السودان.. سلّةُ غذاءٍ عالقة في عالم الافتراض

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعلم القاصي قبل الداني الثروات الطبيعية التي يزخر بها السودان من أراض شاسعة تمتد بلا نهاية، وموارد مياه تحكيها مسيرة نهر النيل من حدود البلاد الشرقية مع الجارة، إثيوبيا إلى الحدود الشمالية مع مصر، فضلاً عن مناخ مثالي متعدّد وثروة حيوانية قلّ نظيرها، إذاً، تكاملت العوامل، أراض عانقت الخصب في تلاقٍ حميم ومياه بلا حدود ومناخات متعدّدة، معطياتٌ أهّلت السودان لقيادة دفة الغذاء العالمي إلى درجة أطلق عليه «سلّة غذاء العالم».

سلة غذاء

تبدو المسافات بعيدة بين الحقيقة والافتراض، إذ إنّ «سلّة غذاء العالم» ظلّت كما يرى مراقبون عاجزة حتى عن إطعام أهلها، دليلهم الفجوات الغذائية التي ما تنفكّ تلاحقه، على الرغم من وجود أكبر المشاريع الزراعية عالمياً «مشروع الجزيرة»، إلاّ أنّ الإهمال المتعمد برأيهم عبر الاعتماد الكلي على البترول المنتج في حقول الجنوب، حرم البلاد من الاكتفاء الذاتي من الغذاء وعملات صعبة ضخمة ترفد خزينة الدولة، كما حرم الإقليم بل والعالم من مستودع غذاءٍ في ظل الأزمة الناشبة.

ولم تتعد الشعارات التي رفعتها حكومة الإنقاذ من مجيئها في منتصف العام 1989 حدود الألسن، إذ رفعت شعار «نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع»، غير أنّها لم تستطع تنزيله إلى أرض الواقع طيلة سنوات حكمها التي اقتربت من ربع قرن، فلم تستطع المشاريع التي أطلقتها حكومة الخرطوم على غرار «النفرة الزراعية» و«النفرة الخضراء» وغيرهما، إخراج قطاع الزراعة ومعه الاقتصاد من غرفة إنعاش طال مقامه فيها.

المدخلات الزراعية

ويرى مختصون أنّ النفرات الزراعية التي أعلنت تعني أن تجند كل الإمكانيات للنهوض بالزراعة التقليدية والحديثة، عبر توفير المدخلات الزراعية في الوقت المناسب، والتأكد من أن مصارف المياه معدة تماماً لانسيابها في حالة المشاريع المروية بالانسياب، وكذلك ضبط ومراقبة التمويل الزراعي ورفع مستوى مراكز البحوث الزراعية، إلاّ أنّ حكومة الإنقاذ عمدت إلى إضفاء صفة الحزبية على النفرات الزراعية على الرغم من إعلانها باسم الحكومة، ما دعا الكثيرين إلى اعتبارها مشروعاً حزبياً يراد به الدعاية إعداداً للانتخابات المقبلة.

لا سيما مع اتفاق الجميع على أنّ حكومة الإنقاذ بقيادة البشير أهملت القطاع وركزت كل جهودها في قطاع البترول، إذ يرى كثيرون أنّ الحزب الذي خرّب قطاع الزراعة خلال 23 عاماً لن يستطيع إنقاذه في عام أو خمسة أعوام، لافتين إلى أنّ النفرات الزراعية كان يجب أن تتخذ طابعاً قومياً وليس حزبياً، وأن يجري التشاور حولها والإعداد لها مع القواعد ذات المصلحة، وهي تشمل المزارعين وبقية الفئات الشعبية.

سياسة خاطئة

ولعل الحقيقة تبدي لكل مراقب أنّ السياسات الزراعية الخاطئة تعتبر المسؤول الأكبر عن دخول مشاريع السودان الزراعية غرف الإنعاش، وذلك باعتراف وزير الزراعة السوداني عبدالحليم إسماعيل المتعافي الذي أقرّ أنّ السياسات الاقتصادية الخاطئة بالسودان وراء ضعف الإنتاجية وتخلّف الزراعة بالسودان، فضلاً عن تأكيده أنّ البلاد تعيش أزمة حقيقية من جراء عدم المواكبة والتخطيط العلمي.

وطن قارة، يزخر بـ200 مليون فدان صالحة للزراعة، ما استغل منها لا يتجاوز 30 مليوناً في رأي خبراء، فيما تتراجع نسبة المستغل مع مرور السنوات وإهمال هذا القطاع، عبر التوجّه إلى موارد أخرى كالتنقيب عن الذهب في الشمال بعد ذهاب بترول الجنوب بالانفصال.

Email