قبل حرب الغفران في أكتوبر تشرين أول 1973 كنا نعرف أن الثمن من أجل السلام هو إعادة سيناء. اليوم في الجولان نكرر ذات الأمر ويبدو أن القيادة والمجتمع في إسرائيل يحتاجان لان يدفعا ثمنا أكبر كي يعرفا بان هذا هو الثمن.
الرد الأولي آنذاك كان متوقعا. تفكك ديان، في أقل من يوم، من محتل مغرور وجنرال ذي هالة إلى مصاب منثنٍ بالصدمة، مكتئب ومعذب، هو إحدى السقطات الأكثر انحدارا شهدناها هنا. كما أن الثناء على رئيس الأركان، الفريق دافيد اليعزار (ددو) مبالغ فيها. نعم، تصرف بشكل مناسب تحت الضغط، بالتأكيد بالقياس إلى ديان، ولكن في كل ما يتعلق بإعداد المعركة للقتال، فشل.
سقوط الكبار
كل واحد من أبطال الساعة إياها، من غولدا، ديان، ددو، رئيس شعبة الاستخبارات زعيرا (ابو أباء التبجح والمفهوم المغلوط)، رئيس الموساد زمير، قادة المناطق وقادة الفرق، كلهم ينخرطون جيدا في المأساة التوراتية التي تدور في المحيط، خيرا كان أم شرا. الأبطال الحقيقيون للحرب كانوا هم ضحاياها الحقيقيين، هم الجنود. قادة الألوية، قادة الكتائب والسرايا، الرائدون والملازمون، وبالطبع المقاتلون في الدبابات المشتعلة وفي الطائرات الساقطة وفي الخنادق التي تمتلئ بالدم. أولئك الذين امتصوا بأجسادهم القصور ومنعوا، حتى اليوم لا يمكن أن نفهم كيف، وصول الدبابات السورية إلى طبريا، والجماهير المصرية المفعمين بالكراهية من اجتياح سيناء بطوفانهم.
مؤخرا قرأت «عن الصد» كتاب جديد كتبه افيرام بركاي، في أعقاب تحقيق استثنائي، ويعنى بقتال 188 المدرع في هضبة الجولان في أثناء الحرب. اللواء الوحيد في تاريخ الجيش الإسرائيلي الذي شطب من إجمالي قوات الجيش في أثناء المعارك (عاد إليه وقاتل في أثناء الحرب، بعد أن جمع حطامه وانتعش).
ثمن السلام
ينبغي للمرء أن يقرأ كي يصدق. كيف حصل كل شيء هناك، في الطرف الأخر من الهضبة، علنا. كيف تجمعت المدرعات السورية الهائلة أمام الدبابات الإسرائيلية القليلة، ولكن كل من تجرأ على السؤال «ماذا سيحصل إذا ما تحركت ذات يوم وتوجهت نحونا»، تلقى الضربة على رأسه. «هي لن تتوجه»، قال الجميع. ولكنها توجهت، وعندما حصل هذا، لم يكن ممكنا وقفها لان أحدا لم يستعد واحدا لم يفكر وتمسك الجميع بطرف الغرور وعدم الاكتراث، نتيجة حرب سابقة وست سنوات من العمى التام التي تلتها. الثمن دفعه قرابة 3 آلاف مقاتل شاب وعشرات ألاف الجرحى الذين لن يعودوا ليكونوا ما كانوا عليه. نعم، وددو أيضاً.
كيف يرتبط كل هذا باليوم؟ بل وكيف يرتبط. إذ كان ممكنا الوصول إلى سلام مع مصر قبل الحرب. فلماذا انتظرنا إلى ما بعدها؟ تجول هنا واحد، غونار يارنغ، واقترح علينا بالضبط ما قبلنا به بعد ذلك. بسيط جدا: أرجعوا سيناء، وخذوا السلام. ولكن، كما هو معروف، «شرم الشيخ بلا سلام خير من السلام بدون شرم الشيخ»، قال ديان، ابتسم وغمز. وكلنا اندفعنا بالهتاف. وعندها اندلعت الحرب. كي نفتح الرأس، على إسرائيل قبل كل شيء أن تتلقى على الرأس. ولم يتغير أي شيء.
هضبة الجولان
في هضبة الجولان يوجد مستوطنون رائعون. مستوطنات مزدهرة. المكان مذهل، قضيت هناك بعضا من خدمتي العسكرية ووقعت في غرام شديد. الموضوع هنا انه لا يمكن عقد السلام مع سوريا دون التنازل عن الجولان. لا يوجد وضع كهذا. كان لهذا السلام غير قليل من الفرص. لدى رابين، ولدى بيرس، ولدى نتنياهو، ولدى باراك (الذي فوت الفرصة لأنه تأرنب)، ولدى من لا.
ولكن القيادة الإسرائيلية، وربما أيضا الشعب الإسرائيلي، غير مستعدين لدفع الثمن. لماذا ندفع؟ فكل شيء جيد، في هذه الأثناء. الاقتصاد مزدهر، فقاعة العقارات تتجول في الأعالي وكذا الأمن على ما يرام. إذن فلينتظر الأسد. ينبغي، على ما يبدو، أن ندفع أولا ثمنا أعلى بكثير، كي نفهم بان هذا هو الثمن.
في هذه الأثناء، محور الشر آخذ في التجسد حولنا، عشرات آلاف الصواريخ والمقذوفات الصاروخية الثقيلة والدقيقة موجهة نحو مراكز مدننا (ليس «سننزل إلى الملاجئ في الشمال» بعد اليوم. اعتادوا: في المرة القادمة مشاريع عائلة غيندي ستتلقى ضربة عظيمة. لعل هذا ما سيفجر، أخيرا، فقاعة العقارات)، وبعد قليل لن يكون هناك ما يمكن التوقيع عليه، ومع من.
قبل الحرب وبعدها
للبروتوكولات قوة. كل الكتب، التحقيقات، المقابلات والروايات التي نشرت عن الحرب لا يمكنها ان تقف أمامها. عند قراءة الكلمات الدقيقة التي قيلت، تسلسل المداولات، تبادل الأقوال، حين يأتي ذلك بالاقتباس المباشر، الجاف، التاريخي، الذي يصفر منذ 37 سنة بين الصفحات، فان هذا يخلق قوة أخرى تماما. لا مجال بعد اليوم لتبادل الاتهامات، التحليلات المتضاربة أو الروايات المختلفة. الآن هذا رسمي، نقي، مكتوب على الحائط أمامنا. ها هم، بكل بؤسهم، عارهم، مصيبتهم. مصيبتنا.
قبل الحرب بساعات وفي يوم الجمعة كنا نحن الإمبراطورية، مملكة إسرائيل الثالثة، الجيش الذي لا يهزم والقيادة التي لا تساوم، وفي السبت اندلعت الحرب فأصبحنا نحن على شفا «خراب البيت الثالث»، ونهتف النجدة ونثور على مر مصيرنا وعلى حقارة العالم.
معاريف ـ بن كاسبيت
