بائعات خبز .. صبايا يبحثن عن لقمة العيش

بائعات خبز .. صبايا يبحثن عن لقمة العيش

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

حليمة ومريم وجوهرة وعزيزة وكوثر... وأسماء أخرى كثيرة، فتيات بين الثامنة والسادسة عشرة يقفن لساعات طويلة على حافتي الطريق الرابط بين مدينتي الجزائر وتيبازا وفي أيديهن خبز تقليدي للبيع. المشهد صار مألوفا منذ سنوات ودخل بسلاسة في ديكور المنطقة. ففي كل صباح تنزل الصبايا محملات بأكياس وقفف مملوءة عن آخرها بأقراص الخبز التقليدي المعد للبيع، ويتسابقن على حجز «أماكن العرض» ويبدأ فصل جديد من رحلة البحث عن لقمة العيش.

تصطف البائعات على مسافات متقاربة كونهن ينتمين لتجمعات سكنية ريفية تقع على مرتفع قريب من الطريق وينافسهن على المواقع أطفال في مثل أعمارهن يبيعون «السلطة» وأنواعا من الأعشاب البرية تستخدمها العائلات في تحضير أطباق شعبية. وكلما توقفت سيارة سارعت الفتيات لعرض ما لديهن وتنافسن في إيجاد كلمات «إغراء» يستملن بها المشترين، ولا يخلو المشهد أحيانا من مشادات بينهن للظفر بزبون. كان الوقت يقارب الظهر حين توقفت سيارة « شوفرليه سبورت» سوداء نزل منها رجل في الأربعين اقترب من حليمة التي كانت الأقرب إلى مكان توقفه وتفحص رغيفا كان بيدها ثم سأل عن السعر فأجابت « 20 دينارا للواحدة»...

ورد بتراخ «هذا كثير» ثم قلب ما في الكيس الذي بجانبها وطلب منها أن تخفض الثمن وإلا سيشتري من أخرى، وجرى الاتفاق على بيعه ثلاثة أرغفة بخمسين دينارا. تمت الصفقة وذهب الرجل وقد حقق مكسبا بعدما فرض سعره، بينما حليمة والأخريات ينتظرن غيره لبيع ما تبقى لديهن قبل أن يداهمهن الليل والكساد.

كل بائعات الخبز يقلن إنهن يساعدن عائلاتهن على العيش إما لأنهن يتيمات أو لأن الوالد عاطل أو أجره لا يكفي لسد حاجات الأسرة. سألت سليمة ( 10 سنوات) إن كانت تدرس فقالت «دخلت المدرسة ثلاث سنوات لكنني لم استطع الاستمرار، وفضلت والدتي إشراكي في أمور البيت، وأنا أبيع في هذا المكان منذ عام بين 20 و 30 رغيفا من الكسرة يوميا لأساعد العائلة على العيش». والد سليمة لا يشتغل بانتظام.

ويعمل أحيانا في جمع المحاصيل مع المزارعين أو في ورش البناء لكن هذا العمل مؤقت ولا يتيح للعائلة مورد رزق مضمون ودائم. ومثلما تفعل نساء أخريات كثيرات تستعين والدتها بأشغالها المنزلية لتأمين العيش. وتبدأ إعداد الخبز التقليدي فجرا حتى يكون جاهزا للبيع في الساعة الأولى لنشاط حركة المرور.

خديجة ذات 16 ربيعا، تفرغت كليا لعمل البيت بعدما خسرت مقعدها الدراسي اثر فشلها في اجتياز المرحلة الإعدادية، وقالت «أنا مثل كثيرات درست تسع سنوات وفشلت في المرور إلى الثانوية، وأقرب وأسهل ما يمكن فعله بيع الخبز وها أنا أشتغل منذ عام ».

وعما إذا كان شغلهن يسبب لهن مخاطر واعتداءات قالت مريم «نحن نبيع على مقربة من مساكننا، وكل من ترى ممن يبيعون الخضار والفواكه على الطريق جيران متضامنون معنا، ولن يسمحوا أبدا بأن يؤذينا أحد... من هذه الناحية نحن في مأمن».

على طول تلك الطريق ينتشر الفقر ويرى بالعين المجردة، وتظهر الفوارق الاجتماعية الكبيرة بين أصحاب القصور الفخمة التي تصطف على شاطئ البحر ولا تستغل إلا لقضاء العطل في فصل الحر، وأولئك الذين يكدون يوميا فقط من أجل ضمان الحد الأدنى من ضرورات الحياة... لكن، مع ذلك، الناس تجاوزوا محنهم بابتكار أساليب ضمان هذا الحد الأدنى وبروح التضامن هذه التي تحدثت عنها مريم.

الجزائرـ مراد الطرابلسي

Email