الجزائر

صخرة البقرة الباكية.. متحف مفتوح في الهواء الطلق

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقف سياح من مختلف بلاد العالم كلما زاروا الصحراء الجزائرية أمام صخرة عملاقة قرب مدينة جانب على الحدود مع ليبيا، يتأملون خدوشا فيها، وعادة ما يلتقطون صورا بجانبها ويستمعون إلى الدليل وهو يلقي عليهم محاضرة حول تاريخ تلك الصخرة العملاقة، ويتابعه الجميع باهتمام ومنهم من يسجل ما ورد على لسانه، والكثيرون يتبعون المحاضرة بأسئلة تفصيلية. فما قصة تلك الصخرة ولماذا هذا الاهتمام الكبير بها؟

الحديث عن الصخرة وما تحمله من رموز نادرة يستهله الدليل المحاضر بالعودة إلى تاريخ وجغرافيا المكان.

فلقد كانت تلك الأرض شبه القاحلة سهولا خصبة ومروجا على عشرات الآلاف من الكيلومترات، ترعى بها الحيوانات البرية من غزلان وجواميس وزرافات وفيلة ووحيد القرن وما إليها، كما هو الحال في الحظائر الافريقية الكبيرة، وتنتصب بها جبال شاهقة وتتخللها جداول ووديان تتدفق منها المياه على الدوام وتنتشر في مختلف أرجائها غدران لا تنضب.

واستوطن الإنسان المنطقة منذ آلاف السنين ودون حضوره برسوم على الصخور وجدران الكهوف التي كان يحتمي بها من البرد ومن شر الحيوانات المفترسة. كما ترك كتابات بالحروف الليبية القديمة ولا يزال سكان المنطقة من الطوارق يستخدمونها إلى اليوم وتسمى «تيفيناغ».

وحتى لا نبتعد كثيرا عن قصة الصخرة، تقول الروايات التي قرأها الأخصائيون على الرسوم والكتابات إن قطيعا من الجواميس عاد من هجرة سنوية إلى تلك المنطقة فوجد الغدران التي كان يرتوي منها قد جفت ومياه الوديان والجداول شحت، وزحف القحط بسرعة متناهية فتعرت الجبال من أشجارها وأتت الرمال على المروج والحقول فحجبت الكلأ.

في هذا الوضع الدراماتيكي تاه القطيع وضيع كل معالم المكان. وأرّخ إنسان ذلك الوقت للذي حدث قبل نحو خمسة آلاف سنة برسوم غاية في الدقة للقطيع التائه وبينه بقرة تنزل دمعة من عينها اليمنى.

وحين اكتشفت الصخرة التي تحمل الرسم بداية القرن الماضي سميت «البقرة الباكية» وصارت مزار كل من يحل بالمنطقة.

وتوجد هذه التحفة الفنية والتاريخية وسط حظيرة الطاسيلي الطبيعية، وهي أكبر متحف مفتوح على الهواء في العالم وفي محيطها آلاف من التحف الفنية الأخرى تروي كلها فصولا من تاريخ الإنسان القديم الذي عمر المنطقة ومغامراته مع الصيد والكفاح من أجل البقاء.

ورغم التغيرات في المناخ والتضاريس قاومت بعض الحيوانات البرية وظلت صامدة صابرة حتى اليوم .

الجزائر ـ مراد الطرابلسي

Email