وجه في الحرب، غارنر المندوب الأميركي السامي في العراق

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاربعاء 30 محرم 1424 هـ الموافق 2 ابريل 2003 أوائل شهر مارس الماضي دخل الى ردهات الأمم المتحدة جنرال أميركي متقاعد يدعى جاي غارنر، قيل وقتها انه جاء في «زيارة تعارف». الضيف الذي حاول كوفي عنان التبرؤ من أنه بحث معه ترتيبات الحكم في العراق (ما بعد صدام) هو المرشح لأن يكون على رأس نشرات الأخبار لفترة طويلة، مثلما كان يوماً اللورد كرومر في مصر، مندوباً سامياً للولايات المتحدة الأميركية وحاكماً لأولى مستعمراتها في المنطقة. غارنر جنرال متقاعد من الجيش الأميركي عام 1997، بعدما وصل الى منصب مساعد نائب رئيس قيادة الأركان، قبلها كان قائداً لقيادة الدفاع الصاروخي والفضائي لمدة ثلاث سنوات، وفي أثناء حرب الخليج الثانية ترأس عمليات الاغاثة الانسانية للأكراد. من المفترض وفق تصورات أميركية أن يرأس غارنر 200 أميركي من ممثلين عن البنتاغون والمخابرات المركزية ومجلس الأمن القومي ليحكم العراق فترة أقلها عامين، ويستعين هذا الفريق الأميركي الموجود أغلبه حالياً في منطقة الخليج والشرق الأوسط بحوالي مئة لاجيء عراقي تم التعاقد معهم للعمل في مناصب حكومية. ورغم ان البنتاغون رفض البوح بأسماء هؤلاء العراقيين «المتعاقدين» إلا انه يؤكد انتظارهم أوامر بالسفر الى بغداد. ومن سخريات الأقدار أن يكون غارنر صديقاً حميماً لشارون، فهو الذي كان قائداً لبطاريات صواريخ الباتريوت التي نشرت في اسرائيل قبيل حرب عام 1991. وهو أيضاً الذي قام في اكتوبر 2000 بزيارة الى الجابوتسكيين (نسبة الى جابوتنسكي) وهم مجموعة لها ميول صهيونية متطرفة حاولت اختراق الجيش الأميركي وأجهزة الاستخبارات منذ السبعينيات، عاد غارنر ليصدر بياناً مع رفاقه ال26 يمتدح ضبط النفس الرائع الذي يبديه الجيش الاسرائيلي في وجه العنف القاتل الذي يمارسه الفلسطينيون إبان انفجار انتفاضة الأقصى وفي الأسابيع الأولى منها. وقال غارنر ان اعتقاده الثابت يكمن في ان أمن دولة اسرائيل مسألة ذات أهمية كبيرة للسياسة الأميركية وان اسرائيل قوية حليف يمكن للمخططين العسكريين الأميركيين الاعتماد عليه. واعتبرته الدوائر الاستخبارية الأميركية (بسبب زيارته المتكررة لاسرائيل) مصدراً ممتازاً للمعلومات العسكرية الموثوقة وذات البصيرة الثاقبة. غارنر يصلح.. فهو ليس بعيداً عن الفساد. حينما كان قائداً للدفاع الجوي والصاروخي جعل شركة (اس.واي. تكنولوجيز) هي المحتكر لأعمال الوكالة الحكومية، واتضح ان الشركة ليست إلا تحت ادارته. يوم 11 فبراير الماضي سمي رئيساً لمكتب اعادة البناء والمساعدة الانسانية التابع لوزارة الدفاع الأميركية، وهو المكتب الذي يفترض أن يحكم عراق ما بعد صدام. وذلك بحكم صداقته لدونالد رامسفيلد وريتشارد بيرل. ومن المقرر أن يدير العراق على غرار ادارة الحلفاء لألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية. يقيم جهازاً مدنياً كاملاً لإدارة شئون العراق في كل المجالات. من الصحة الى التعليم الى الأمن الى الاعلام، وذلك بعد أن أدرك الأميركان افتقادهم لبدائل فعلية تقوم بدور صدام رغم انهم حاولوا تصنيع قادة عراقيين يصلحون للدور. الإدارة المحتملة إذا ما انكسرت المقاومة العراقية تمد أصابعها في كل شيء حتى الاعلام. فهناك خطط لإقامة مؤسسات اعلامية متكاملة، محطة إذاعية وأخرى تلفزيونية وصحف يومية ومواقع انترنت، وقد بدأ بالفعل إبرام عقود مع إعلاميين عراقيين في المنفى وطواقم عمل. والميزانية التي ستكون تحت يده تبلغ نحو 20 بليون دولار كل عام، يحصل عليها من الأرصدة العراقية المجمدة في بنوك أميركا، حسبما وعده رامسفيلد. وطبقاً لخطط يتم تداولها في وزراة الدفاع الأميركية فإن العراق سيتم تقسيمه الى ثلاث مناطق إدارية (كما كان إبان الاحتلال العثماني) هي الموصل وبغداد والبصرة، وسيتم تعيين حاكم على كل منطقة يساعده جهاز إداري من 12 مسئولاً.. وهو لا يعمل وحده، إذ ان هناك فريقاً بريطانياً مماثلاً يرأسه دومينيك تشيلكوت ويتوقع أن يترك له حكم البصرة تحت اشراف غارنر. سيكون غارنر مسئولاً أمام تومي فرانكس ثم دونالد رامسفيلد وأخيراً الرئيس بوش. بحيث يتولى هو الإدارة المدنية ويقوم فرانكس بدوره كنسخة معدلة من «لورنس العرب» مع إضافة البهار الأميركي عليها. الفارق ان لورنس العرب تحالف مع العرب للقضاء على عدو مشترك كان يتمثل في الحكم العثماني، فيما يفتقد تومي فرانكس الى شريك عراقي أو عربي فاعل. «لا تأخذوا أسرى.. لا تأخذوا أسرى» كانت تلك صيحة الممثل بيتر أونول (الذي حصل للمصادفة على جائزة أوسكار فخرية هذا العام)، حينما قام بدور لورانس العرب في الفيلم المنتج عام 1962، ويبدو الجنرال فرانكس الرئيس المباشر لجارنر ميالاً الى الصيحة نفسها، غارنر مهراج عسكري أميركي جديد يفترض أنه سيطلب من القادة العرب أن يتعايشوا معه بعد أسابيع قليلة، اللهم إلا إذا خيبت المقاومة العراقية آمال من يتعشمون في حدوث سيناريو كابوسي كهذا. مجدي شندي

Email