منذ تأسيسه في مطلع العقد التاسع من القرن الماضي، والشأن العسكري يطغى على متابعات مجلس التعاون الخليجي، سواء في المجلس الأعلى أو الأمانة العامة. وبلغ هذا الاهتمام درجة اللون الأحمر في نهاية ذلك العقد وخلال سني التسعينيات بعد الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت، إذ اجتهدت القمم الخليجية التي عقدت في أعقاب ذلك الحدث الجلل، في السعي نحو تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك وتطويرها..
وتطوير الأساليب والاستراتيجيات الدفاعية، مع التركيز على تطوير شبكة الاتصالات بين رئاسات الأركان مع توحيد المصطلحات.. وتعزيز التدريبات المشتركة، وكانت آخر الخطوات التكاملية إنشاء القيادة العسكرية الموحّدة في القمة الأخيرة التي عقدت في دولة الكويت يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين.
واجتهدت اللجان المعنية في حصر المتطلبات الدفاعية، ورصد مصادر التهديد والأخطار والتحديات وحجمها.. وكانت الحصيلة توقيع اتفاقية الدفاع المشترك في قمة المنامة في العام 2000 (الدورة الحادية والعشرين للمجلس الأعلى) ..
والتي كتبت أولى صفحات التحوّل من مرحلة التعاون العسكري إلى مرحلة الدفاع المشترك. إلاّ أنّ القمة الخليجية الأخيرة التي استضافتها دولة الكويت (الدورة الرابعة والثلاثين) توّجت هذه المكاسب بإنجاز نوعي هو إقرار القيادة العسكرية المشتركة وتأسيس الأكاديمية العسكرية والأمنية..
والتي سيناط بها صوغ مرتكزات مشتركة وتخريج أجيال تتحدّث نفس الإشارات والمصطلحات العسكرية.. وهو ما يصب في صالح تجسيد الإستراتيجية الدفاعية قبل أربعة أعوام في قمة التعاون في الكويت (الدورة الثلاثين).
والآن، بعد الاتفاقية والاستراتيجية والقيادة المشتركة باتت الرؤية واضحة لتنسيق سياسات الدفاع، وتعزيز امكانات التكامل عبر ترابطها برؤية ومفهوم عملياتي مشترك.
التحديات تتسع جغرافياً
إنّ المقررات التي خرجت بها قمة الكويت قبل أربعة أيام نقلة نوعية تتجاوز الركون إلى قوة درع الجزيرة (التي تقرّر إنشاؤها في العام 1982) على اعتبار أنّ المتغيرات وأنواع التحديات باتت أكثر، وازدادت اتساعاً جغرافياً، بات يفرض على المستويين السياسي والأمني التعجيل في رفع القدرات الجماعية لأنظمة القيادة والسيطرة وتسهيل وتعزيز تبادل المعلومات، مع تأمينها.
تطوّر التكامل الدفاعي
وفي هذا السبيل، انشغلت القمم الخليجية خلال عقد التسعينات من القرن العشرين في مشروع الاتصالات المؤمنة وربط القوات المسلحة، والتي تعد إحدى الدعائم الرئيسية لبناء المنظومة الدفاعية المشتركة.
وأقر المجلس الأعلى في العام 1995 (قمة مسقط الدورة السادسة عشرة) هذا المشروع الذي كان محل جدل طويل مع اختلاف المدارس العسكرية في الدول الأعضاء الست.. إلى أن كان التشغيل الرسمي للمشروع في العام 2000.. يردفه مشروع منظومة حزام التعاون الذي أقر في العام 1997 لربط مراكز عمليات القوات الجوية والدفاع الجوي في القوات المسلحة بدول المجلس لتكون على جاهزية عملياتية عالية.
ولم يقتصر البحث عن التناغم في الاستراتيجيات الدفاعية على مراكز القيادة والسيطرة، بل دخلت الأمور في التفاصيل الهادفة إلى جعل العمل العسكري المشترك بين دول المجلس أكثر توافقاً وتناغماً وانسيابية، إذ تم توحيد ووضع آليات عمل مشتركة لتبادل المساندة الفنية في مجال الإمداد والتموين والصيانة والتزويد الفني بين القوات المسلحة، وتوحيد الكراسات العسكرية في مجال التدريب والتعليم العسكري.
ما قرّره المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي في قمته الأخيرة، يسطّر لفصل جديد من التكامل الذاتي بعيداً عن الصيغ الجاهزة التي سادت خلال العقود الثلاثة الماضية من عمر هذه المنظومة، من الاتفاقات الثنائية مع القوى العظمي أو محاولة خلق تحالفات إقليمية كضامن للأمن كما حدث في مطالع التسعينيات في إطار «إعلان دمشق» الذي اجتهد في رسم ملامح تعاون أمني - دفاعي جديد يحصّن منطقة الخليج.
وهكذا، كان قرار تأسيس القيادة العسكرية الموحدة خطوة متقدّمة لمواجهة تنامي التهديدات العسكرية: سواء من إيران، التي باتت المخاطر غير محصورة في الضفة الشرقية للخليج العربي بل باتت التدخلات في الجنوب الغربي وفي شمال الجزيرة العربية وحتى في مياه البحر الأحمر، فضلاً عن ما قد يظهر من مخاطر غير منظورة في المستقبل.
تطوّر
في العام 1993 أعلنت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية خطط التكامل العسكري، وفي العام 2006 تطوّرت لتصبح قوات درع الجزيرة المشتركة، وجرى تعزيزها بجهد بحري وجوي، وفي 2009 رُدفت بقوة تدخل سريع.
في خندق واحد
في نطاق قوات درع الجزيرة المشتركة يتعرف العسكريون الخليجيون على بعضهم وتوحيد شؤونهم العسكرية لتطبيق برامج ومناهج وخطط واحدة تهيئهم نفسياً وعملياتياً للقتال في خندق واحد وتحت قيادة واحدة.
