بطرس غالي الأمين العام السابق للأمم المتحدة: عقيدة بوش تجر عشرات الحروب في المستقبل

ت + ت - الحجم الطبيعي

السبت 9 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 10 مايو 2003 اكد الدكتور بطرس غالي الأمين العام للأمم المتحدة ان الحرب التي شنتها الولايات المتحدة ضد العراق تخرج عن نطاق الشرعية الدولية وتمثل هدية للاصوليين. وحذر غالي من منطق الحرب الاستباقية التي تتضمنها عقيدة بوش قائلا انها يمكن ان تتسبب في اشعال عشرات الحروب خلال السنوات المقبلة واستبعد غالي تشكيل نظام دولي جديد اثر انتهاء الحرب على العراق قائلا ان حدوث ذلك يتطلب اجماعا دوليا وما يحدث حاليا ليس مبنيا على اجماع. وأعرب غالي عن تشاؤمه ازاء تحقق الوحدة العربية في السنوات القليلة المقبلة مؤكدا ان تحقق ذلك شرطه وجود جيل جديد يؤمن بالوحدة العربية اما الجيل الحالي فهو غير مقتنع بأهمية الوحدة. وقال غالي ان الدول الكبرى لم تعد في حاجة الى الأمم المتحدة اذ ان لديها جهازاً دبلوماسياً قوياً وشركات كبرى مسيطرة لكن العالم الثالث في أشد الحاجة الى المنظمة باعتبارها منبرا تستطيع من خلاله التعبير عن احلامها وآمالها. وهذا نص الحوار: ـ عقب شن الولايات المتحدة الحرب ضد العراق تساءل الجميع عن وضع الامم المتحدة الآن في ظل النظام الدولي الراهن خاصة، ان كل المؤشرات تشير إلى ان التوازن الذي قامت عليه المنظمة الدولية بعد الحرب العالمية الثانية قد انهار إذ أصبحت المسافة ضخمة جدا بين القوة الأولى في العالم وهي الولايات المتحدة وبقية الدول الاعضاء في مجلس الأمن.. كيف ستستمر الامم المتحدة في ظل هذا الوضع؟ ـ انا معك، ولكن أرد على ذلك بأن هذا كلام يحمل نغمة تشاؤمية، وانه على مدى السنوات العشرين المقبلة لن نستطيع ان نصل إلى مستوى اعادة هذا التوازن لان الفرق ـ كما ذكرت ـ كبير بين الدولة العظمي، والدول الاخرى، لكن بعد 20 أو 30 سنة قد تظهر دول أخرى مثل الصين، والاتحاد الاوروبي، والهند، والبرازيل، وحينئذ سوف نعود مرة أخرى إلى توازن القوى داخل الامم المتحدة. النظرة التفاؤلية : هي أننا ينبغي ألا ننسى ان الذي أسهم في إنشاء عصبة الامم هو الرئيس الأميركي ويلسون، وان الذي أسهم في انشاء الامم المتحدة هو الرئيس الأميركي روزفلت، وهناك تيار قوي في الولايات المتحدة يؤمن بالتعددية على المستوى الدولي، ويؤمن بديمقراطية العلاقات الدولية، ويرى ان الامم المتحدة تمثل الاطار الامثل لتحقيق هذه الاهداف. لكن هذا قد ينطبق اكثر على مرحلة مابعد الحرب العالمية الثانية، لكن ماذا عن الوضع الراهن؟ ـ أنا معك، لكن قد يظهر في السنوات المقبلة رئيس جديد اميركي يؤمن بالتعددية، أو تيار جديد يؤمن بالتعددية، وهذا التيار الجديد سوف يسهم في اعادة الاعتبار للامم المتحدة، بمعنى آخر ان البندول يتحرك يمينا ويسارا، مرة يطالب تيار داخل الولايات المتحدة كما يحدث الآن بضرورة انفراد الامم المتحدة بالسلطة في النظام الدولي، ولاداعي لاشراك دول أخرى، وقد يؤدي هذا إلى رد فعل فتعود الولايات المتحدة إلى الايمان بأن من مصلحتها ان تلعب دور الشرطي أو البوليس على المستوى الدولي، ولابد ان تحتاج إلى مساعدة الدول الاخرى فتعود مرة أخرى إلى التعددية، وإلى تدعيم الامم المتحدة. ـ بماذا تفسر الخطاب السياسي الفرنسي الذي أكد سابقاً عدم شرعية الحرب وعدم اخلاقيتها، ماهي أهداف فرنسا من وراء هذه المعارضة لواشنطن هل تسعى إلى منع انفراد واشنطن بالنظام الدولي، أو الدعوة إلى إيجاد توازن في العلاقات الدولية الراهنة؟ ـ يجب ألا نبالغ كثيرا في قوة أوروبا، اذ إن ميزانية الدفاع في الولايات المتحدة تساوي ميزانيات الدفاع في كل الدول الاعضاء في الاتحاد الأوروبي، والفرق كما ذكرت انت بين القوة العسكرية الاميركية والقوات العسكرية الاخرى كبير وبالتالي هناك منطق القانون والدبلوماسية والحوار والدفاع عن الاخلاق الدولية، ومنطق آخر هو منطق القوة، والذي يرى ان القوة والامن يجب ان يتغلب على حماية حقوق الأنسان والقانون لان لا قانون في ذلك التوتر وعدم وجود الامن وهذا هو الصراع التقليدي بين منطق القوة، ومنطق القانون وفي الوقت الحاضر تغلب منطق القوة. ـ ذكرت في أكثر من حديث ان الاحتلال العسكري الأميركي للعراق سوف يؤدي إلى خلق حالة عدم استقرار في المنطقة، هل يمكن للولايات المتحدة في حالة نجاح السيناريو الحالي تكرار هذه التجربة بالسعي لتغيير الانظمة بالقوة العسكرية؟ ـ قاطعني الدكتور بطرس غالي قائلا : وهل حدث شيء في كوسوفو لقد تم التدخل العسكري بدون موافقة مجلس الامن، والبعض صفق لهذا التدخل دون إدراك ان هذه من الممكن ان تكون سابقة خطيرة، وبالطبع سوف يؤدي التدخل العسكري الحالي إلى اشاعة عدم استقرار بالمنطقة، وإلى تدعيم الحركة الاصولية، وقد يساعد دول أخرى باللجوء إلى مثل هذا الاسلوب في مناسبات أخرى، إذ إن أية دولة يمكن ان تدعي ضرورة اللجوء إلى حرب وقائية قبل ان يبدأ أي هجوم، هناك عشرات من الحروب التي يمكن ان تقع في السنوات المقبلة، وتستطيع فيها الدول ان تستند إلى هذه السابقة. بلير والنظام الدولي ـ ذكر توني بلير رئيس وزراء بريطانيا مؤخراً ان الحرب ضد العراق سوف تقرر شكل التغيير في النظام الدولي إلى أي مدى يمكن أن تصمد هذه المقولة؟ ـ أنا لا أظن ولا أوافق على ماقاله توني بلير من أن الحرب سوف تؤدي إلى إيجاد نظام دولي جديد، لان النظام الدولي الجديد لايمكن ان يستقر إلا بموافقة جميع الأطراف، وهناك الآن خلاف خطير بين مجموعة من الدول ترفض هذا التدخل العسكري وترى ان هذا التدخل العسكري غير مشروع، ومجموعة أخرى ترى ان هذا التدخل سوف يؤدي إلى تغيير النظام الدولي، فكيف تستطيع ان تتصور نظاما دوليا جديدا في ظل هذا الخلاف. ان النظام الدولي الجديد يتطلب اجماعا ولذا لا اتصور نظاما دوليا جديداً كما لا اتبنى النظرة التآمرية المنتشرة في المنطقة العربية من ان هذا التدخل العسكري سوف يعقبه تغيير انظمة أخرى، وأميركا دولة كبرى امامها مشاكل أخرى في أنحاء العالم، وبعد شهرين أو ثلاثة قد تقع مواجهة جديدة بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية وهذه المواجهة الجديدة سيترتب عليها تهميش قضية الشرق الأوسط. وقد تتدهور الحرب الواقعة حاليا في كولومبيا بين تجار المخدرات والحكومة، وقد تؤدي ايضا إلى تهميش الاهتمام الدولي بالشرق الأوسط. مستقبل النظام العربي ـ ماهي توقعاتك في ضوء ما بعد الحرب لما يسمى مجازا النظام الاقليمي العربي، هل هذا النظام مازال قائما أم انه انهار بعد حرب الخليج الاخيرة، وماذا عن مستقبله في ظل ظاهرة التلاسن بين القادة العرب في مؤتمر القمة الاخير باعتباره ظاهرة أثرت في تطور العلاقات العربية العربية وفعاليات الجامعة العربية؟ ـ عندما كنت طالبا في عام 1945 وتم انشاء جامعة الدول العربية كانت رسالتي حول الوحدة العربية، والمنظمات الاقليمية مع دراسة للجامعة العربية كنت مقتنعا بأن السنوات التي تلت ذلك ستتحقق الولايات المتحدة العربية، لكن مع الاسف استبعد اليوم قيام نظام اتحادي عربي قبل عشرات السنوات، لانه لايوجد من يؤمن بالوحدة العربية حاليا بين الرأي العام العربي، واذا تم عمل استفتاء الآن بين الطلبة في جامعة القاهرة لن تجد الانسبة محدودة تؤمن بالوحدة العربية ولابد من جيل جديد يؤمن بالوحدة العربية ومستعد ان يدافع عنها، الآن هناك لامبالاة تجاه فكرة الوحدة العربية. ـ هل لهذا علاقة بمدى تطور النظم السياسية في العالم العربي؟ ـ لا ولكن لها علاقة بمدى الايمان بضرورة تحقيق الوحدة، واذا كان الرأي العام الاوروبي، مؤمنا بوحدته الحالية ومستعدا ان يدافع عنها ويضحي من اجل تحقيقها فان هذه الوحدة سوف تتحقق، اما اذا كان الرأي العام العربي غير مهتم بهذه الوحدة فإن الحكومات بدورها لن تكون مهتمة ففي الوقت الحاضر لا أرى ان الشباب المصري أو السوري أو غيره آمن بالوحدة العربية في حين في عام 1946 كان لدينا ايمان بفكرة الوحدة العربية حتى جاء حلف بغداد في الخمسينيات باعتباره أول نكسة في طريقها. إذن مر اكثر من خمسين عاما على قيام الجامعة العربية، ولم تتحقق هذه الوحدة. مونتريال: حوار ـ جمال زايدة: ينشر بترتيب مع وكالة الاهرام للصحافة

Email