بعد مباشرتها بنقل قواتها من المانيا، أميركا تعاقب أوروبا القديمة بمكافأة الحلفاء الجدد في شرقها

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثلاثاء 5 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 6 مايو 2003 تحول الحديث الذي طالما دارت الشائعات بشأنه حول نقل القوات الاميركية الى المانيا الى خطط ملموسة، وينفي المسئولون الالمان ان يكون هذا التحرك نابعاً من رفضهم دعم الحرب التي تقودها الولايات المتحدة في العراق. ولكنهم من دون ابداء للندم على موقفهم المعادي للحرب يبدون كذلك متلهفين على مصالحة الولايات المتحدة ويبعثون بحشد متتابع من الدبلوماسيين اليها. بعد ان باشرت الولايات المتحدة الاميركية نقل قواتها الى دول حلفائها الجدد في شرق اوروبا لمعاقبة «اوروبا القديمة» بسبب موقفها من الحرب على العراق وإن تعللت واشنطن بأسباب استراتيجية. وقد سافر وزير الدفاع الالماني بيتر شتروك الى واشنطن مؤخراً لحضور اجتماع لحلف الناتو وهو يعلق الآمال على الحديث مطولاً مع نظيره الاميركي دونالد رامسفيلد. ويقوم المستشار الالماني الغربي غيرهارد شرويدر كذلك بارسال مستشاره للأمن القومي بيرند متزلبرغ الى واشنطن في غضون ايام للقاء نظيرته الاميركية كوندوليزا رايس. وكانت هذه الاخيرة قد اعربت عن اعتقادها بأن الروابط الاميركية ـ الالمانية قد تعرضت للتسمم خلال حملة شرويدر الانتخابية في سبتمبر الماضي التي كللت باعادة انتخابه على اساس برنامج مناهض للحرب على العراق. ومن المتوقع ان يقوم كولن باول، وزير الخارجية الاميركي، بزيارة المانيا في منتصف مايو الحالي. وعلى الرغم من انه من المقرر ان يكون شرويدر في جولة آسيوية في ذلك الوقت، الا ان المسئولين الاميركيين والالمان يقولون ان المستشار الالماني متلهف للقاء مبعوث الرئيس بوش لدى وصوله الى المانيا. وقد طرحت وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) اسباب نقل بعض القواعد الخاصة بالتدريب من المانيا الى اعضاء جدد في حلف الناتو او الى دول تتطلع للانضمام الى عضويته في اوروبا الشرقية، وتدور هذه الاسباب المعلنة حول الحاجة الى وحدات اصغر واكثر مرونة في الانتقال في مناطق قريبة من مواضع الصراع المحتملة في الشرق الاوسط. ولكن عملية تقليص القوات الاميركية في المانيا ينظر اليها من قبل منتقدي السياسة الالمانية في داخل المانيا وخارجها على انها قد حركتها رغبة واشنطن في التقريع على المستوى الاقتصادي للحلفاء القدامى الذين لم يؤيدوا حربها في العراق. وبينما اكتفى متحدثون باسم شرويدر وشتروك بالقول انه ليست هناك خطط محددة ولا عقابية لنقل القوات الاميركية من المانيا، فإن آخرين يسلمون بأن عمليات سحب القوات الاميركية هي واقع يطل في الافق ويوشك على التحقق، ومن شأنه الحاق الضرر بجيوب الالمان وبكبريائهم على حد سواء. وقال فرايدبرت فلوغر، وهو خبير أمني مخضرم في البرلمان الالماني منخرط في صفوف حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الالماني المحافظ «من خلال الاخطاء الخطيرة التي ارتكبتها الحكومة الفيدرالية الالمانية في علاقاتها مع الولايات المتحدة في الاشهر الاخيرة، اشتد ساعد تلك القوى في واشنطن الراغبة في تقليص وجود القوات الاميركية في ألمانيا لصالح وجودها في اوروبا الوسطى والشرقية»، واهاب بشرويدر ان يبادر بالتخلي عن «سياساته الحمقاء التي تفرق الصفوف» وحذر من ان النزاع مع القادة الاميركيين يهدد بـ «عواقب سياسية واقتصادية بليغة»، بالنسبة لألمانيا، التي يرابط بها 80% من القوات الاميركية في اوروبا البالغ قوامها 112 ألف رجل. وجاء في بيان صادر عن الجيش الاميركي في فيسبادن مؤخراً ان 3700 جندي اميركي سيتم سحبهم من خمس قواعد في هسه، وهي الولاية الالمانية المحيطة بفرانكفورت في عامي 2007 و 2008، وسيغادر سبعة آلاف شخص من عائلات الجنود الاميركيين مواقع في مناطق اكثر اتساماً بالطابع الريفي. وستعني عمليات الاغلاق هذه الخسارة المباشرة لـ 230 فرصة عمل ألمانية ويحتمل ان تلحق ضرراً اقتصادياً اكثر عمقاً بالتجمعات الصغيرة التي تعتمد على الرعاية الاميركية لمتاجرها ومطاعمها وخدماتها. وتعد هسه في الوقت الحالي مقر الفرقة الاولى المدرعة التابعة للجيش الاميركي، والتي تنشر 16500 رجل من قواتها في العراق على مدار اسبوعين للقيام بمهام خطط السلام وليس من المتوقع ان يعودوا الى مقرهم في فيسبادن بعد تلك المهمة. وعزا البيان الصادر عن الجيش الاميركي والذي ابلغ حكومته ولاية هسه بخططه هذه القرارات الى اعادة الهيكلة الاستراتيجية بالنسبة للقوات الاميركية في اوروبا. ولكن وسط الضغوط التي فرضتها على العلاقات الالمانية الاميركية معارضة برلين ذات الصوت العالي للحرب العراقية، فإن الاعلان على مستوى الولاية وليس على مستوى الاتحاد الالماني، قد وفر مادة للتجاذب بين اليسار الحاكم وبين اليمين الاميركي. وقالت بيلا اندا المتحدثة باسم شرويدر في معرض الرد على سؤال على خطط الخفض الاميركي «ليس بمقدوري ان أدلى بتصريح باسم الحكومة بينما لم يتم ابلاغها بالامر على اساس رسمي». وقال مسئول بوزارة الدفاع الاميركية اشترط عدم ذكر اسمه ان شتروك ربما سيتم ابلاغه بالتغييرات الوشيكة خلال الاجتماعات التي سيعقدها في واشنطن، حيث من المقرر ان يكون بصحبة نظيره رامسفيلد، في اجتماع وزراء دفاع الناتو، وهو يأمل في عقد محادثات على المستوى الثنائي مع الوزير الاميركي قبل العودة الى برلين. ويميل محللون مستقلون الى الموافقة على منطقية الخطوة الاميركية التي تستهدف تمركز القوات في اماكن اقل تكلفة واكثر اهمية من الناحية الاستراتيجية، وكأنهم يوافقون كذلك على وجهة نظر المحافظين القائلة ان عمليات تقليص القوات الاميركية في ألمانيا تحركها ـ على الاقل بصورة جزئية، رغبة واشنطن في مكافأة حلفاء جدد، مثل بولندا ورومانيا وبلغاريا بقواعد تعطيهم دفعة اقتصادية للأمام، بينما تظهر استياءهما مما يسميه رامسفيلد «اوروبا القديمة». وقال فرانك اومباش المحلل الامني بالجمعية الالمانية للسياسة الخارجية، وهي مركز ابحاث يتخذ من برلين مقراً له: «الامر يتعلق غالباً بالجغرافيا، فحدود الناتو تتحرك باتجاه الشرق والجنوب، وهكذا فإن هذا يعد مفهوماً استراتيجياً، فهناك ما ينبغي التحوط منه والاحتراز بصدده في البحر المتوسط او البحر الاسود على نحو يفوق اوروبا الوسطى»، وسوف تظل التسهيلات الاميركية الكبرى مثل قاعدة رامشتاين الجوية ومركز لاند شتول الطبي الذي يعالج فيه جرحى الحرب والاسرى على حالها لأن استبدالها واحلال نظائر لها في مناطق اخرى سيكون باهظ التكلفة، حسب اعتقاد اومباش. عن «لوس انجلوس تايمز»

Email