رئيس «جمعية إغاثة أطفال فلسطين» ستيف سوسبي لـــ «البيان»:

لدينا 275 ألف دولار فقط لإنقاذ حياة ثلاثة آلاف طفل

ت + ت - الحجم الطبيعي

يشغل الأميركي ستيف سوسبي وقته في البحث عن متبرعين لإغاثة أطفال فلسطين المحتاجين لعمليات جراحية عاجلة، لكن مهمته الجليلة كثيراً ما تصطدم بالفشل. ويبدو أن سوسبي الذي تخلّى عن مهنة البحث عن المتاعب كصحافي، وجد نفسه أمام متاعب أكبر في سبيل تحقيق مسعاه إلى توفير مستشفيات وإقناع أطباء بعلاج الأطفال الفلسطينيين، وأحياناً عراقيين ولبنانيين، ونقلهم إلى أي مكان في العالم يوافق على علاجهم.

وفي هذا الإطار، أشاد سوسبي بالمساعدات الكريمة التي يتلقاها من ديوان الحاكم في دبي، وهيئة آل مكتوم الخيرية.»البيان« التقت سوسبي، الذي يرأس »جمعية إغاثة أطفال فلسطين« خلال زيارته إلى دبي بحثاً عن متبرّعين وعن عقد اتفاقات مع مستشفيات وأطباء يقبلون التبرُّع بتكاليف العلاج لعدد من الحالات المحتاجة لتدخل جراحي عاجل..

وهو هنا يكشف عن أن التعاون الذي يلقاه من الأطباء والمستشفيات في أوروبا وأميركا أكبر مما يجده لدى الأطباء العرب، مشيراً إلى أن إحدى الهيئات الخيرية في إحدى الدول العربية اعتذرت عن عدم مساعدته في مهمته لأنها لا تتبرَّع للعمليات الجراحية!

* ما هدف زيارتك إلى دبي؟

ــ أزور دبي منذ أيام بهدف الالتقاء بالإماراتيين والمقيمين هنا القادرين على مساعدتنا مالياً، وعقد لقاءات مع المنظمات الإنسانية في دولة الإمارات والمستشفيات والأطباء لمساعدتنا في إجراء العمليات الجراحية في فلسطين، إلى جانب عقد محادثات مع الهيئات الطبية لاستقبال أطفال من فلسطين والعراق وإجراء العمليات الجراحية اللازمة لهم.

خلال العام عالجنا أحد الأطفال من قطاع غزة في إحدى مستشفيات دبي بالمجان حيث أجريت له عملية تجبير أعضاء، وأسعى خلال زيارتي الحالية إلى اقناع المستشفيات والمتبرعين باستقبال المزيد من أطفالنا في المستشفيات الإماراتية لإجراء العمليات التي يحتاجونها، فلدينا العديد من الأطفال الذين أصيبوا خلال الانتفاضة الذين يحتاجون إلى عمليات جراحية ولا يقدرون على دفع تكاليفها.

لدينا العديد من المستشفيات في أوروبا وأميركا الشمالية التي تتعاون مع الجمعية ولكننا نسعى إلى إيجاد مستشفيات في المنطقة العربية نظراً لقربها الجغرافي من فلسطين والعراق ولوجود الرابط الثقافي والديني. أرجو أن تنجح مهمتي في إقناع هذه المستشفيات في استقبال طفل أو اثنين للعلاج فيها، فلدينا العديد من الأطفال الذين ينتظرون العناية والعلاج.

* متى بدأت عملك هذا؟

ـ بدأت العمل في فلسطين كصحافي ولكن تحولت إلى العمل الإنساني الإغاثي خلال الانتفاضة الأولى، وفي 1999 أرسلنا أول طفل فلسطيني مصاب إلى الولايات المتحدة للعلاج، ومنذ ذلك نجحنا في علاج 700 طفل في الخارج، وأكثر من 4000 في داخل الأراضي الفلسطينية واللبنانية عبر إرسال أطباء متطوعين لعلاجهم. ونحن نعالج أمراض مثل القلب المفتوح وتركيب الأطراف والجراحات البلاستيكية.

وكان لدينا قبل مدة أحد الأطباء المتطوعين من دبي حيث عمل معنا على إجراء عدد من العمليات الجراحية في مدينة نابلس، أرسلنا خلال العام الماضي 35 فريقاً طبياً إلى فلسطين، من أميركا وأوروبا واستراليا ونيوزيلندا. من المهم جداً إجراء العمليات الجراحية داخل فلسطين: في نابلس وجنين وطولكرم ورام الله والقدس وغزة.

من المهم جداً لدينا توفير الخدمات للناس هناك. فنحن نسعى إلى بناء معنوي وأخلاقي لمساعدة الشعب الفلسطيني الذي يعتقد أنه بات طي النسيان. فالكثيرون داخل فلسطين يعتقدون بأن العالم لا يهتم بمشكلاتهم، كما أنهم سئموا من الحواجز العسكرية الإسرائيلية،

والقتل، وتفجير القنابل، لذلك فإننا بإرسال الوفود الطبية نعمل على إعطاء الناس بعض الأمل، وبأنهم يناضلون من أجل الحرية والعدالة، وأن فلسطين لم تنس، وأن الناس في الدول الأخرى تهتم وتريد المساعدة.

* هل تتعرضون لمخاطر خلال أداء عملكم في الأراضي المحتلة؟

ـــ عندما تعيش في الأوضاع الموجودة في الأراضي الفلسطينية لابد أن يكون هناك الكثير من المخاطر مع وجود الطائرات الحربية في الأجواء، والدبابات الإسرائيلية على الطرقات، وعصبية الجنود عند الحواجز العسكرية، وكذلك عمليات الخطف التي تقوم بها بعض الفصائل الفلسطينية المسلحة من غير سبب سوى أنك أجنبي، وأشكر الله أنني لم أختطف.

ولكن هذه الأشياء يجب أن تكون محل قلق وتفكير، فنحن نعمل في رفح وخانيونس وهناك العديد من الفرق المتطوعة التي تقدم لنا مساعدتها، فهناك أحد الأطباء البريطانيين كان مقررا أن يأتي إلى غزة لإجراء عملية لأحد الأطفال ألغى رحلته بسبب عمليات الخطف الأخيرة.

وعلى الفلسطينيين الذين يقومون بهذه الأفعال إدراك أنهم إنما يؤذون أنفسهم وشعبهم أيضاً، لأنهم عندها يخطفون أميركياً أو بريطانياً يجعلون من الصعب عليّ أن أعثر على طبيب يقبل القدوم إلى فلسطين لعلاج طفل، وهكذا فإنهم يؤذون أطفالهم، يجب عليهم التفكير في آباء وأمهات الأطفال المصابين المحتاجين للعلاج.

هؤلاء الأشخاص لا يساعدون القضية الفلسطينية بل يؤذونها.أما بالنسبة لي فإنني أعمل لمصلحة القضية الفلسطينية، وسعيد بما أقوم به، وفخور به، فالخطر والمغامرة جزء من العمل.

* هل واجهتم عراقيل إسرائيلية لإعاقة عملكم؟

ــ السلطات الإسرائيلية لا تستطيع عرقلة عملنا لأننا لا نقوم بأي نشاط سياسي. فنحن نقدم العلاج الطبي لأطفال ولا شيء آخر، فأنا لا أعمل مع »حماس« أو »فتح« أو الجبهة الشعبية أو »الجهاد«، نحن نساعد الناس وعملنا في المستشفيات.

عملنا هو البحث عن الأطفال الذين يحتاجون إلى العلاج لنقدمه لهم، ولا نسعى للتأثر بالمشكلة الفلسطينية أو التأثير على أي شيء على الأرض. لكن إسرائيل تقوم دائماً باتخاذ إجراءات لعرقلة سفر أطفالنا للعلاج، وتصعيب إجراءات دخول الأطباء إلى الأراضي الفلسطينية: يتحرشون بهم، يؤخرونهم لساعات طويلة في المطارات، يرحلّون البعض ويمنعونهم من الدخول من دون إبداء الأسباب.

لكننا نسعى على الدوام إلى العمل في مواجهة هذه العراقيل، لأن مهمتنا أهم من السياسة، فنحن نتعامل مع الحياة البشرية، وحياة الأطفال. إسرائيل تسعى إلى جعل حياة الفلسطينيين شاقة، ونحن نعمل للتخفيف من معاناة هؤلاء. هذا هو واقع الحال منذ بدأنا العمل قبل 15 عاماً، وكل ما نستطيع فعله هو العمل على إزالة هذه العراقيل وتحقيق أهدافنا.

* وفي المقابل، هل تواجهون عراقيل من قبل الحكومة الأميركية؟

ــ في الحقيقة، لا نواجه مشكلات مع الحكومة الأميركية، لأننا لسنا منظمة تعمل في مجال تحويل الأموال، فنحن نقدم خدمات.والمنظمات التي واجهت صعوبات عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 هي تلك التي تتصل أعمالها بتحويل الأموال إلى المنظمات الفلسطينية.

فنحن عندما نتلقى مبلغاً من المال نشتري به تذكرة سفر لاستقدام طفل فلسطيني إلى مستشفى في الولايات المتحدة، أو تذكرة لسفر طبيب إلى فلسطين وإقامته خلال فترة تطوعه للعمل إلى جانب الفلسطينيين.الحكومة الأميركية تعرف أننا منظمة شرعية ولا نقوم بأي عمل غير قانوني.

كما أننا نقوم بعمل إيجابي بالنسبة إلى الأميركيين، فنحن نظهر للعرب ان الأميركيين ليسوا مجرد عسكر وسياسيين معادين لهم بل أيضاً إنسانيين. فمعظم الأطباء الذين يذهبون إلى فلسطين هم متطوعون بجهودهم وأموالهم وهم أيضاً من الأميركيين،

الذين لا يعرفون أحياناً خلفيات الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي، بل هو يأتون لمجرد تقديم المساعدة والتطوع.لهذا فنحن نقوم بشيء جيد لأميركا، لأننا نظهر للعرب وجهاً مختلفاً لأميركا والأميركيين، غير ذلك التي تظهره »قناة الجزيرة« والتلفزيونات.

* وماذا عن السلطة الفلسطينية هل تجدون لديها لدعم؟

ــ نحن نحظى بدعم شعبي كبير، ولكن الفساد داخل هيئات السلطة مشكلة كبيرة، وكثيراً ما أسمع خلال جولاتي الخارجية دوماً حول السلطة فأرد بالقول أنا أميركي وليس لي علاقة بالسلطة فعلاقتي بالأطفال المرضى.ومن المفارقات التي مرت خلال عملي رفض إحدى المنظمات الخيرية الإسلامية مساندة مشاريعنا بلا أي مبرر مقبول.

* ماذا عن نتائج زيارتك إلى دبي؟

ــ لم نعقد أي اتفاقات بعد مع الأطباء هنا بسبب الحزن على المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد وعطلة عيد الأضحى، ولكننا نبحث عن أناس يدعمون مشاريعنا العلاجية لهذا العام. نحن نبحث عن متبرعين عبر جميع قطاعات المجتمع الإماراتي.

تلقينا في الماضي مساعدات طبية من هيئة آل مكتوم الخيرية والديوان الأميري في دبي، وفنادق دبي تتبرع لنا بغرف الإقامة والمجتمع الإماراتي نشط جدا في مساعدة الأنشطة الإنسانية في فلسطين ونحن نسعى للوصول إلى المؤسسات ونقدم لهم فكرة عما نقوم به.

أنا مستعد لمقابلة أي شخص، من أية جنسية كانت، أو ديانة، أو خلفية بهدف توفير الدعم الإغاثة لأطفال فلسطين والعراق، فهؤلاء يناضلون من أجل حقوقهم وحريتهم، هذا الشأن إنساني، ليس عربياً، ولا سياسياً أو دينياً،

وعلى كل البشر أن يفهموا ان الشعب في فلسطين وفي العراق لهم الحق ذاته والاحتياجات نفسها ككل الناس على هذا الكوكب، الحرية والعيش في أمان ككل بلد وأرض.

نحن نركز عملنا على فلسطين والعراق بسبب الأوضاع التي يعيشانها، ولكن هدفنا هو مساعدة أي طفل يحتاج إلى المساعدة في أي مكان في منطقة الشرق الأوسط إن أمكننا.

* قبل دبي زرت دولة الكويت فهل حققت نتائج جيدة وهل تنوي زيارة دول أخرى في المنطقة؟

ـ أنا الآن في جولة تشمل دبي وأبوظبي والكويت، وفي السابق زرت قطر والبحرين والمملكة العربية السعودية. في السابق كنا نلقى دعماً كبيراً من السعودية ولكن الآن لا نتلقى أي دعم، وذلك بسبب الإجراءات الأميركية التي تعتبر أمراًَ خطيراً لأن العديد من المنظمات الجيدة تأثرت، ولذلك يجب ان تكون هناك مسألة نظام أو وسيلة تعطي المنظمات الإنسانية جيدة السمعة شهادة تثبت للمتبرعين والمانحين أنها غير مرتبطة بالسياسة والإرهاب.

وبالنسبة لقطر والبحرين أخطط للقيام بزيارات حيث الناس هناك كرماء، ولكن لا وقت لدي، لأنني عندما أغادر الأراضي الفلسطينية فذلك يعني القليل من العمل الذي يتم إنجازه.

نحن نحتاج للمساعدة فلدينا العديد من الأرواح التي تحتاج العلاج، وميزانيتنا للعام الجديد قليلة جدا لا تتعدى 275 ألف دولار لإنقاذ حياة ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف شخص.أنا لا أستطيع إجبار الناس على المساعدة، ولكن ما أملك هو اطلاعهم على مجهوداتنا وما نفعله.

هوية وثقافة مزدوجتان

* قال سوسبي إن ابنته ديما فلسطينية وأميركية في الوقت نفسه، فهي لديها هوية وثقافة من فلسطين ومن أميركا هي تؤمن أن فلسطين هو وطنها، وهو كذلك.

وأضاف ان هذا الأمر محل فخر، مشيراً إلى أن ابنته التي تعيش في رام الله، وتتلقى تعليمها هناك تتقن الحديث باللغة العربية.

حوار ـــ نضال حمدان

Email