بات مجرد ذكرى ومناسبة لتبادل البرقيات الدبلوماسية

الإتحاد المغاربي ... حلم لم يتجسد واقعا

ت + ت - الحجم الطبيعي

ولد الآلاف من مواطني بلدان المغرب العربي في 17 من فبراير العام 1989، يحتفلون اليوم بعيد ميلادهم 21، وقليلون منهم يدركون أن هذا اليوم يوافق الإعلان عن ميلاد الإتحاد المغاربي في قمة مراكش التاريخية التي جمعت كلا من العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني والرئيس الموريتاني السابق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، والرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد، والرئيس التونسي زين العابدين بن علي والزعيم الليبي معمر القذافي.

ما تبقى من ذاكرة ذلك اليوم صورة تذكارية نادرة للقادة المغاربية في إطلالة نصر من على شرفة بلدية مراكش، ونص معاهدة ممهورة بتوقيع القادة تصر في ديباجتها على رغبة الشعوب المغاربية في الوحدة والتكامل .

وفي ذلك اليوم بدا للشعوب المغاربية أن حلم الآباء والأجداد الذين قاوموا الاستعمار الفرنسي في الجزائر وتونس والمغرب والإسباني في المغرب وموريتانيا والإيطالي في ليبيا قد بات حقيقة وواقعا ستنعم به الأجيال، لكن ملايين الشباب الذين ولدوا مع ميلاد هذا الحلم، لم يلمسوا هذه الوحدة والتكامل واقعا.

ولم ينعموا بثماره التي لم يأت حصادها بعد، لسبب السنوات العجاف التي ألمت بإتحاد جمعه توق الشعوب إلى الوحدة والتكامل وفرقته الحسابات السياسية لهذا الطرف أو ذاك، فهذا الكيان الذي يدخل اليوم عقده الثالث لم ينجح في توفير الرخاء الاقتصادي والنماء الاجتماعي لزهاء 85 مليون نسمة هم تعداد سكانه اليوم.

غير مقنع

كما لم تفلح البيانات البروتوكولية التي تصدر عادة في صيغة برقيات تهنئة يتبادلها القادة كل عام في مثل هذه المناسبة في إقناع الأجيال المغاربية بوجود كيان يمثلهم، فالتباينات السياسية حتى حول القضايا المشتركة التي تطرأ على دول الإتحاد ذاتها، حالت دون تحقيق وفاق يفترض أن يكون من أبجديات العمل المغاربي.

وفي هذا الشأن وقف الإتحاد المغاربي، مكتوف اليدين أمام أمرين جللين حدثا في موريتانيا الدولة العضو في الإتحاد، كانت الأولى في شهر أغسطس عام 2005 حينما انقلب العسكر على الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع أحد القادة الموقعين على معاهدة قيام الإتحاد، يومها وبإستثناء تونس التي دعت في بيان لوزارة الخارجية إلى التمسك بالشرعية لم يحرك بقية الأعضاء ساكنا.

الأمر ذاته حصل بعد ثلاث سنوات حينما انقلب الجيش أيضا على الرئيس المنتخب دستوريا سيدي ولد الشيخ عبد الله، ولم يحدد الإتحاد المغاربي موقفا مما يحصل على أرض دولة عضو، هذه الأمثلة عن التعاطي السلبي مع الشأن السياسي الداخلي والإقليمي.

لا يحظى بإجماع

فعدد كبير من القضايا ذات الاهتمام المشترك لم تحظ بتوافق من قبل الأعضاء الخمسة، من ذلك الشراكة مع الإتحاد الأوروبي التي سعت إليها كل من تونس والمغرب منفردتين، فيما تسعى ليبيا أيضا منفردة بعد عودتها القوية إلى المجتمع الدولي إلى توثيق علاقات تعاونها الاقتصادي مع الدول الغربية مستندة إلى رصيدها من الثروات.

خلافات ثنائية

ليست هذه القضايا فحسب التي تشكل نقاط الخلاف، فالجارتان الجزائر والمغرب، لم يفتحا حدودهما المشتركة منذ العام 1994 إلا يوما واحدا نهاية السنة الماضية لعبور قافلة شريان الحياة المتجهة من لندن إلى غزة لتعود الحدود إلى وضعية الإغلاق التام رغم التصريحات الدبلوماسية المشتركة من الجزائر والرباط بضرورة فتحها.

وإعادة المياه إلى مجاريها رغم درجة التجمد التي بلغتها بسبب قضية الصحراء الغربية التي تشكل قطب الرحى في الخلاف الجزائري المغربي، فمواقف الجارتين من القضية لم تلن منذ أواسط السبعينات رغم الجهود الدولية. رغم الحسم الذي خاطبتهما به وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس في آخر زيارة لها إلى المنطقة قبيل مغادرتها البيت الأبيض.

والتحذيرات التي وجهتها خليفتها هيلاري كلينتون بوجوب حل هذه القضية وفي أسرع وقت وذلك لتجنيب المنطقة مخاطر لا تقوى على احتمالها خاصة بعد بروز القاعدة في المغرب العربي كطرف فاعل على الساحة وكخطر حقيقي بات انتشاره واضحا في المناطق الصحراوية الشاسعة الممتدة عبر جغرافية المنطقة.

دون اتفاق

ورغم المبادرة التي قدمها المغرب قبل نحو سنوات ثلاث، والتي تقدم حكما ذاتيا في الأقاليم الصحراوية ضمن سيادة المغرب على صحرائه والحملة الدبلوماسية الكبيرة التي قامت بها الرباط في العواصم الكبرى، بقيت الجزائر على موقفها الرافض للمشروع المغربي والمتمسك بمطلب جبهة البوليساريو التي تتخذ من الأراضي الجزائرية مقرا لها بالاستفتاء حلا وحيدا والاستقلال مطلبا شرعيا كما تراه الجبهة.

وهو ما عمق من الخلافات بين الرباط والجزائر التي عبرت مرارا وتكرارا على رفضها المقترحات المغربية، مجددة دعمها للبوليساريو وهو الأمر الذي أعاق جولات متعددة للمباحثات التي تتم بين البلدين في نيويورك، والتي انتهت قبل أسبوع دون التوصل إلى نتيجة في انتظار أن تستمر بعد نحو أسبوعين .

أزمات اقتصادية

وفق التصريحات الرسمية للعواصم المغاربية فإن الأزمة المالية العالمية لم تلق بظلالها على اقتصادياتهم ويفسر أهل الاقتصاد الأمر بأنه من البديهيات فهذه الدول غير مرتبطة ماليا بالبورصات والمصارف العالمية واقتصادياتها تحظى بمنظومة حمائية من الدولة وباستثناء الجزائر وليبيا اللتين استفادتا من ارتفاع أسعار النفط، تقوم بقية الإقتصادات الأخرى على الزراعة والصناعات التحويلية وعلى ملايين العاملين بالخارج. رغم هذا التباين في المداخيل المغاربية.

إن المفارقة تكمن في عدم وجود تبادل اقتصادي بيني بين الدول الأعضاء، فليبيا النفطية لا تمنح جارتها تونس مثلا النفط بأسعار تفاضلية، والأمر ذاته ينسحب على الجزائر التي لا تقدم التسهيلات نفسها لجارتها المغربية، كما ان حجم المبادلات مع الدول الأوروبية لا يمكن مقارنته مع ما يحصل بين البلدان المغاربية.

من هنا فإن حلم الرفاه الذي كان يراود الذين اجتمعوا يوما ما في مدينة طنجة المغربية قبل نحو نصف قرن وحينما كان الاستعمار جاثما على صدور المغاربيين لم يتحقق لأي من البلدان المغاربية.

فالجزائر التي تعد الدولة الأغنى بمواردها من النفط والغاز، تتعطل فيها مشاريع التنمية بسبب الوباء البيروقراطي المستشري في مؤسساتها وهو ما بات يشكل عقبة أمام الاستثمار الخارجي حيث تراجعت مؤسسات عالمية عن تنفيذ مشروعات كانت تعتزم تنفيذها في الجزائر، وطوابير العاطلين في بلدان المنطقة خرجت في أحيان كثيرة من حالة المطالبة بتوفير فرص العمل إلى التظاهر في الشوارع والإتيان بأعمال عنف على غرار ما حصل في مناطق الجنوب المغاربي كافة.

والجثث التي يقذف بها البحر يوميا على السواحل ما كانت لتبلغ هذه الأعداد المأسوية لو تحقق أمل الحياة الكريمة لهذه الطاقات الشابة، التي قد يكون بعضها ولد يوم قيام الإتحاد وماتت دون أن تلمس أن في اتفاقية التأسيس فقرة تتحدث على توفير الحياة الكريمة والرخاء للشعوب المغاربية التي باتت اليوم غير معنية بسيل برقيات التهنئة التي تحيي هذه الذكرى .

ولا بموجة الأغاني التي تبثها التلفزيونات الحكومية وعبارة يرددها القادة في خطاباتهم وهي التمسك بالإتحاد المغاربي خيارا استراتيجيا للشعوب، كلام لم يعد ذا معنى لأجيال نعت هذا الكيان سياسيا واتجهت إلى الفضاءات الإلكترونية لتؤسس مجموعات واتحادات مغاربية افتراضية قد تصمد أكثر من صمود وثيقة مراكش .

ملامح مغاربية

الجزائر: من أكبر منتجي الغاز والنفط في العالم ويعتمد بشكل كبير اقتصادها على تصدير النفط والغاز والصناعات البتروكيماوية التي تمثل بمجموعها 97 في المئة من صادرات البلاد. المغرب: يملك المغرب 70 في المئة من احتياطات الفوسفات العالمي. ويعتمد اقتصاد المغرب أيضا على السياحة الأجنبية، وتصدير الحمضيات والبطاطا والخضراوات والأسماك والنسيج إلى أوروبا وأميركا.

تونس: يعتمد الاقتصاد التونسي على السياحة وعلى الصناعة مثل صناعة الملابس بالإضافة إلى الصناعات الميكانيكية كقطع غيار السيارات وأجزاء من طائرات ايرباص، وتعد تونس ثالث مصدر لزيت الزيتون في العالم بعد اسبانيا وإيطاليا، وتعد التمور ثاني صادراتها الفلاحية.

ليبيا: تعتبر من أكبر منتجي النفط في العالم الذي تعتمد عليه في اقتصادها إلى جانب الصناعات الكيمياوية، وبدأت تشهد تحسنا في قطاع الاستثمار العقاري والتجاري بعد رفع الحظر عنها سنة 2000

موريتانيا: أصبحت موريتانيا مؤخراً بلداً مصدراً للنفط. وتصدر موريتانيا أيضا الحديد والأسماك.

وحدة الدين والمذهب

سكان بلدان المغرب مسلمون سنة على مذهب الإمام مالك وهذا الأمر يعتبر من أهم أسباب تقوية الروابط بين البلدان المغاربية حيث لا تباين يذكر في المرجعية الدينية، وهناك تواجد بسيط لمسلمين يتبعون المذهب الأباضي، وكون اللغة العربية هي اللغة الأساسية إلى جانب اللغة الأمازيغية، والثقافة الغالبة في المغرب المغربي أساساً هي الثقافة الإسلامية حيث يشكل المسلمون في أغلب بلدان الإتحاد نسبة تزيد عن 97 في المئة.

تهنئة

بن علي يجدد حرصه من أجل بناء الإتحاد

جدد الرئيس التونسي زين العابدين بن علي أمس حرصه على مواصلة العمل المشترك من أجل دعم إتحاد المغرب العربي الذي تصادف اليوم الاربعاء ذكرى تأسيسه 21.

وشدد في رسائل تهنئة بعث بها إلى قادة الدول المغاربية (الجزائر وليبيا والمغرب وموريتانيا) لمناسبة هذه الذكرى، على أهمية وجود «المزيد من تفعيل هياكل الإتحاد المغاربي بما يؤسس لمرحلة جديدة من الشراكة والتكامل بين البلدان المغاربية، وبما يؤهل المجموعة المغاربية للتعامل باقتدار مع المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة».

وأعتبر في هذه الرسائل أن الإيمان بالمشروع المغاربي والتمسك بالإتحاد كخيار إستراتيجي لا محيد عنه، يمليان على الجميع مضاعفة الجهود من أجل تجاوز الصعوبات الظرفية لمواصلة مسيرة الإتحاد المغاربي في كنف الأخوة والتضامن.

وحددت معاهدة الاتحاد أجهزة وهيئات الإتحاد وآليتها، أهمها مجلس الرئاسة الذي يتألف من رؤساء الدول الأعضاء والذي تصدر قراراته بالإجماع، بالإضافة إلى ضبط أهدافه التي تمحورت حول التعاون الاقتصادي والسياسة المشتركة في مختلف الميادين.

وأعرب بن علي في رسائله عن الأمل في أن تُكلل المساعي المشتركة والجهود الدؤوبة التي يقوم بها قادة الدول المغاربية من أجل تجسيد هذا المشروع الحضاري بالنجاح والتوفيق حتى يرتقي الإتحاد المغاربي إلى مصاف الأقطاب الفاعلة في العالم ويضمن المستقبل الأفضل للأجيال القادمة.

سياسة

عهود الاتحاد المغاربي

تمتين أواصر الإخوة التي تربط الدول الأعضاء وشعوبها بعضها ببعض، تحقيق تقدم ورفاهية مجتمعاتها والدفاع عن حقوقها، المساهمة في صيانة السلام القائم على العدل والإنصاف، نهج سياسة مشتركة في مختلف الميادين، العمل تدريجيا على تحقيق حرية تنقل الأشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال فيما بينها وتهدف السياسة المشتركة المشار إليها أعلاه إلى تحقيق الأغراض التالية:

في الميدان الدولي : تحقيق الوفاق بين الدول الأعضاء وإقامة تعاون دبلوماسي وثيق بينها يقوم على أساس الحوار.

وفي ميدان الدفاع : صيانة استقلال كل دولة من الدول الأعضاء.

وفي الميدان الاقتصادي : تحقيق التنمية الصناعية والزراعية والتجارية والاجتماعية للدول الأعضاء واتخاذ ما يلزم اتخاذه من وسائل لهذه الغاية، خصوصا بإنشاء مشروعات مشتركة وإعداد برامج عامة ونوعية في هذا الصدد.

وفي الميدان الثقافي : إقامة تعاون يرمي إلى تنمية التعليم على كافة مستوياته وإلى الحفاظ على القيم الروحية والخلقية والمستمدة من تعاليم الإسلام السمحة وصيانة الهوية القومية العربية واتخاذ ما يلزم اتخاذه من وسائل لبلوغ هذه الأهداف، خصوصا بتبادل الأساتذة والطلبة وإنشاء مؤسسات جامعية وثقافية ومؤسسات متخصصة في البحث تكون مشتركة بين الدول الأعضاء.

محمد الهادي الحناشي

Email