في نزوح للحرب السورية إلى لبنان، أودت الاشتباكات العنيفة بين الجيش اللبناني ومقاتلين قادمين من سوريا في بلدة عرسال اللبنانية بحياة عشرة جنود لبنانيين وفقدان 13 آخرين، وسط مخاوف كبيرة بتدحرج الانهيار الأمني إلى بقية المناطق من بوابة عرسال.
وقال الجيش اللبناني في بيانات متتالية أمس ان وحداته تابعت عملياتها العسكرية في منطقة عرسال ومحيطها، حيث قامت بملاحقة المجموعات المسلحة والاشتباك معها. وسقط للجيش خلال هذه الاشتباكات عشرة قتلى و13 في عداد المفقودين يرجح ان يكونوا تعرضوا للخطف أو القتل.
وأشار بيان الجيش الى ان عرسال «تعرضت خلال الليل ولا تزال الى قصف متقطع بمدافع الهاون مصدرها المجموعات المسلحة التي تقاتل الجيش، وتقوم وحدات الجيش بالرد بالاسلحة المناسبة».
وقال قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي إن الهجوم الذي شنه متشددون «كان محضرا والجيش قام برد سريع ونفذ عملية نوعية». وأضاف في مؤتمر صحافي بثه التلفزيون في بيروت: «الهجمة ليست صدفة إنما كانت محضرة وبانتظار الوقت المناسب».
قصف مدفعي
وأفاد مصور لوكالة «فرانس برس» في بلدة اللبوة المجاورة لعرسال، ان مدفعية الجيش كانت تقوم بقصف تلة مرتفعة على رأسها ثمانية منازل يعتقد ان المسلحين يتحصنون فيها. ولم يتمكن المراسل من دخول عرسال نظرا لقطع الطريق المؤدية اليها من قبل الجيش.
ورأى المصور تعزيزات عسكرية وآليات تنقل جنودا تتوجه نحو عرسال، بينما نقلت مدرعات عسكرية جرحى للجيش من أمكنة الاشتباك، قبل ان تنقلهم سيارات اسعاف الى مستشفيات المنطقة.
وكان الوضع انفجر في عرسال بعد بروز حال من البلبلة في المنطقة، ليل الخميس- الجمعة الفائت، وسط ظهور مسلّح لإسلاميين ملثمين وتطويقها لمراكز عدّة للجيش، بحسب ما أفادت التقارير الأمنية الواردة من هناك.
وذلك، على أثر توقيف الأخير المسؤول الميداني العسكري لتنظيم «الدولة الإسلامية- داعش» في منطقة القلمون المدعو عماد أحمد جمعة والملقّب بـ«أبو أحمد جمعة». وأوضح الجيش أن الأخير تمّ توقيفه في جرود عرسال، واعترف بانتمائه إلى «جبهة النصرة».
وكان قنّاصون انتشروا على بعض الأسطح في البلدة، وأعطوا مهلة باسم «الدولة الإسلامية» للإفراج عن جمعة، فضلاً عن تجوّل ملثّمين في أنحاء البلدة، فيما قام الجيش باستقدام التعزيزات لحماية العسكريين، ما فتح المواجهة بعد رفض الجيش مطالب المسلحين.
خلفية الاشتباكات
وفي المعلومات التي توافرت لـ«البيان»، فإن المدعو جمعة هو من مدينة القصير في ريف مدينة حمص السورية. إنضمّ الى صفوف التنظيمات الإسلامية، لا سيما «جبهة النصرة»، وعُيّن قيادياً في ما يسمى بـ«لواء فجر الإسلام» في حمص.
وبعد إعلان «داعش» الخلافة، أعلن جمعة ولاءه لأبو بكر البغدادي ومن ثم بايع «الدولة الإسلامية» منذ نحو شهر، وفق معلومات نشرت على مواقع جهاديّة. ومن ثم فرّ من القصير بعد سيطرة الجيش السوري عليها وانتقل الى منطقة القلمون، وبالتحديد الى تخوم جرود عرسال، حتى تمّ إلقاء القبض عليه من قبل الجيش اللبناني في جرود المنطقة.
واستنفر توقيف جمعة عشرات المسلّحين الذين تدفّقوا الى عرسال بأسلحتهم وحاصروا حاجزاً للجيش. وأشار أمير «داعش» في القلمون أبو حسن الفلسطيني الى مسلّحيه بالانتشار في عرسال.
كما هاجموا، مخفر عرسال واقتادوا عناصره أسرى بعد قتال خاضه عدد من أبناء عرسال دفاعاً عن عناصر الأمن الداخلي. وهكذا، بين ليلة وضحاها، اشتعلت البلدة البقاعية التي نامت على الجمر طوال الأشهر الماضية. وبدلاً من أن تنحصر المعارك في جرودها المترامية لعشرات الكيلومترات، امتدّت النيران الى قلب البلدة.
نقل المعركة
وتنفيذاً لخياره الحاسم بالاستعداد للمواجهة، بما يكفل منع مخطّطات المجموعات المتطرّفة من تحقيق أهدافها، بحسب تأكيد مصادر أمنية لـ«البيان»، دخل الجيش اللبناني، في مواجهة حادّة مع الإرهاب.
وتجلّى ذلك في البيان الشديد اللهجة الذي أصدرته قيادة الجيش حيال أحداث عرسال، وجاء في بيان المؤسّسة، والذي حذر بكل وضوح وللمرة الأولى منذ اندلاع الحرب السورية، من محاولات نقل المعركة الى الأراضي اللبنانية: «إنّ ما جرى ويجري، يُعدّ أخطر ما تعرّض له لبنان واللبنانيون، لأنه أظهر بكل وضوح أن هناك من يعدّ ويحضّر لاستهداف لبنان، ويخطّط منذ مدّة للنيل من الجيش اللبناني ومن عرسال».
وأضاف البيان: «إنّ الجيش لن يسمح لأيّ طرف أن ينقل المعركة من سوريا الى أرضه». وبحسب مصادر مراقبة، فإن ما تحدّث عنه بيان الجيش كان واقعاً قبل أكثر من عام، حين كانت عرسال أرضاً خصبة.
ومن جرودها ضرِب الجيش واستهدِف في معاقله وعلى حواجزه، وسعت قوى الإرهاب في غير مرّة لإنشاء ما كانوا يسمّونه «المنطقة الإنسانية العازلة» التي يتحصّن فيها ما يربو على أربعة آلاف مسلح.
وبعد أن سقطت الخطة في أرضها، وتمكّن العسكر من السيطرة على منابع الموت، تكرّرت المحاولة التي لا يزال خطرها قائماً، وسط معلومات تشير الى أن عرسال تضمّ نحو 120 ألف نازح سوري ونحو ستة آلاف مسلّح من تنظيمات متطرفة والذين يطوّقونها وينتشرون في محيطها، مقابل 40 ألف عرسالي صاروا اليوم أكثر من أي وقت مضى تحت رحمة «داعش» وفي قبضة «النصرة».
اعتداء صارخ
وضع رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام ما يجري في عرسال في خانة «الاعتداء الصارخ على لبنان الدولة، وعلى القوات المسلّحة اللبنانية، مثلما هو اعتداء على المواطنين اللبنانيين في أمنهم ورزقهم وممتلكاتهم»، مطمئناً اللبنانيين الى أن الجيش «سيتمكّن من إنهاء هذه الحالة الشاذة المستجدّة».
من جهته، أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري أن «هذا العدوان هو عدوان على كل لبنان وعلى كل اللبنانيين».