة النمو».

متاجرة

وقالت المنسّقة الوطنية ضد التطرف والعنف ورئيسة الحزب الديمقراطي الاجتماعي سابقاً منى ساهلين، إنّ «العديد من الشبان السويديين اختاروا بمحض إرادتهم السفر خارج البلاد للانضمام إلى تنظيم داعش لكن عدداً منهم وخصوصاً الفتيات أجبرن أو تمت المتاجرة بهن للسفر إلى الشرق الأوسط وجنوب آسيا».

كما أكّد وزير العدل الأسترالي جورج برانديس تزايد عدد الفتيات المنضمات إلى «داعش» بسبب «البريق الكاذب» للتنظيم. وقال برانديس لشبكة «إي بي سي» الأسترالية: «كنا نخشى على الشباب من الانضمام إلى التنظيم المتطرف، ولكن تقييمات أخيرة أجرتها أجهزة الأمن القومية تشير إلى أنّ عدداً متزايداً من الشابات يتوجهن للمشاركة في القتال».

تحقيقات أميركية

إلى ذلك، تحقّق السلطات الأميركية في ظاهرة جديدة تتمثّل في التحاق نساء من قلب الولايات المتحدة بتنظيم «داعش». وقال عبد الرزاق بيهي وهو من زعماء الجالية الصومالية إن ثلاث أسر صومالية على الأقل في منطقة مينيابوليس-سانت بول، اشتكت من اختفاء فتيات وأنهن ربما حاولن الانضمام لداعش، وأوضح إنه في حين أن أسباب اختفاء الفتيات غير واضحة فقد طلب من الأسر إبلاغ الشرطة.

وفي حالة أخرى هربت فتاة أميركية من أصل صومالي عمرها 19 عاماً من سانت بول من والديها وقالت إنها ذاهبة إلى حفل لدى صديقة مقبلة على الزواج، وبدلاً من ذلك طارت إلى تركيا وانضمت لداعش في سوريا، واعترفت الأميركية شانون كونلي «19 عاماً» التي تعمل مساعدة ممرضة وهي من كولورادو بمحاولة السفر إلى الشرق الأوسط للانضمام لـ «داعش»، حيث تمّ احتجازها في مطار دنفر الدولي ومعها تذكرة ذهاب فقط، واتضح أنّ متشدداً في سوريا قام بتجنيدها عبر الإنترنت.

مصنع أطفال

كشف عضو مركز دراسات الأمن والإرهاب في جامعة ماساشوستس ميا بلوم، أنّ «داعش» يتلاعب بعقول النساء الأجنبيات من أجل تجنيدهن تحت ستار مساعدتهن لرجال التنظيم في الحرب ولعبهن دوراً فاعلاً في تأسيس أمّة»، مضيفاً إنّه «برصد حسابات المتطرّفين على وسائل الإعلام الاجتماعية وكتاباتهم، تبين أنّ الذكور يعتبرون نساءهم مجرد شركاء للتزاوج فقط من أجل إنجاب الأطفال والمساعدة في إقامة دولتهم المزعومة»، قائلاً: «هن بمثابة مصانع للأطفال».

وتقول ميا بلوم من مركز أبحاث الإرهاب والأمن في جامعة ماساتشوستس لويل، إنّ «مراقبة حسابات المتطرّفين على وسائل التواصل وغيرها تشير إلى أنّ الرجال منهم لا ينظرون إلى النساء إلا كزوجات».

تصور ساذج

يرى باحثون في هذه الظاهرة، أنّ «الفتيات يقدمن على هذه الخطوة بناءً على تصورهن الرومانسي عن الحرب، والرغبة الساذجة في الشعور بالأهمية الكبيرة بين المتطرّفين، ما يسهّل وقوعهن في الشرك وتجنيدهن من قبل الجماعات الإرهابية، خاصة بواسطة مواقع التواصل الاجتماعي».

ولكن الفتيات الرومانسيات يجدن أنفسهن في متاهة جديدة، أساسها العنف وسوء المعاملة، وصولاً إلى الرق والاستعباد والإكراه على الزواج المتكرّر، فضلاً عن الحمل والإنجاب وتربية الأطفال.

Email