تحمل قلعة «نزوى الشهباء» بين جنباتها الكثير من ملامح التاريخ والأصالة لسلطنة عمان.. فهي تحكي من خلال هندسة بنائها وموقعها وتقسيماتها فصولاً من حياة الماضي لدى العمانيين إذ إنها كانت معقلاً لحكم عمان وإدارة شؤون البلاد والتخطيط لصد أي عدوان قادم، كما أنها كانت مركزاً تاريخياً لتخريج العلماء والفقهاء في مختلف العلوم الدينية والإسلامية ونقطة التقاء للتفاعل السياسي والاجتماعي فضلاً عن كونها واحدة من أكبر وأشهر مئات القلاع والحصون العمانية المنتشرة في كل ربوع الوطن.

بنيت قلعة «نزوى الشهباء» التاريخية في مدينة نزوى بالمنطقة الداخلية التي تبعد بحوالي 180 كيلومتراً إلى الغرب من العاصمة مسقط في عهد الإمام سلطان بن سيف بن مالك اليعربي «طارد البرتغاليين من عمان» في عام 1688 بهدف الدفاع عن المنطقة والتصدي للمعتدين على أمن البلاد، واستغرق بناء القلعة بشكلها الدائري والهندسي المميز حوالي 12 عاماً من الجهد الذاتي المتواصل للأيادي العمانية التي برعت في تكوين كثير من القلاع والحصون والبيوت التاريخية الحصينة.

وتتميز قلعة «نزوى الشهباء» من بين القلاع العمانية بكبر حجمها وإشرافها من علياء على واحة خضراء وغابة من النخيل تروي بساتينها شبكة من الأفلاج ويزيد طول برجها الدائري الضخم عن 37متراً مع سلالم توصل إلى منصة تعطي للزائر نظرة علوية مداها 360 درجة حول البرج والمناظر الرائعة للمدينة ذات الأشجار الوارفة فيما يبلغ طول قطرها الخارجي 43 متراً والداخلي 26 متراً وبها سبع آبار وعدد من الأبراج الدفاعية، ويتشكل بناؤها من مزيج الطين والصاروج الجص والأحجار الصلبة.

ونسبت تسمية القلعة «الشهباء» كما يسميها العمانيون إلى مدينة نزوى ذات العراقة الضاربة في أعماق التاريخ العماني، ووصفها عاهل عمان حالياً جلالة السلطان قابوس بن سعيد في العام 1984 بمناسبة احتفال عمان بعام التراث الذي احتضنته نزوى «بأنها مدينة كانت معقلاً للقادة والعظماء وموئلاً للعلماء والفقهاء ومرتاداً للشعراء والأدباء فأعظم بها مدينة لها في قلوب العمانيين منزلة عالية ومكانة سامية وقدر جليل».

وسميت «نزوى» بمدينة العلم وبيضة الإسلام نظراً لكونها كانت مركزاً كثر فيه العلماء والفقهاء. وترتبط القلعة بالسوق القديم المسمى سوق الصنصنرة وهو من أقدم الأسواق التقليدية في عمان حيث يقف هذا السوق ببنائه الأثري شاهداً على مرحلة مهمة في التاريخ العماني وهو يجسد الصورة النمطية للأسواق التقليدية في عمان من خلال مكنوناته وأقسامه التي تعطي للزائر صورة حية عن ملامح التراث العماني الأصيل.

ويجاور قلعة نزوى العديد من المساجد الأثرية منها جامع نزوى (جامع السلطان قابوس حالياً) وجامع سعال ومسجد الشواذنة أول مسجد يقام في المدينة ومسجد العين ومسجد الشيخ ومسجد الشرع ومسجد الشرجة ومسجد الشجبي ومسجد الشرع بتنوف.

وإذا كان لقلعة نزوى تاريخ حافل بالعراقة فإنها أيضاً امتزجت وارتبطت بكثير من الصناعات والحرف التقليدية التي يتميز بها أهالي المدينة كصناعة الحلوى العمانية وصناعة الذهب وصناعة ماء الورد بالجبل الأخضر والتبسيل ودباغة الجلود وصناعة النيل والنسيج.

وقامت وزارة السياحة العمانية أخيراً بتطوير وتجديد قلعة نزوى لتصبح مرآة عاكسة لقصة الإنسان والزمان والمكان في المنطقة الداخلية ومزاراً سياحياً هاماً لكثير من السياح على أرض عمان حيث قامت الوزارة بصيانة وتجميل وتأهيل بعض المواقع داخل القلعة إلى ورش لإبراز أهم الحرف بالمنطقة الداخلية.

يذكر أن زائر نزوى سيمضي خلال رحلته بالسيارة من العاصمة مسقط وصولاً للمدينة حوالي الساعة والنصف وسط طريق حديث مزدوج مروراً بسلسلة جبال الحجر الغربي ومشاهد كثيرة من الطبيعة الخلابة والمواقع السياحية الجميلة ومع وصوله إلى المدينة فسيجد هناك سوق نزوى التقليدي الشهير وفلج دارس الذي يمتد حوالي 20 كيلومتراً ويعتبر من أهم الافلاج في سلطنة عمان.

مسقط ـ علي البادي