وزير الخارجية السعودي لوفد خبراء اميركي: أبناؤنا لن يذهبوا مستقبلاً لاماكن مثل أفغانستان

ت + ت - الحجم الطبيعي

الجمعة 19 شعبان 1423 هـ الموافق 25 أكتوبر 2002 دعا الامير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي الى اعادة اصلاح العلاقات بين بلاده والولايات المتحدة، والتي اصابها بعض الضرر عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر الماضي، مشيراً الى انه لن يسمح للسعوديين مستقبلاً بالذهاب لاماكن مثل افغانستان. وقال الامير سعود لوفد اميركي مكون من خبراء في شئون الدفاع والشئون الاستراتيجية زار المملكة مؤخراً انه لا توجد قوة نووية لدى العراق مستغرباً ان يقوم جنرال اميركي بحكم عنزة وشمر والاكراد في بلاد النهرين. واضاف في حديثه الذي اورده كاملاً موقع «ايلاف» الالكتروني ان العراق قد يقرر الانتقام في حال توجيه ضربة عسكرية اميركية له، بضرب السعودية والكويت، وفيما يلي نص الحديث لوزير الخارجية السعودي: ويقول الامير سعود الفيصل في مطالعته للعلاقات الأميركية - السعودية انه «قد يكون مفاجئا لكثيرين ان تكون علاقاتنا قد طالت الى الحد الذي نراه بالرغم من نقص معرفة احدنا بالآخر، وربما يعود السبب الى اننا أخذنا هذه العلاقة الثنائية من قبيل تحصيل ما هو حاصل». واضاف الأمير «ان المفصل الحالي هي تلك النقطة التي تختبر عندها طبيعة هذه العلاقة، وتتكون المفاهيم المعرفية التي نرجو ان تكون مبنية على حقائق». وتابع القول «وبالرغم من سياسات الحكومتين، يعود الفضل الأكبر في تعزيز العلاقة بيننا الى قطاعي المال والأعمال في البلدين». وقال وزير الخارجية السعودي «لقد لعب الرئيس فرانكلين روزفلت دورا محوريا بالطبع، الا ان علاقاتنا تعززت حقا بفضل شركات النفط واسلوب تعاملها والثقة المتولدة عند العاملين في تلك الشركات». واضاف القول «ربما كانت في طبيعتي البلدين صفة مشتركة، ولكن الواقع ان بناء العلاقة اسس على الثقة والاحترام بين ثقافتين مختلفتين جدا». وقال «كنت قد ادركت ذلك اخيرا ابان زيارة قمت بها للرئيس جورج دبليو بوش في تكساس خلال الربيع الفائت، فقد تقدمت سيدة اميركية متقدمة في السن عاشت عائلتها وعملت في المملكة العربية السعودية على امتداد ثلاثة أجيال، وهي نفسها عاشت عندما كانت طفلة في بيئة شركة آرامكو، تقدمت من ولي العهد السعودي وعانقته بحرارة وبالكاد رضيت بان تتركه». وقال سعود الفيصل «حالة كهذه لا يمكن ان تحدث في غياب العنصر الشخصي لهذه العلاقة وعلينا العودة الى هذا البعد الشخصي في علاقتنا». وتابع القول «نعم.. مرت هذه العلاقة بفترات توتر وتأزم. وما حدث يوم 11-9 وما بعده لم يكن المرة الأولى التي يختبر كلانا توترا وتأزما». مفاهيم متغيرة وقال الوزير «عندما كنت اعيش في الولايات المتحدة كان الرأي السائد ان الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر هو موجة المستقبل، وان المملكة العربية السعودية لن تصمد امام التحدي الذي يشكله، والسبب انه كان ينظر الينا على اننا ظاهرة بدائية تعجل كثيرون غير مرة توقع موعد موتها0، و«بطبيعة الحال انا لا اتفق مع هذه النظرة». واستطرد قائلا «بلدنا يمر الآن في فترة تحوّل، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، ولم يسبق ان سمع الحوار الذي يدور راهنا داخل الحكومة، وبين الناس في مختلف القطاعات، وعلى مستوى الشعب ككل». وقال الامير سعود الفيصل «ولدينا في اللغة العربية احاديث ومقولات عن كل شيء منها «وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم» وبحكمة الله (عز وجل) حتى عندما تقع النكبات الفظيعة والمأساوية، لابد ان يخرج خير من رحم النكبة». واقترح الأمير الدبلوماسي في حديثه انه بالنسبة لنا في السعودية «يجب ان نخرج من تجربة 11-9 بأمرين اثنين: الأول هو التفكير بيننا وبين انفسنا بما كان علينا عمله لتجنب حدوث ما حدث، والثاني هو بناء قاعدة تفكير والتزام عند الجانبين (الأميركي والسعودي) بان ما حدث لن يتكرر ابدا». وقال وزير الخارجية السعودي «كانت صدمتنا اليمة جدا عندما اكتشفنا تورّط عدد كبير من المواطنين السعوديين. كان رد فعلنا الذهول عن الفهم، ثم دخلنا طور الانكار، انكار ان شيئا من هذا القبيل يمكن ان يحصل، واخيرا رد الفعل المخيف وهو اننا امام حقيقة واقعة. لقد كنا كمن يصحو في يوم من الأيام ليكتشف ان ولده قاتل سفّاح». واعرب باسم المملكة قوله «ابدا لن نسمح في المستقبل بأن يذهب ابناؤنا ممن هم في سن المراهقة الى أماكن كأفغانستان، للتأثر بمنظمات ك«القاعدة» تفتنهم وتسلبهم عقولهم، هذا جانب مما علينا فعله». مرض الارهاب وقال: ان المهم هو ضرورة ان يعود كل منا (السعوديون والأميركيون) بتفكيره الى الوراء قليلا وأن يتبصر في حقيقة ان الارهاب مرض له مسببات تسلب حس المرء بالواقع وتحرمه من القدرة على التقدير الصحيح. وتابع القول «في منطقة الشرق الأوسط هذه المسببات مزمنة وعميقة الجذور، فأجيال بعد أجيال من ابناء المنطقة شبوا ووعوا الحياة على اوضاع متراجعة متدهورة ابدا، وربما يخص الولايات المتحدة كانت النظرة القديمة اليها عمليا بريئة وبدائية، وظلت على هذا النحو على امتداد عهد الرئيس دوايت آيزنهاور، فقبل تلك الفترة لم تكن هناك علاقات دفاعية بين الولايات المتحدة واسرائيل». وقال الامير سعود الفيصل «ثم ان الرئيس ايزنهاور فرض على الاسرائيليين الانسحاب من الاراضي المصرية واجبر البريطانيين والفرنسيين على مغادرة قناة السويس. واضاف «منذ عهد الرئيس وودرو ويلسون كانت الصورة الأميركية نظيفة ونقية، اذ لم يكن للولايات المتحدة مستعمرات او مطامح امبريالية بل كان الناس يذكرون لها «نقاط ويلسون ال14» الشهيرة، التي شددت احداها على اهمية «حق تقرير المصير»، وهذه الافكار وجدت لها أصداء في العالم العربي. وقال سعود الفيصل «ولكن بعد ذلك تغيرت صورة اميركا بوتيرة متصاعدة هي تلك التي ترسمها الاصوات المنادية بالقومية العربية، وبدورها غيّرت اميركا تصورها للعرب مركزة على الأفكار التي مثلها جمال عبد الناصر وخطابه الناري وكلام بعض القوميين عن «رمي الاسرائيليين في البحر». وقال ان «كثرة من الأميركيين في تلك الفترة اخذوا عن العرب فكرة انهم معادون لهم، ولم يمض وقت طويل حتى بدأت كثرة من الأميركيين تعتقد ان لهم شريكا واحدا فقط هو ذلك الذي يقف مباشرة بمواجهة المواقف التي يمثلها عبد الناصر». واكد وزير الخارجية السعودي :«انني أعرض هنا هذا الشريط التاريخي كي أوضح ان الأمور لم تكن دائما على ما يرام بيننا، وانه كان على اصحاب النيات الطيبة النضال من أجل ابقاء العلاقة راسخة. وقال «والواقع انه في بواكير عهد الرئيس جون كنيدي شاب تلك العلاقة شيء من العداء: الا ان زيارة الملك فيصل، اول من قابل كنيدي، ثم زيارته للرئيس ليندون جونسون، حسّنتا الوضع». الانفتاح واصلاح العلاقة وفي الحديث شدد الأمير سعود الفيصل على القول «والآن علينا اعادة اصلاح العلاقة، وعلينا ان ندرك ان علينا ان نكون أكثر انفتاحا. هذا لن يكون سهلا بالنسبة لنا، وبخاصة لأولئك المنتقلين حديثا من طور البداوة». وقال «كثيرون من البدو عندنا ما كانوا مختلفين كثيرا عن صورة رعاة البقر (الكاوبويز) عندكم، كرجال مكتفين ذاتيا لا يجيدون التكلم عن انفسهم». واشار في القول الى انه «طبعا اليوم في عهد تقدم الاعلام الجماهيري هذه حالة مناقضة للعصر، وبالتالي يجب ان نتكلم معكم ومع اعلامكم ومع مستشاري حكومتكم ومع مجلسكم التشريعي الكونغرس». وشدد على القول «وايضا علينا ان نسهّل طلبة مدارسكم زيارتنا هنا، اذ ان اتصالتا من هذا النوع ضرورة حيوية» وقال الامير السعودي «غير ان ثمة عناصر اخرى حيوية ومهمة جدا كذلك، وانا أرجو الا تسمم الأجواء السلبية في بعض مناطق الولايات المتحدة الوشائج الجيدة التي تربطنا». واشار الامير الى ان «الضرر سيكون كبيرا اذا تعذر على طلبتنا التوجه الى الولايات المتحدة لتلقي العلم، وفعلا هبطت نسبة شباننا الذين يلتحقون بمعاهدكم بسبب الاجراءات التي اعتمدتموها». وقال «انا قلق من حكمة اعتماد مثل هذه الاجراءات، لأن الدرجة التي يمكن ان تحقق الغاية المرجوة منها على الصعيد الأمني لا تبدو واضحة. واكد فيما يخص الاهتمامات الأمنية المشتركة بيننا وبينكم، بصفة عمومية، لم يسبق ان كان تعاوننا أكبر او اوثق». وشدد وزير الخارجية السعودي على القول «أمامنا تحد آخر هو كيفية توصيل الحقيقة عن أنفسنا، هل نحن حقا مركز تفريخ للارهاب؟ هل يدفعنا رجال الدين عندنا في هذا الاتجاه؟ باعتبار المملكة العربية السعودية مركز العالم الاسلامي». وقال «نعم نحن ما زلنا نطبق الشريعة ونعمل بموجبها، ولكن صحيح ايضا ان هناك دولا اسلامية غير مقيدة حريتها او قدراتها في اعتماد قوانين وضعية غير اسلامية». وقال «اننا بالنظر لهويتنا وما نمثله وحيث هو موقعنا لا خيار لنا الا بالالتزام بالشريعة وتفسيرها، وفي هذا المجال للسعودية تجربة طويلة في التعامل مع الطروحات المتشددة0 فعندما فتحت المملكة لأول مرة ابوابها امام العالم الخارجي أطلقت النار (في مطلع القرن الماضي) على رجل - هو الكابتن البريطاني شكسبير- يرتدي سروالاً افرنجيا، لأنه ظهر مناقضا لمن هم حوله من مرتدي الثوب العربي، وقد أطلقت عليه النار بالرغم من انه كان يقاتل الى جانب الملك عبد العزيز. وفي شرح تاريخي قال وزير الخارجية السعودي ان اولئك الذين درسوا تاريخنا يعرفون انه (عندما اسست المملكة) مرت فترات طويلة ظل فيها الملك عبد العزيز خارج الرياض بينما كانت القبائل تتقاتل بغلوّ ديني شديدة، ولم يرجع الى الرياض الا بعدما تيقن من قدرته على التغلب على الغلاة المتشددين. واضاف «ايضا من المعروف ان رجال الدين المحافظين عارضوا الملك الراحل عبد العزيز عندما ادخل جهاز الراديو والتلغراف الى المملكة بحجة ان هذين من ادوات الشيطان وينقلان الشر». وقال الفيصل «الواقع ان الوضع الذي وجد نفسه فيه لم يختلف كثيرا عن وضع الهنود الاميركيين الحمر الذين رأوا القطار حصانا حديديا»، وايضا كان هناك طبعا من اعترض على السماح للأجانب بدخول بلدنا. وخاطب سعود الفيصل الندوة بالقول «فقط بعد الحاق الهزيمة بالغلاة المتشددين تمكن عبد العزيز من فتح البلاد امام العالم الغربي. ولم يطل الوقت حتى هبطت نعمة الثروة النفطية، وبرغم ممانعة رجال الدين المتشددين فانه رحب بقدوم الشركات التي نقبت عن النفط واستخرجته. لكنه قال ان المتشددين لم يختفوا نهائيا عن الساحة، وما نشهده الآن هو مزيد من المواطنين في الولايات المتحدة ذاتها يفسرون الانجيل بحرفيته مع انه اقدم عهدا بكثير من نزول القرآن، وفي بلدكم اجد رجال دين وآخرين يقولون أشياء فظيعة. وتساءل الامير السعودي في حديثه : «هل تطرف كهذا عند نفر من مواطنينا كاف ليصبغ السعودية كلها بالتطرف؟ وهل أفعال مماثلة يقترفها اميركيون كافية لجعلها صفة عامة للولايات المتحدة؟». وتابع القول «صحيح تجدون خطباء في بعض مساجدنا يقولون ما لا يجوز قوله، لكن غالبية خطباء مساجدنا يتكلمون عن فضائل السلام. ويبدو لي ان قلة من الأميركيين سمعوا عن هؤلاء او عرفوا عنهم شيئا». وافصح وزير الخارجية السعودي عن البرنامج التصحيحي الكبير تعليميا في المملكة قائلا «لقد باشرنا تقييم ما يقال في مساجدنا، كما اننا بصدد مراجعة مناهج اعداد الوعاظ والمدرسين، وما وجدناه حتى الآن ليس بالسوء الذي تصورناه من قبل». وقال امام الندوة «انا رئيس مؤسسة الملك فيصل الناشطة جدا في مجال التعليم في المملكة. اننا ندير مدرسة ابتدائية ومدرسة ثانوية. وفور انصرافنا الى مراجعة نظامنا التعليمي طلبنا من المدرسين قراءة كل الكتب الموجودة في المنهاج الدراسي بهدف تحسين ليس مادة الكتب في حد ذاتها، بل بصورة رئيسية، الرسالة التي تتضمنها». وكشف «اننا نفرض على الطلبة القراءة عن الأديان الأخرى، وكان من دواعي دهشتنا اننا وجدنا ان 85 بالمئة من المواد المعتمدة والمدرّسة تدعو الى فهم من يؤمنون بأديان أخرى، و10 بالمئة تدعو لتفسير المدرّس، و 5 بالمئة من مجموع ما يتضمنه المنهاج سيئ للغاية». واضاف «ومن هذا الاستعراض استنتجنا ان نسبة الخمسة بالمئة السيئة للغاية هذه لا يمكنها بقواها الذاتية ان تكون «مركز تفريخ» للارهاب. وحتى هذه النسبة يعمل مدرّسونا الآن بهمة على ازالتها». تزايد المشاركة وقال سعود الفيصل «اضافة الى هذه التحديات، امامنا تحديات أخرى متصلة بالحاجة الى التغيير- مثلا تغيير بنياتنا التحتية، عبر شرعة حقوق مواطنين، وفي طبيعة ومدى مشاركة الناس في التنمية الوطنية ومسارات اتخاذ القرار السياسي. وكنا في العقد الفائت قد نجحنا في انجاز تقدم ملموس في كل هذه المجالات». وقال «حتى «الآباء المؤسسين» (في الولايات المتحدة)، الذين تكلموا وكتبوا باستفاضة عن المساواة والقيم الحرة، لم يتبنوا التصويت العام في بداية الأمر، وحدهم ملاك الأراضي كان يحق لهم التصويت والمشاركة في حكوماتكم، وبمرور الزمن ازداد عدد الحقوق، وما يصحبها من مسئوليات». والامير سعود الفيصل قال «هنا، حقوقنا الأساسية - حقوق الانسان الشخصية والدستورية - تدرّس ويصار الى التركيز عليها في المدارس. وفي هذا السياق اسسنا مفوضية وطنية لحقوق الانسان، باشراف الملك، لضمان الا تتعرض حقوق أي شخص لتجاوز او تعد من جانب هيئة حكومية». واعلن الامير السعودي في كلامه امام المنتدى ان شيئا واحدا لن نقدم عليه البتة، عبر تعديلات او تغييرات مبتسرة، هو كسر الوشائج الاجتماعية التي تجمع شعب المملكة0فاذا ما فعلنا فاننا سنعود القهقرى الى عهود القبلية والعشائر والتقاتل والتناحر بينها». وقال «نحن لن نروّج من فوق لتغييرات من دون التحسب بعناية لتأثيراتها المحتملة على التماسك الاجتماعي0 وبالمثل، الالتزام بالشريعة الاسلامية سيظل القوة الموحدة داخل المملكة لأن كسر نظام الاحكام والضوابط الحالي من شأنه المجازفة باعادتنا الى شريعة الغاب. لهذا سنعتصم بالشريعة الاسلامية التي لا تكسر ولا تفصم عراها». ورداً على سؤال حول كيف ترى الولايات المتحدة في هذه المرحلة؟ اجاب: «ان نظرة السعوديين الى الولايات المتحدة تختلف عن نظرتهم الى أي دولة اخرى، اننا نشعر بشيء من المسئولية ازاء الاميركيين في هذه المنطقة من العالم، وهذا ما يولّد الغيرة عند البعض، الا اننا بالفعل نشعر بهذه المسئولية لضمان ما امكننا ذلك الا ترتكب الولايات المتحدة اخطاء في المنطقة». وهذا قد يظهر في هذا بعض الغرور من جانبنا، لكنه في الواقع يعبّر عن خبرتنا ببلدكم ومعها، وبما يخص تصوراتكم حيال اعتزامكم تغيير الحكم في العراق او هنا، فان معارضتنا تنبع من اعتقادنا بأن مقاربة من هذا النوع قادرة على تحقيق الغاية المنشودة منها. اذا كنتم تريدون ارسال المفتشين الى العراق فانني لا ارى كيف تستطيعون ذلك اذا قصفتم تلك البلاد واخضعتموها للاحتلال وغيرتم حكومتها. انا لست عسكريا لكنني ارى انه مهما كانت اسلحتكم «الذكية» متفوقة في ادائها سيكون من الصعوبة بمكان تحاشي قتل العراقيين الأخيار وتصيد الأشرار وحدهم، ولم يسبق لي ان قرأت عن او رأيت بأم العين في التاريخ كيف تصمد حكومة نصبّتها قوى احتلال عسكري اجنبي بعد انسحاب المحتل. انا أحسب ان في مقدوركم انزال الهزيمة بالعراق، بيد انني لا احسد ابدا الجنرال الذي سيجد نفسه في صباح اليوم التالي حاكما على عشائر شمّر وعنزة، والأكراد، والشيعة، والسنّة والجماعات الاخرى في العراق. منذ 2000 سنة مضت تفيدنا المعطيات ان حكم العراق غاية في الصعوبة. اننا قلقون من اليوم الذي يلي يوم اطاحتكم بالحكم العراقي- كيف ستحكمون العراق؟ وماذا سيكون هدفكم؟ وهنا لدينا اراء خاصة حيال هاتين المسألتين. لقد عشنا خلال السنتين الأخيرتين على مقربة من التدمير الذي يستهدف حياة الشعب الفلسطيني، وهذه المرة يستمر هذا التدمير من دون أي شكل من أشكال الكبح او المنع من قبل واشنطن0 ان سياسة الحظر الأميركية على استخدام أسلحة أميركية ضد المدنيين لا تبدو انها عرفت طريقها نحو التطبيق، رغم حقيقة استخدام الاسرائيليين الدبابات والهليكوبترات ضد الفلسطينيين. هذا الحال يعتمل منذ بعض الوقت، ولن يكون مفيدا اذا احجمت الولايات المتحدة عن انهاء المذبحة الحاصلة هناك، بينما تنوي في الوقت ذاته شن حرب على العراق. تقارير الاستخبارات الأميركية لا تشير إلى ان لدى العراق اسلحة نووية. وانا هنا أميز بين وضعين، ان احد اهم التوازنات الأساسية التي حرصنا كثيرا على تقبلها هنا في العالم العربي وانا هنا اعني التوازن مع الولايات المتحدة « قد كسر وتحطم». هذا التوازن قائم على المعادلة المنطقية التالية: صحيح لدى اميركا علاقة خاصة مع اسرائيل وهي تزوّد اسرائيل بكل حاجتها التسليحية وستظل الضامن لأمن اسرائيل0 الا اننا منذ عهد الرئيس (ريتشارد) نيكسون تلقينا تعهدات من الولايات المتحدة بأنها ستستخدم تلك العلاقة مع اسرائيل للعمل من اجل تأمين غاية السلام في الشرق الأوسط. هذه هي المعادلة القابلة للنجاح على مستوى المنطقة ككل، وبالنسبة لاسرائيل والعرب بوجه التحديد، لأن الجانبين يريدان السلام. ولكن عندما تريد الولايات المتحدة فرض «السلام الإسرائيلي» (أي السلام وفق الشروط الاسرائيلية) تحت حكم الليكود ووفق رغباته، سيكون من المستحيل وصف هذه السياسة الا على انها سياسة معادية لنا. نحن ما زلنا ايجابيين في اعتقادنا ان الولايات المتحدة ستسخدم علاقتها باسرائيل لضمان انصياع اسرائبل لقرارات مجلس الأمن الدولي في الامم المتحدة، والقبول بخطة السلام العربية، وكلمة الرئيس (جورج) بوش التي اعلن من خلالها تأييده قيام دولة فلسطينية وانهاء الاحتلال الاسرائيلي. ولكن اذا سمح لهذه المعادلة المنطقية بأن تنهار، وتعطل تنفيذ هذا التوجه الأميركي، فستجد الولايات المتحدة نفسها في حالة نزاع مع العالم العربي. لهذا ترانا نبذل جهودا محمومة، مثلا، مساعدة الفلسطينيين على تبني دستور فعال يكفل قيام مؤسسات ديمقراطية وحماية الحقوق الديمقراطية. أدرك ان البعض يرى هذا مدعاة للسخرية، ولكنني خلال اجتماعات «اللجنة الرباعية» (التي تضم الولايات المتحدة وروسيا والامم المتحدة والاتحاد الاوروبي) كنت الوحيد الذي يجادل داعيا لإتاحة الفرصة أمام الفلسطينيين لاتخاذ قراراتهم بأنفسهم وانتخاب قادتهم باختيارهم. وأدرك أيضا ان موقفي هذا يبدو تناقضا لما يعهده البعض او ما اعتادوا عليه، بيد ان السياسة مليئة بالغرائب، ومنها التناقضات والتعاكسات. السعودية وغياب صدام ورداً على سؤال حول اذا وقعت الحرب مع العراق، كيف ترى السعودية شكل تصرفها عشية غياب (الرئيس العراقي) صدام (حسين) عن المسرح؟ اجاب: العسكريون يستطيعون المجئ الى هذه المنطقة (منطقة الخليج) وانجاز مهمتهم ومن ثم الانسحاب من الاراضي التي سبق ان نشروا فيها. اما نحن فلا نستطيع الانسحاب من هنا. اذا شنت الولايات المتحدة هجوما عسكريا على العراق انا لا استطيع تصور كيف ستجلب الاستقرار الى العراق. اليوم ها هو رئيس الأركان في الجيش التركي يقول صراحة انه في حال نشأت قلاقل وحالة من الاضطراب لن تنسى تركيا مطالبتها القديمة بكركوك. والقادة الايرانيون قالوا كلاما مشابها بالنسبة لمشاعرهم تجاه سكان العراق من الشيعة وعتبات العراق المقدسة عند الشيعة. يجب ان يكون هناك احترام للمسئولية في المحافظة على الوضع الراهن فيما يخص الحدود. لقد شاهدنا ما حدث في افريقيا على هذا الصعيد، ولكنا هنا لسنا في افريقيا. الوضع هنا سيكون ادهى واكثر تعقيدا بكثير من كل ما شاهدناه في افريقيا. ثم ماذا سيحصل للاقتصاد العالمي الذي يمر هذه الأيام بمرحلة دقيقة؟ لقد فقد الناس الثقة بمؤسسات الاقتصاد الرأسمالي، في آسيا، وفي اليابان خصوصا. وقد يقرر العراق، على سبيل الانتقام ضرب الكويت وربما السعودية. وحتى اذا اختارت السعودية رفع انتاجها النفطي بمعدل مليونين الى ثلاثة ملايين برميل في اليوم، فان ما سنحاوله لن يكفي السوق اذا خرج النفط العراقي والنفط الكويتي من هذه السوق. وهنا اشير الى حقيقة اكيدة هي ان النفط الروسي لن يغطي النقص في العرض. انا لا ادري اذا كانت هذه المسائل تطرح على بساط البحث في الولايات المتحدة عندما يناقش الناس هناك في سياق مناقشاتهم تلك الحرب المزمعة.

Email