الملف السياسي ـ بين المتفائلين بالانفراج والمتشائمين أمام مسار انهيار كل الاتفاقيات، إعلاميون جزائريون يتحدثون لـ «الملف» عن سيناريو المستقبل القريب في فلسطين

ت + ت - الحجم الطبيعي

الجمعة 27 رجب 1423 هـ الموافق 4 أكتوبر 2002 يختلف المحللون المختصون بشؤون الشرق الأوسط في الجزائر حول النتائج التي يمكن أن تؤول إليها الاتصالات الآنية بين الإسرائيليين والفلسطينيين وبين العرب والأميركان بخصوص موضوع إحلال السلام في الأراضي المحتلة وإسرائيل، لكنهم يتفقون بأن الانتفاضة ستكون العامل الحاسم في تغيير ميزان القوى داخل اسرائيل لفرض آلية جدية لتحقيق السلام. ويتفقون أيضا بأن أحداث سبتمبر أدرجت حل القضية الفلسطينية ضمن الاطار العام لاعادة ترتيب الأمور في الشرقين الأوسط والأدنى. ـعمار حميش معلق شؤون الشرق الأوسط في يومية « لوماتان» أكثر صحف الجزائر انتشارا تساءل: لماذا لا يمارس شارون جرائمه وهو يستند الى حقيقتين رئيسيتين تدفعانه الى ذلك علاوة على العوامل الخارجية المتصلة بالوهن العربي من جهة وبالدعم الكبير الذي يلقاه من أمريكا؟ والحقيقتان الداخليتان إحداهما ذاتية تتعلق بشخص شارون، فهو في آخر مشواره السياسي ويريد أن يحقق لشعبه ما لم يحققه من سبقه من قاد اسرائيل غير الرعيل الأول الذي جسد حلم اليهود بإقامة كيان لهم في فلسطين. شارون يريد بهذا الضغط المستمر القهر التام للفلسطينيين والعرب وتراجعهم الى الأبد عن المطالبة بحقوقهم. والحقيقة الأخرى أن الإسرائيليين أنفسهم لم يعودوا يؤمنون بإمكانية قيام السلام في المنطقة، خاصة بعدما آل إليه الوضع في فترة تولي شارون الحكم، ويستبعدون العودة الى الهدوء فالتوتر الآن موجود مع الفلسطينيين ومع لبنان وسوريا. كما تراجعت الثقة بينهم ومصر والأردن بعد نحو ربع قرن من «التفاهم» هذا الجو الجديد الذي أفرزته مواجهات العامين الأخيرين، يكون السبب الذي دفع بنسبة عالية من الإسرائيليين الى الانغلاق داخل ساحة التشدد التي يشغلها شارون. ويرى معلق شؤون الشرق الأوسط في جريدة «لوماتان» بأنه ليس من المنطق التفكير بأن الإسرائيليين عموما يساندون وزيرهم الأول لأنه مجرم أو يشاركونه الجريمة، لكن المنطق الذي فرضه شارون على الأرض دفع مختلف الأطراف الى رؤية مفادها أن لا أمن بوجود الطرف الآخر. فحملة الاغتيالات وهدم البيوت والترحيل القسري والمداهمات المنافية لجميع القوانين والأعراف كان طبيعيا أن تغرس في الفلسطينيين ليس روح المقاومة من أجل التحرر فحسب ولكن أيضا روح الانتقام من الظالمين. وحصار ياسر عرفات يمثل قمة العجرفة التي تدفع الى تعميق روح الانتقام لدى الفلسطينيين, فهم لم يعد لهم ما يخسرون إن جازفوا. وشارون يفهم هذا جيدا ويرى فيه الوسيلة المثلى للتغلب على خصومه في اسرائيل نفسها. من كل هذا يبدو أن السيناريو المحتمل و دون الدخول في التفاصيل سيكون التصعيد وإن كان بصفة متقطعة كما جرى حتى الآن منذ أكثر من عام بين تنظيمات المقاومة الفلسطينية المختلفة والحكومة الإسرائيلية. ولا يبدو في الأفق أي مسار جدي لوقف تدهور الوضع. ويمكن أن تنسحب اسرائيل كليا أو جزئيا من المناطق التي تحتلها لكن ذلك لا يعدو أن يكون تحضيرا لجولة جديدة من الحصار والاحتلال إما ردا على ضربات المقاومة أو في «حملات وقائية» خاصة وأن «الهجوم الوقائي» صار عقيدة في واشنطن. وإسرائيل تعمل على استنساخ الفعل الأمريكي بحذافيره بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث لا يمكن للأميركان أن ينبهوا شارون على ممارسة ما مارسوه هم أو يلوحون بممارسته خاصة في العراق حيث التحضير «لهجوم وقائي» من خطر مفترض. محمد اسماعيل رئيس القسم الدولي بجريدة اليوم يقول: اعتقد أن الولايات المتحدة رغم انحيازها الكامل لإسرائيل إلا أنها ستتخذ خطوات من أجل تهدئة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية وستعزز وعودها بقيام الدولة الفلسطينية ويدخل هذا في إطار الحملة الأمريكية لضرب العراق. وأرى أن السيناريو سيتكرر، فكما ولدت الحرب الأولى على العراق عام 1991 اتفاقيات أوسلو التي وضعت أرضية السلطة الفلسطينية وأنهت الوضع السابق، ستكون نتيجة الحرب التي تدبر لها أميركا على بغداد الآن بالنسبة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي اتفاقيات أخرى يمكن أن تنتهي بقيام دولة فلسطينية. ولا شك أن إدارة جورج ولكر بوش تعمل على استثمار وضع كهذا لتحقيق مكاسب تساعدها على حشد التأييد خلال الانتخابات على العهدة الرئاسية الثانية. ووقوف جميع فصائل المقاومة الفلسطينية صفا واحدا مع عرفات أيام حصاره يقوي هذا الاحتمال ويؤكد للأميركان وللغرب إمكانية قيام اتفاق فلسطيني ـ فلسطيني حول مشروع، وهذا يبدد المخاوف القائمة من اقتتال بين الفصائل وباستمرار حالة التوتر في ظل تعدد الأصوات الفلسطينية التي تشارك في قيادة الرأي العام والمقاومة. وهذا يؤكد أيضا أن الفلسطينيين لا يقبلون بفرض قيادة بديلة من واشنطن أو غيرها. وسيسمح هذا الوضع لعرفات بحصد الأغلبية من الأصوات خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة، لكن حنكته وحنكة النخبة الفلسطينية ستستقر على التعامل مع الموقف بما يسمح بتحقيق الهدف الرئيسي بقيام الدولة ومعالجة الملفات الكبرى في جو أقل توترا. وستترجم هذه الحنكة دون شك بتنازله عن صلاحيات واسعة لرئيس حكومة يوقع الاتفاقيات مع حكومة اسرائيل ما بعد شارون. محمود بلحيمر نائب رئيس تحرير مكلف بالشؤون الدولية في جريدة الخبر: أشير أولا إلى ان أحداث 11 سبتمبر 2001 سمحت بتدشين عهد أمريكي ـ إسرائيلي جديد في الوطن العربي. بحيث استخدمت شعارات محاربة الارهاب والتطرف لإعادة ترتيب الأمور في المنطقة وقد دفعت الأولويات المحددة أمريكيا ودوليا في محاربة الارهاب شارون الى اختصار الطريق لكسب مزيد من دعم الإسرائيليين بمزيد من دم الفلسطينيين. وبالنظر للمعطيات الحالية المتسمة بصمود فلسطيني وتأييد لعرفات وتعنت إسرائيلي وبالدعم الأميركي لتل أبيب و وقوفها في وجه أي قرار دولي يجرمها بالإضافة الى غياب الدور العربي الفاعل، فإن السيناريو المرجح هو استمرار اسرائيل في استغلال المناخ الدولي الحالي للضغط عسكريا على السلطة لجرها الى مواجهة المقاومة التي لم تقف فقط موقفا بطوليا بمواجهاتها اليومية للاجتياح لكنها أعادت الانتفاضة الى منبعها كقوة شعبية عملاقة من خلال الالتفاف المثالي حول الرئيس المحاصر. ما يعمل به شارون هو إضعاف كافة مؤسسات الدولة الفلسطينية وإضعاف دورها في المجتمع وجعلها غير قادرة على السيطرة على الوضع داخل الأراضي الفلسطينية، وهذا لتطويعها بغرض افتكاك تنازلات جديدة في موضوع الأرض واللاجئين والترتيبات الأمنية الجديدة التي تحل محل الاتفاقات السابقة وفي مقدمتها أوسلو، وهي لعمري ترتيبات تقترب من الاستسلام لأن أوسلو كانت الحد الأقصى الذي يمكن للفلسطينيين تحمله. وللأسف فإن ما عزز هذا الاتجاه التصعيدي من اسرائيل لإضعاف القيادة الفلسطينية بغرض التهام مزيد من الأراضي و توسيع مجال الترحيل و الضغط لإيجاد بؤر توتر داخل الجسم الفلسطيني لنشر الفرقة بين أطراف المقاومة وبين المقاومة والسلطة، هو الموقف العربي الضعيف أكثر من أي وقت مضى الذي أربكته الحرب الأميركية على الارهاب. حيث كان موقف العرب متذبذبا من هذه الحرب ذاتها حتى أنهم ظهروا في كثير من الأحيان في ثوب المستهدف المباشر فاتخذوا مواقف دفاعية عجلت بتقدم اسرائيل واحتلالها الصف الأول. قد يبدو هذا تسطيحا لما يجري لكنه في تقديري الواقع بعينه. وإن ركز الإسرائيليون والأميركان الى حد كبير على إضعاف دور السلطة ودور ياسر عرفات باعتباره رمز النضال الوطني الفلسطيني، واستخدموا القوة العسكرية الى أقصى حد لتحقيق نتائج في أسرع وقت ممكن فإن الرقم الأهم في المعادلة هو المقاومة بشقيها الشعبي والمسلح، حيث ساعدتها قسوة ممارسات الاحتلال على كسب مزيد من التأييد لموقفها الذي يرفض التخلي عن الانتفاضة كعامل حاسم في تعديل الموازين وتوظيف إنجازاتها في أية مفاوضات مستقبلية مع الإسرائيليين. والانتفاضة وحدها يمكن أن تكون وسيلة الضغط على المجتمع الإسرائيلي لفرض موازين قوى جديدة في غير صالح الاتجاه الشاروني. ويرى الخبير السياسي محفوظ بنون بأنه من الخطأ اليوم الحديث عن تسوية المشكلة في الأرض التي كانت قبل 1948 فلسطين ثم تحولت الى اسرائيل وأراضي السلطة، في معزل عن الوضع العام في المنطقة، ذلك أن النظرة الجيو ـ سياسية الآن شاملة لمنطقة الشرقين الأوسط والأدنى. فالولايات المتحدة التي تقود حربا على الارهاب الدولي وضعت سيناريوهات للمنطقة كلها وتعمل اليوم على كسب التأييد لمنهجها في إعادة ترتيب الأمور. ولا شك أن عددا كبيرا من دول المنطقة ستنخرط في المخطط الأميركي. وحل الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين يدخل ضمن الاطار العام لهذا المخطط. الجزائر ـ مراد طرابلسي :

Email