صدمة اللجوء

صدمة اللجوء

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

حين وضعت جولة 1948\1949 من الصراع الصهيوني العربي أوزارها بعقد اتفاقات الهدنة الشهيرة، كان مجموع الذين أخرجوا من ديارهم من الفلسطينيين، وتحولوا إلى لاجئين تحت سيادات دول عربية أو غير عربية زهاء 805 آلاف نسمة.

وقد توزع 29% من هذه الكتلة البشرية على الضفة وغزة (نحو 233 ألفاً) و44% على دول الجوار، لبنان وسوريا والأردن ومصر (نحو 340 ألفاً) وانتشر الباقون على مساحة تمتد من العراق ودول الخليج إلى بعض دول أوروبا والأميركتين الشمالية والجنوبية. وهكذا فإن الدول العربية تلقت العبء الأكبر من حجم مشكلة اللاجئين وتداعياتها، إما على نحو مباشر نتيجة استقبال اللاجئين على أراضيها، وإما بشكل غير مباشر نتيجة وقوع ما تبقى من فلسطين التاريخية تحت سيطرتها (الأردن في الضفة ومصر بالنسبة لغزة). وبمرور الوقت تضاعفت أعداد هؤلاء اللاجئين إلى سبع مرات تقريباً، لتصل إلى أرقام مليونية.

مؤدى هذه الحقيقة أن الشعوب العربية، خصوصاً في الدول المجاورة لفلسطين اصطكت بقضية اللجوء الفلسطيني بقوة، وعانت المرارات التي فرضتها تطورات الصراع الصهيوني العربي على المنكوبين بهذا اللجوء القسري من أبناء فلسطين. هذا بالطبع دون الحديث عن ملامسة هذه الشعوب لانعكاسات نشوء الكيان الصهيوني الاستيطاني في منطقة القلب من مجالهم الجغرافي، واكتوائهم بسياساته العدوانية وأهدافه التوسعية وطموحاته في الهيمنة وفرض النفوذ والسيطرة، ومعاكسته للأهداف العربية في الاستقلال والوحدة والتنمية والتقدم.

كان الاصطكاك بمحنة اللاجئين والانغماس في صراع ضروس مع كيان استيطاني استزرع عنوة في جسد الأمة العربية، والشعور شبه الفطري بالأخطار المترتبة على نشوء هذا الكيان، أسباباً كافية لانبعاث حالة من التعاطف المكثف مع القضية الفلسطينية..

وقد أجادت الأدبيات والتنظيرات العربية (والفلسطينية بالطبع) الخاصة بالصراع في وصف الصلة بين البعد الخاص بتسوية أوضاع اللاجئين وفقاً للشرعية الدولية (حق العودة أساساً)، وبين تسوية الصراع والقضية الفلسطينية عموماً..

كما أجادت التعريف بالبعد الاستيطاني الإحلالي للكيان الصهيوني باستخدام التهجير القسري للاجئين الفلسطينيين كدليل على هذا البعد. وفي ذلك، كان من الصحيح تماماً القول بأن استئصال الشعب الفلسطيني أو اقتلاعه من فلسطين والاستيلاء على أرضه وممتلكاته لبّ القضية الفلسطينية.

وقد تداعى عن هذا الاهتمام بقضية اللاجئين، بحسبها تشير إلى جوهر الصراع على أرض فلسطين وما حولها، أن ترسخت في الذهن الشعبي (والرسمي إلى حد واضح) فكرة الحفاظ على الوضع الراهن بالنسبة للاجئين أنفسهم، كونهم الشاهد الأكبر على المأساة الفلسطينية.

واقتضت هذه الفكرة بالتداعي المنطقي ضرورة إسناد حق عودة اللاجئين إلى ديارهم.. لأنه لا معنى لوجود اللاجئين من دون إسناد هذا الحق ومحاولة الدفاع عنه والتبصير بحجيته وأسسه التاريخية والقانونية .

كأن وجود اللاجئين والحال كذلك مثل شاهد العيان على المأساة الوطنية الفلسطينية والعربية الناجمة عن المشروع الصهيوني، وأي مساس بهذا الوجود خارج نطاق حق العودة إلى الوطن الأم، كان يعني بداهة القضاء على هذا الشاهد التاريخي، وغضّ النظر عن لا شرعية إسرائيل ولا مشروعيتها والتخلي عن الحقوق الفلسطينية والعربية في فلسطين.

Email