«يا أزمة اشتدي بتنفرجي» مثل لبناني إنطبق بحذافيره على أطول أزمة سياسية طوقت عنق اللبنانيين ثلاثة أعوام، انفرجت أخيرا وأطل صباح جديد على لبنان غير مثقل بالصراعات وكوابيس الأيام التي اغتسلت بالدماء والموت والخوف، منذ وصلت أخبار المتحاورين في الدوحة فجرا وبيروت التي هجرتها الروح تستعد للخروج من الموت لتعود مدينة أخرى من زمن آخر، الأمل يتسلل من قلوب اللبنانيين المصدومين والجميع يتعجل مؤتمر النهاية السعيدة في الدوحة الذي سيفصل بين حقبتين الأولى مظلمة قاتمة والثانية متوهجة بألف لون وحلم.
إذن بيروت هذا الصباح هي غير بيروت قبل ساعات الغسق، وخيوط الشمس التي سطعت على خيم المعتصمين أشاعت الدفء في أوصال وسط بيروت الذي سيسلك طريق الحياة مجددا، العد العكسي بدأ عمليا كما يقول أحمد هاشم الذي يداوم على الإعتصام في الوسط منذ أكثر من عام، فنحن نتوق أكثر من الآخرين للعودة إلى منازلنا وروتين حياتنا بعد أن مكثنا في العراء خلال الصيف والشتاء، لقد خدمنا هنا كواجب من أجل تحقيق أهداف المعارضة لكننا ومنذ إعلان التوصل إلى اتفاق بدأنا بجمع متاعنا وأغراضنا من خيم تحولت إلى منازل مؤقتة ونحن ننتظر أمرا رسميا بالإخلاء في غضون اليومين المقبلين.
خطاب متفائل وديناميكية بشرية عادت تهدر في شرايين العاصمة والمناطق، حديث اللبنانيين الوحيد كان اتفاق المسؤولين على إنقاذ البلد، عدة أفكار ازدحمت في رؤوس أصحاب المؤسسات والمشاريع والأعمال، الإتفاق أحدث تحولا فعليا في طريقة تفكيرنا كما يقول علي بدوي المسؤول عن مواقع سياحية وأثرية لبنانية، كان عبئا بكل معنى الكلمة وانزاح، عدنا نرتب أحلامنا بعد أن تلبسها اليأس، انطباع اللبنانيين بشكل عام هو أنه اتفاق قد يؤسس لفترة من الأمان نتمنى أن تطول، كما نتمنى أن لا يفتح أي نقاش حول الأزمة مصدر الخلاف أي أن يعمل الجميع دون استثناء على قلب الصفحة السوداء وعدم الإلتفات إلى الوراء كي لا تتوالد الخلافات وتسري كالنار في الهشيم كما قبل.
الكاتب والمثقف شوقي بزيع قال فوجئت بتوافق المسؤولين غير المتوقع على الإطلاق قياسا للمرارة التي تجرعناها خلال سنوات الأزمة وأيضا لعقود طويلة من اهتراء الطبقة السياسية اللبنانية وقدرتها الهائلة على تجديد نفسها وحروبها، ومن ناحية ثانية شعرت فور سماعي نبأ الإتفاق بوطأة العمر وبالكهولة وبأنني لن أستطيع أن أستفيد من تلك السعادة المقبلة فيما لو استعاد لبنان عافيته.
وبالتالي لم أعد جديرا بكل هذا الفرح الممكن أن يتأتى عن سلم أهلي، لكني وفي المقابل وكوني أبا أحسست أنه بالإمكان أن تستفيد إبنتي حنين مما ينتظر لبنان من مستقبل مع غصة أو خوف مستور من أن يصنع الجيل القادم حربه ويقع تحت وطأة العنف من جديد في ظل الطبقة الحاكمة التي تجدد حروبها كل خمسة عشر عاما.
الهروب من واقع لبنان المأزوم كان الحل الأكثر استقطابا للقادرين على السفر والهجرة طيلة سنوات المحنة ومن بينهم المواطنة ألين قدوح التي كانت تعد نفسها وعائلتها للإلتحاق بزوجها إلى قطر والإستقرار نهائيا فور انتهاء الفصل الدراسي، وتبرر ألين قرارها بغياب أي مستقبل في لبنان للجيل الجديد لكن لا أخفي أنني ومنذ بدأ مؤتمر الدوحة أعدت التفكير بخطوة السفر.
وعندما شاهدت على شاشات التلفزة الشريط العاجل الذي يعلن التوصل إلى اتفاق طفرت الدموع من عيني وشعرت أنني طفلة أريد القفز والصراخ، لقد مارسوا بحقنا أبشع الأساليب النفسية قتلوا الفرح في نفوسنا وصارت حياتنا متمحورة حول نشرات الأخبار وأنباء الموت والنعوش والإغتيالات والمنابر المتشنجة، اليوم هو فعلا تاريخي في عمرنا وأعتقد أنه علينا جميعا أن نصون سلمنا وندافع عنه بكل ما أوتينا من قوة لنعيش ويعيش أولادنا بأمان وسلام.
وعلى الرغم من شيوع أجواء البهجة فإن بعض وسائل الإعلام المحلية استمرت بمسلسل التحريض وكأن شيئا لم يكن وهو ما اعتبرته منى عطوي بأنه سلاح آخر حاد ينبغي وضع ضوابط له، معتبرة أن طرح بعض المثقفين حول ضرورة إقفال وسائل الإعلام كلها أمام البرامج السياسية مدة سنة وإطلاق شبكة واسعة من البرامج الفكرية والثقافية والاجتماعية، قد يساهم فعلا في تمديد فترة السلم وإخماد آثار الفتنة إلى غير رجعة وتهدئة النفوس المحتقنة جراء الأحداث الأخيرة.
وكانت وكالة «فرانس برس» ذكرت أنه فور إعلان الاتفاق تنفس اللبنانيون الصعداء واستقبلت شوارع بيروت الأنباء بترحيب كبير.
وكانت أنظار أصحاب المقاهي والمتاجر شاخصة إلى التلفزيونات لمتابعة وقائع الجلسة الختامية لمؤتمر الحوار اللبناني في الدوحة والتي أعلن خلالها الاتفاق بين الفرقاء المتنازعين.
أما السائقون في سياراتهم فكانوا يستمعون إلى كلمات المسؤولين اللبنانيين التي نقلت مباشرة من العاصمة القطرية.
وأخذ المارة يتبادلون كلمة «مبروك» احتفاء بالاتفاق الذي أعاد رسم الابتسامة على وجوه اللبنانيين.
وقال أبو فادي الذي يبيع أوراق «اللوتو» في شارع الحمراء لوكالة «فرانس برس» أنه «منذ إعلان الاتفاق ازدادت المبيعات، علما أن أحداً لم يشتر ورقة واحدة خلال اليومين الأخيرين. اليوم، يعتقد الناس أن الاتفاق سيجلب لهم الحظ».
في متجرها لبيع ملابس البحر، لم تخف جوزيان نكد فرحتها وعلقت «أنا متفائلة جدا لأننا سنتمكن أخيرا من متابعة حياتنا في شكل طبيعي. بالكاد بعت بعض الأشياء هذا الموسم لان الناس كانوا محتارين، هل سيمضون الصيف على البحر أم تحت القنابل؟».
وأضافت «آمل أن يكون ما حصل في الدوحة اتفاقا دائما وليس مجرد هدنة». أمام محل لبيع المأكولات السريعة كان الزبائن يتزاحمون على شراء العصير والسندويشات. وقال محمد مرزوق رافعا كوبه من العصير «في صحة السلام ولبنان». وعلق مالك المحل «هذه المشروبات على حسابنا، لن نتفق كل يوم».
