يهود بـ «الجبة والشاشية»

يهود بـ «الجبة والشاشية»

ت + ت - الحجم الطبيعي

حبيبة مسيكة، الشيخ العفريت، رؤول جورنو، وهناء راشد وغيرهم من الأسماء الفنية الكبرى التي اشتهرت في تونس والمغرب العربي منذ عشرينيات القرن الماضي، تعود لتونسيين وتونسيات من أصول يهودية أسهمت في الحركة الفنية والثقافية ليتجاوز إشعاعها حدود تونس إلى جوارها العربي والأوروبي مع بلوغها المشرق وإن باحتشام.

فاليهود التوانسة أو التوانسة اليهود وأيا تكن التسمية اندمجوا بما لايسمح بالانفصال بينهم وبين بقية التونسيين المسلمين وساهموا في إثراء الثقافة التونسية بتقديم عشرات الأسماء اللامعة في الفن والأدب والإعلام والاقتصاد أمثال الممثل ميشيل بوجناح والكاتب ألبير ممي والإعلامي سارج عدة والكاتب المناهض للصهيونية جورج عدة ورجل الاقتصاد وزيفة الطرابلسي. ورغم بعدهم القسري عن تونس في هجرات متتالية كانت حرب النكسة آخرها إلا أن روابطهم الوثيقة بتونس لم تنقطع وصلاتهم الثقافية والحضارية بمدنهم وقراهم التونسية وعاداتهم لم تمحها عادات دول الإقامة.

فمن المفارقات العجيبة في باريس مثلا أن أفضل أطباق الكسكسي التونسي والشاي الأخضر وكذلك فرق الموسيقى التونسية هي لفرنسيين يهود من أصول تونسية بعضهم أنشأ مواقع «أنترنيت» للتعريف بالسياحة التونسية وبعادات وتقاليد التوانسة بما فيها الزي التقليدي التونسي الذي تنازل عنه العديد من عرب تونس فيما تمسك اليهود بالجبة والشاشية وهي الطربوش الأحمر الذي تشتهر به مدن شمال إفريقيا.

هؤلاء هم يهود ما قبل إسرائيل احتضنهم مسلمو الدول العربية ووفروا لهم الحماية من الملاحقة بعد سقوط الأندلس حتى أنه يذكر أن الفقيه والقاضي العلامة وقطب التصوف التونسي محرز بن خلف المعروف في مدينة تونس بسلطان المدينة قد وفر الحماية للجالية اليهودية في مدينة تونس وقام بإخفائهم عن عيون مطارديهم وهي سير تعكس التعايش وقبول الأخر لدى المسلمين قبل أن تمزقهم أسافين الاستعمار وقبل نكبة كانت أقسى على اليهود بقدر قسوتها على العرب.

فاليهود وإن تم استغلالهم سياسيا ضمن المشروع الصهيوني إلا أن السواد الأعظم منهم في الدول العربية وفي منطقة المغرب العربي تحديدا يدينون بالولاء لدول نشأتهم ومولدهم، ويبرز ذلك من خلال المواقف السياسية المشرفة لعدد كبير من كتابهم ومثقفيهم ممن انبروا إلى التنديد بالممارسات الإسرائيلية الوحشية إزاء الفلسطينيين.

ومن هنا تفرض البراغماتية التعامل مع اليهود العرب بمنطق جديد يعزلهم عن التورط في السياق السياسي للممارسات الإسرائيلية ويوفر لهم الأمان الذي افتقدوه في زمن التشنج والتوتر الذي دفعهم قسرا إلى مغادرة بلدانهم الأصلية.

ولعل موقف الزعيم الليبي معمر القذافي القاضي بإعادة ممتلكات اليهود الليبيين والتي تقدر بملايين الدولارات، قد تعيد زمن التعايش الجميل وتشجع على عودة المتسامحين اليهود الذين لا ناقة لهم ولا جمل في المشروع الصهيوني وهم بالآلاف،ومن هنا فإن الأصوات التي علت هنا وهناك تندد بالسماح لتونس باستضافة أبنائها تطمح لفرض واقع عدم قبول الآخر وهو ما يعطي فرصة للمتربصين بالعرب وهم كثر لإدانتهم بتهمة كره أنفسهم.

محمد الهادي الحناشي

Email