الشارع الأوكراني يتململ والظروف السياسية غير مواتية

في الطريق إلى «الثورة البرتقالية 2»

متظاهرون في كييف يستخدمون بلدوزر لاختراق حواجز الشرطة رويترز

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن أشد المراقبين المتشائمين يتوقع أن تنأى كييف بنفسها عن توقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في اللحظات الأخيرة، بسبب الضغوط الروسية، بعد أن كانت أغلب الترجيحات تصب في صالح التقارب مع بروكسل وإطلاق سراح زعيمة المعارضة يوليا تيموشينكو وسفرها إلى ألمانيا للعلاج في إطار صفقة أوكرانية- أوروبية. لكن على ما يبدو..

وعلى الرغم من التسريبات التي تحدثت عن ابتعاد الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش عن نظيره الروسي فلاديمير بوتين، نجحت إملاءات الكرملين في ثني كييف عن اتخاذ خطوة طال انتظارها من قبل الأوكرانيين المتململين من الاهتراء الاقتصادي والتضييق السياسي الذي ازداد منذ عودة حلفاء موسكو إلى الحكم في فبراير 2010 بعد فترة انقطاع دامت خمسة أعوام إبان الثورة البرتقالية.

«عتبة الاستغفال»

ما يحصل في أوكرانيا منذ أسبوع شبيه إلى حد بعيد بما حدث في مثل هذه الأيام في 2004. فالنظام الأوكراني حينها تخطى «عتبة الاستغفال» التي يمكن لنظامٍ ما أن يستمرىء معها إقصاء الرأي العام وبقية تشكيلات الطيف السياسي، فزوّر الانتخابات الرئاسية، قبل أن يفاجأ بخروج الشعب إلى الشوارع في شتاء نوفمبر القارس.

ومنذ أكثر من ثلاثة أعوام، تباع مؤسسات الدولة الأوكرانية تدريجياً وتؤجر أراضيها إلى الجارة الكبرى، ما أدى إلى ارتفاع منسوب الارتهان السياسي والاقتصادي الذي أضحى يشبه إلى حدٍ بعيد ما كان عليه الحال خلال حقبة الاتحاد السوفيتي المنهار.

وترافق ذلك مع عودة سطوة البيروقراطية الحكومية ودور الشرطة والأمن وتغوّل الأوليغاركية وانخفاض قيمة العملة وارتفاع تكاليف المعيشة مع تدهور مستوى الدخل والقوة الشرائية.

وما يثير حنق الأوكرانيين أكثر أن دولا أخرى تخلفت عنهم سياسياً واقتصادياً بل وواجهت حروباً شرسةً، مثل كرواتيا وسلوفينيا، باتت اليوم جزءًا من المنظومة الأوروبية. وما يزيدهم غضباً، أنهم لا يزالون في خضم جدلهم البيزنطي فيما إذا كان لزاماً عليهم أن يدخلوا الاتحاد الأوروبي، في وقتٍ بدأ الاتحاد مرحلة الانحدار بعد أن مر في مرحلتي النشأة والقوة.

مصير الحراك

إن على أولئك الساعين إلى جر أوكرانيا إلى الوراء أن يفهموا حقيقة أن روسيا تنتمي إلى الماضي، والعودة إليها لن تنفع الأوكرانيين في شيء. وما يثار عن عودة نفوذ الكرملين إلى غيرٍ منطقة في العالم مرده إلى العقيدة الانكفائية للإدارة الأميركية الحالية وليس قوة موسكو أو ضعف واشنطن. ولكن يبقى السؤال، هل بإمكان التظاهرات العارمة في كييف أن تنتهي إلى ما حققته الثورة البرتقالية قبل تسعة أعوام؟

. المعطيات المؤسفة تقول إن على الأوكرانيين ألا يتأملوا كثيراً من حراكهم الاحتجاجي. إن أقصى ما يمكن لهم أن يتوقعوه من دعم من قبل الغرب بيانات منددة، وفي أحسن الأحوال، إجراءات استعراضية سرعان ما ستتلاشى.

لا يعني هذا بطبيعة الحال أن الثورة البرتقالية لم تكن سوى مؤامرة غربية من صنيعة إدارة جورج بوش. بل ان الحصافة السياسية تقتضي الاعتراف بأن أي حراكٍ داخلي في أيامنا هذه لا بد له من دعمٍ خارجي حتى ينجز أهدافه. وعليه، على الأوكرانيين أن يأملوا الأفضل ويتوقعوا الأسوء من قبل الغرب، الذي لا يعتقد كثيرون أن منظر ضرب المتظاهرين من قبل وحدات «بيركوت» ستحرك مشاعره ..

وتدفعه إلى استعداء بوتين ويانوكوفيتش، أكثر مما فعل مع مشاهد المجزرة الكيماوية في غوطة دمشق، فكان أن أعطى رئيس النظام السوري بشار الأسد شرعيةً بتدميرها، ليفسح المجال لموسكو لكي تمسك بأوراق اللعبة.

ما تشهده الساحة الأوكرانية سيكون مصيره على المدى القصير تنازلات سياسية قد تفضي إلى اتفاق تقاسم سلطة. أما على المدى البعيد، فمن الواضح أنه سيعمق حدة الانقسام بين الشطر الشرقي، الذي تتركز فيه الأقلية الروسية، والغربي، الذي تسكنه الأغلبية الأوكرانية، فيمهد بذلك إلى ما تصبو إليه موسكو الراغبة بتقسيم البلاد لتضع يدها على شبه جزيرة القرم التي تحتضن قاعدتها العسكرية الضخمة.

تقارب

احتضنت العاصمة الليتوانية قبل نحو عشرة أيام قمة الشراكة الأوروبية - الشرقية على أمل توقيع كييف اتفاقاً مع بروكسل، من دون أن يتحقق ذلك، فيما شهدت القمة تقارباً مع مولدوفا وجورجيا. البيان

Email