ابتدع منهجاً مغايراً لرؤى سابقيه في طريق التطرّف

«داعش» والنساء.. سبي وقتال من وراء ستار

ت + ت - الحجم الطبيعي

على خلاف التنظيمات المتطرّفة الكلاسيكية التي لم تبد الاهتمام المتزايد بشجون المرأة وشؤونها، مكتفية بتحجيم مرتبتها في المجتمع الذكوري القتالي إلى مستويات متدنية دون أن تطال القوانين الصارمة كل شاردة وواردة، استحضر تنظيم «داعش» الإرهابي منهجية جديدة في تعاطيه مع النساء، إذ استغلّ كل صغيرة وكبيرة في محيطها، وكل ما تراه يخدمها لتطوّر النزعة الأصولية التي نشأت عليها والحفاظ على ديمومتها.

ومن أجل تحقيق هذه النزعة الأصولية التي تهدف إلى هندسة عوالم النساء في بوتقة المجتمع الذكوري الطاغي، ثمّة تصوّران ايديولوجيان يدفعان «داعش» لتحقيق غاياته المعوجة، إذ يشمل التصوّر الايديولوجي الأول آليات وسلوكيات تقارب من النساء اللواتي يقعن في مناطق الخصم.

لاسيّما أن كن ينحدرن من الأقليات الدينية، وهنا تبرز قضية جواز سبي النساء والفتيات من غير المسلمات في زمن الحرب حتى لو كن في مرحلة الطفولة، وعلى ضوء هذا التصوّر جرى سبي النساء «الإيزيدات والمسيحيات» في الموصول وسنجار.

سبي نساء

ولعله كان من اللافت في هذا الشأن ذلك المنشور الذي وزّعه تنظيم «داعش» على عدد من مساجد في الرقّة والموصول يبيح سبي النساء «المرتدّة» في زمن الحرب، حيث تضمّن المنشور أسئلة وإجابات حول شرعية بيعهن ومنحن هدايا للغير، مع إدراج التسعيرة اللازمة.

وكانت أسواق الرقّة والموصل وغيرها من معاقل التنظيم في العراق وسوريا ساحة لتنفيذ هذا التصوّر وفق ما أفادت العديد من الوثائق والشهادات.

ترسيخ نزعة

أمّا التصور الثاني والذي يشمل علاقات «داعش» داخلياً مع مجتمع المحيط، فكان أكثر شمولاً وتدخّلاً سافراً من أجل إعادة بناء عوالم النساء بغرض توطين وترسيخ النزعة المتشدّدة بما تواكب مع النظرة الذكورية المتزمّتة، فالحديث عن نساء يقمن بوظائف ما وراء الستار واستقطاب «المجاهدات» والطبخ والتدرّب على السلاح وإشباع رغبة رجال «داعش» أصبح اليوم ضمن سلسلة الدعاية والترويج التي يقوم بها التنظيم.

مخابرات نسائية

وتلعب النساء دوراً محورياً لدى «داعش»، فهي إن لم تكن في القتال الفعلي تكون مهمتها في المناطق الحيوية لجمع المعلومات الاستخبارية والرعاية الطبية، ومراقبة ومطاردة المجتمع النسائي عبر ما يسمى كتيبة الخنساء التابعة لجهاز الحسبة المالي.

ولعل هذا الجهاز النسائي يلعب وظيفة المخابرات النسائية في تمرير جميع تصوّرات «داعش» إلى عالم النساء في سوريا تحديداً، بدءاً من عمليات التفتيش اليومي خارج المنازل وصولاً إلى تعقيبهن داخل المنازل وفي السجون، وتقديم عروض للزواج من مقاتلي «داعش» عنوةً بعدما فشل عناصر «المهاجرة» إقناع المجتمع المحلي بقبول طلباتهم في زواج من الفتيات في الرقة وغيرها من المناطق المجاورة.

عروض زواج

ونقل النشطاء المحليون معلومات تفيد بأنه مع تزايد عمليات الاعتقال التي تتعرّض لها النساء من قبل دوريات الحسبة، بدأت النساء العاملات في الكتائب النسائية بتقديم العروض للزواج من عناصر التنظيم لمن هن عازبات خلال فترات الاعتقال، وتمّ افتتاح مراكز خاصة لمن يرغب بالزواج من عازبات وأرامل.

ونشرت صفحة «الرقة تذبح بصمت» تقريراً مفصّلاً توضح من خلاله كيفية استغلال عناصر «المهاجرة» حالة الفقر المتفشّية في المدينة في مقابل الرفاهية التي يعيشها المنخرطون في صفوف التنظيم من أجل تحقيق مرادهم في الزواج من الفتيات المحليات، علاوة على المهور العالية التي يعرضها أفراد التنظيم مقابل الزواج، وانتشار المحسوبية في صفوف التنظيم، ما دفع العائلات إلى توثيق الصلات مع عناصر التنظيم.

تطبيق قوانين

وتحضر النساء الحسبة الفتيات من المجتمع المحلي بغرض إعداد الطعام والدعم، ويشرفن على القوانين الصارمة التي وضعها التنظيم لحظر الاختلاط بين الجنسين داخل المؤسسات التعليمية والاجتماعية والاقتصادية، وتلك المتعلّقة بالملابس المحتشمة، مع إلزام منعهن من السفر إلى الخارج إلا بوجود المحرم، وبالتالي فإنّ عدم وجود النساء في الخطوط الأمامية للقتال يستعيض عنه بمهام تجنيد الأخريات، والقيام بحملات إغواء للفتيات عبر وسائل التواصل الاجتماعي للزواج.

منصّات تجنيد

قالت مؤسسة كويليام بلندن في دراسة منشورة منذ فترة، إنّ «داعش» يستخدم مواقع التواصُل الاجتماعي، مثل «تويتر»، «فيسبوك»، «إنستغرام»، «يوتيوب»، كمنصّات لتجنيد مُقاتلين من أوروبا الغربية، وهو ما جعل التنظيم يحقّق نجاحاً في طريق تجنيد النساء الغربيات، والذهاب إلى سوريا حتى تصبح عضوة ناشطة، ومن ثمّ يتم استخدامها للوصول إلى أصدقائها في العالم، وإقناعهن بالانضمام إلى التنظيم الإرهابي.

وأشارت "كويليام"، إلى أنّ معظم من تتراوح أعمارهن بين 13 إلى 26 عاماً، يسافرن عادة إلى تركيا ويعبرن الحدود إلى سوريا، للقاء من تحدثن إليهن من «داعش»، وغالباً يتم تزويج الفتيات لمقاتلي «داعش»، ومَن ترفض تُقتل أو يتم اغتصابها أو تصبح جارية، ومن تنجح في الفرار، لا تستطيع العودة إلى ديارها.

نساء «داعش» لَسْن ضحايا وحماستهن تضاهي الرجال

 

 

كشفت دراسة عن أن «النساء الغربيات اللواتي يلتحقن بتنظيم «داعش» لهن الأيديولوجية المتحمسة نفسها لفكر التنظيم تماماً كالرجال، ما يوجب اعتبارهن خطرات ولسن ضحايا، مضيفة أن «النساء اللواتي توجهن إلى العراق وسوريا ويقدر عددهن بنحو 550 امرأة سيتزوجن وينجبن ويؤسسن عائلة».

عالم عنيف

وقال روس فرينيت خبير شؤون التطرف في معهد الحوار الاستراتيجي، الذي شارك في إعداد الدراسة، إن «الإخلاص للقضية قوي لدى هؤلاء النساء كما هو لدى الرجال تماماً»، مشيراً إلى أن ما يقلق هو أنه مع هزيمة «داعش» المتوقعة، فإنّ أعداداً متزايدة من هؤلاء النساء سينتقلن من عالم الاستقرار المنزلي، الذي يعشنه الآن إلى عالم أكثر عنفاً.

وقالت جين هاكبيري الأستاذة المشاركة في كلية الحقوق في جامعة دوك المتخصصة في شؤون النساء ومكافحة التطرف: «كنا ننظر إلى النساء من منظور أنهن ضحايا ولسن إرهابيات محتملات، وغض صانعو السياسة النظر عن الإرهاب النسائي وقللوا من شأنه، سواء من حيث الدوافع للانضمام إلى التنظيم أو الأدوار التي يلعبنها هناك».

شعور اغتراب

وأبانت أن «العديد من النساء يتركن الدول الغربية بسبب شعورهن بالاغتراب، والقيود التي تفرض على حريتهن في ممارسة عقيدتهن، وينجذبن إلى تنظيم «داعش»، بدافع من روح المغامرة والحماس ويكون دورهن الرئيس، إضافة إلى كونهن زوجات وأمهات، هو رسم صورة للعالم الخارجي عن الحياة اليومية في المناطق التي يسيطر عليها المسلحون، من خلال ما ينشرنه على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تبث تسجيلات فيديو عنيفة مع صور لهن وهن يعددن الطعام».

وأردفت هاكبيري: «إنهن مهمات من حيث إعادة رسم صورة «داعش» كونه تنظيماً أقل إرهاباً، وجزءاً من بناء دولة».

وكتب الكثير عن الشابات اللواتي سيصبحن «عرائس للإرهابيين»، ولكن الرواية السائدة أن هؤلاء النساء هن شابات ساذجات جذبهن الحماس تخفي قوة معتقداتهن وحماسهن لأيديولوجية التنظيم المتطرّف.

 وراقب فرينيت وزملاؤه الباحثون مئات النساء على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنهم ركزوا في الدراسة على 12 امرأة من النمسا وبريطانيا وكندا وفرنسا وهولندا يعشن مع تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، وبعض هؤلاء النساء أعربن عن موافقتهن على عمليات قطع الرأس التي ينفذها الإرهابيون.

Email