قصة انشقاق خدام في عيون المسؤولين السوريين‏

قدورة: حديثه صدمني وهو الذي وأد ربيع دمشق

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما إن أعلن نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام خروجه ‏على النظام في بلاده حتى ظهرت أصوات كثيرة داخل الحكومة ‏السورية وفي الأجهزة الأمنية وفي البرلمان تتحدث عن سطوة ‏الرجل وقوته داخل مطبخ القرار السوري وعدم القدرة على ‏محاسبته، رغم إشارات الاستفهام الكثيرة عن فساده وفساد أبنائه ‏الذين كانوا يمتلكون شركات ومصالح مالية كثيرة في سوريا.‏

ولكن الذي فاجأ الجميع هو تصريح الرئيس بشار الأسد لصحيفة ‏الأسبوع المصرية بأن خدام كان مجرد أداة في مشروع لتفتيت ‏الداخل السوري، ومنذ سنوات طويلة.

وأوضح الأسد بأن خدام »ضالع في المخطط من قبل وهو طرف ‏أساسي فيه ولكن ليس لدينا تفاصيل محددة حتى الآن، ولكن أود ‏أن أشير هنا إلى أن كثيرًا من الطروحات التي كان يطرحها داخل ‏الاجتماعات أو خارجها كانت تخدم هذا المخطط«.‏

وهذه الطروحات هي »الانبطاح الكامل، والتنازلات الكبيرة، ‏وعرقلة كثير من المشاريع الوطنية والقومية، هذه كلها عناوين ‏لمواقف عديدة كانت تدفعنا دومًا إلى طرح المزيد من التساؤلات ‏حول حقيقة أهدافه«.‏

توضيحات الرئيس الأسد تضيف مزيداً من التساؤلات والشكوك في ‏نائب الرئيس الذي خرج ولم يعد والذي لا يتوقع الرئيس الأسد أو ‏أي من المسؤولين السوريين أن يكون لخروجه تأثير يذكر على ‏الوضع الداخلي، لأنه شخص »محروق« في الشارع السوري. ‏

‏»براغماتية« خدام و»مبدئية« الشرع‏

لم يكن الخلاف بين نائب الرئيس السابق ووزير الخارجية فاروق ‏الشرع خافياً على الشارع السوري الذي كان يتناقل أخباراً ‏وقصصاً عن خلاف في التوجهات بين الرجلين، لكن قبل المؤتمر ‏القطري الأخير كان الحديث يقتصر على خلافات بين مدرستين ‏دبلوماسيتين، »براغماتية« يمثلها عبد الحليم خدام،

و»مبدئية« ‏يمثلها الشرع، غير أن أحداًَ لم يكن يتوقع أن تصل الأمور إلى ‏حدوث ملاسنة بين السياسيين في المؤتمر القطري لحزب البعث ‏في يونيو الماضي، عندما اتهم خدام الشرع بالمسؤولية عن ‏الإخفاقات الدبلوماسية وسوء إدارة الملف اللبناني، حيث رد ‏الشرع بأن خدام الذي أبعد نفسه عن القرار لا يحق له أن ينتقد ‏لأنه كان خارج البلاد يوم صدر القرار 1559.‏

وكان الانطباع العام أن خروج خدام من قيادة الحزب واستقالته من ‏جميع مناصبه السياسية والحزبية لن تتبعه خطوات دراماتيكية ‏كالتي حصلت آخر العام الماضي، نظراً لوجود مصالح كثيرة لخدام ‏في سوريا، ولأن أخطاءه الكثيرة وممارسات أولاده في السوق ‏السورية ستجعله يفكر ألف مرة قبل أن يخطو هذه الخطوة.‏

وجاء تسريب أنباء عن اجتماع خدام والنائب اللبناني سعد ‏الحريري في باريس وانضمامه هو والعماد حكمت الشهابي رئيس ‏الأركان الأسبق إلى المعارضة السورية، وكأنه شطحة خيال ‏لصحافي مريض بهوس العناوين، ولكن عدم تكذيب خدام للخبر ‏ساهم في خلق مزيد من الشكوك في الرجل وخصوصاً أن غيبته ‏في باريس طالت، والأخبار عن تصفية أعمال أبنائه في سوريا ‏بدأت تصل إلى الشارع،

غير أن مقالاً للصحافي اللبناني شارل ‏أيوب نشر في صحيفة الديار الشهر الماضي اتهم فيه خدام ‏والشهابي بالضلوع في مؤامرة ضد سوريا بالتنسيق مع سعد ‏الحريري، أعاد التساؤلات إلى الشارع السوري الذي لم يتوقع أن ‏يخرج عليه خدام شخصياً ليلة رأس السنة الميلادية ليعلن انشقاقه ‏عن النظام.‏

صاحب مصطلح »الجزأرة«‏

ولا يخفي رئيس مجلس الشعب السوري السابق عبد القادر قدورة ‏زميل خدام طويلاً في القيادة السورية شعوره بالصدمة مما سمعه ‏في لقاء خدام مع قناة »العربية« فهو حسب تعبيره عاش طويلاً ‏مع صاحب اللقاء عبد الحليم خدام ، ولذلك صعقه هذا الكلام وجعله ‏يسأل نفسه »هل هذا خدام الذي عشت معه أكثر من ثلاثين عاما ؟ ‏معقول!«.‏

ويضيف قدورة: »كيف يمكن لي أن أستوعب ما قاله؟ وهذه ‏الصعقة جعلتني أحلل هذا الكلام الذي قاله في هذه المقابلة، و‏قرأتها في الصحف ووجدت فيها تناقضات كثيرة من بدايتها عندما ‏تحدث عن لقاءاته مع السيد الرئيس والأدب الجم الذي يتحلى به ‏السيد الرئيس والود الصادق الذي يتعامل به معه ومع رفاقه ‏الآخرين ثم أجد في منتصف المقابلة كلاما يناقض كليا هذا الكلام«.‏

ورغم اقتناع قدورة بأن جزءاً كبيراً من الاتهامات التي وجهها ‏‏(خدام) للقيادة السورية لا أساس لها من الصحة، فهو يعتقد بأن ‏في مشروع خدام »كثيراً من الشخصانية، اعتقد أن عبد الحليم ‏خدام حين شعر نفسه بعيداً عن موقع إصدار القرار قام بما قام به ‏في المؤتمر القطري وأعلن استقالته

ولكن هل كان هذا ضمن ‏مسار محدد فهو لم يقرأ سوريا جيدا والتي شارك في حكمها أكثر ‏من 40 عاما، وسوريا لا يستطيع إنسان كائنا من كان وفي ‏موقع كان أن يحرفها عن ثوابتها الوطنية التي بدأت فيها منذ ‏الاستقلال ، ثم من سيستخدمه بعد هذا العمر«.‏

ويؤكد قدورة بأن خدام هو المسؤول عن وأد ربيع دمشق فهو ‏‏»صاحب شعار (الجزأرة) أي أننا لن نقبل أن يصبح لسوريا ما ‏أصبح في الجزائر وهو نزل إلى فرع دمشق وتحدث بهذا الرأي، ‏وكنت أقول له القضية ليست بهذا المستوى فيجيب أبدا : إذا لم ‏نكن بهذا الشكل غدا سيسحقوننا«. ‏

ويذهب الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي بهجت سليمان وأحد ‏رموز ما يسمى »الحرس الجديد« إلى أن خدام »كان، وعبر ثلاثين ‏سنة في سوريا ولبنان، فوق المحاسبة ، وكان مع نفر أقل من ‏أصابع اليد الواحدة يشكلون حلقة ضيقة خلال الثلاثين عاما ‏الماضية«.‏

ويؤكد سليمان أن »الحكومات والإدارات والمؤسسات والقيادات ‏الحزبية والجبهوية كانت تشكل من قبل هذه المجموعة الأقل من ‏أصابع اليد الواحدة وكانت تعيث فسادا في سوريا ولبنان ولم يكن ‏أحد يستطيع أن يعترض عليها، وبقيت هذه المجموعة كذلك حتى ‏مارس 2000

حيث خرج محمود الزعبي من رئاسة الحكومة في ‏سوريا وبدأت الخطوة الأولى لمحاسبة الزعبي فانتحر، ودخل ‏وزراء عديدون السجن لكن خدام كان قادرا على حماية رأسه من ‏المحاسبة لماذا؟ لأنه كان نافذاً«.‏

ورغم إصرار خدام في حواراته الأخيرة على أن الملف الداخلي لم ‏يكن في عهدته، إلا أن الجميع يعلم في سوريا بأنه كان شريكاً في ‏اتخاذ القرار الداخلي تماماً كما كان شريكاً في اتخاذ القرار ‏الدبلوماسي، وهو ما جعل المعارضة السورية بكل أطيافها تبدي ‏حذراً في التعامل مع تصريحات خدام وتطالبه بتوضيحات لموقفه ‏من الوضع الداخلي خلال السنوات الثلاثين الماضية.‏

ولكن هذه المطالب حسب المراقبين لا تعدو كونها رفع عتب من ‏قبل المعارضة التي يتوقع أن تقبل على خدام تماماً كما أقبل عليها ‏هو أولاً، وعندما وصفها بالمعارضة الوطنية بما فيها »الإخوان ‏المسلمون«،

والدليل على ذلك أن فصائل المعارضة الرئيسية في ‏سوريا لم تنتقد خدام علناً حتى الآن ولم تحمله مسؤولية المرحلة ‏السابقة بينما اقتصرت الانتقادات على شخصيات وأحزاب غير ‏معروفة ولا وزن لها في الشارع السوري.‏

دمشق ــ تيسير أحمد‏

Email