يقدر عدد السكان في الاراضي الفلسطينية بعد عام من انطلاق انتفاضة الاقصى بحوالي 3.33 ملايين نسمة، منهم 2.2 مليون في الضفة الغربية والباقي في قطاع غزة.. ويتميز المجتمع الفلسطيني عن غيره من المجتمعات الاخرى في كونه مجتمعا يافعا، حيث تصل نسبة الافراد الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة حوالي 47.4%، أما نسبة الشباب مابين 15 إلى أقل من 35 فتصل الى 33.1% أي ان نسبة من تقل اعمارهم عن 35 عاما في فلسطين تصل الى 80.3%، وهي واحدة من أعلى النسب في سن الشباب في العالم كله، اضافة الى ان ارتفاع الخصوبة واتجاهاتها في الاراضي الفلسطينية تشير الى أن المجتمع الفلسطيني سيبقى مجتمعا يافعا خلال العقود الثلاثة المقبلة وترصد دراسة حديثة عنوانها «الشباب الفلسطيني ومستقبل المقاومة في فلسطين» للباحث عاطف السعداوي ـ كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة اختلاف ـ جيل الشباب الفلسطيني الحالي عن الاجيال السابقة في الحياة النضالية اليومية ضد الاحتلال الصهيوني، فإذا أخذنا بالمعيار العمري لتعريف الشباب وهو من 15 إلى 35 سنة فسوف نجد أن هذا الجيل ولد وترعرع في فترة الاحتلال الاسرائيلي الكامل لكل الاراضي الفلسطينية أي مابعد نكسة 1967 وتقول الدراسة ان أطفال هذا الجيل شاهدوا جنود ورموز الاحتلال الاسرائيلي في كل مكان من حولهم، وعايشوا في مراحل عمرهم أشكال العدوان الاسرائيلي على الارض والوطن، وسمع أطفال هذا الجيل كلاما وقصصا وروايات كثيرة عن أجيال سابقة مثل جيل النكبة من 48 إلى 1967، وممن تبقى من الجيل الأسبق جيل الانتداب 17 إلى 1947، سمعوا الكثير عن الوطن الذي كان ملكا خالصا للفلسطينيين وعن الاحتلال البريطاني، ثم الاغتصاب الصهيوني، وعن المقاومة الباسلة اثناء الثورة الشعبية بقيادة عز الدين القسام في اواخر الثلاثينيات وبقيادة فوزي القاوقجي وعبدالقادر الحسيني في اواخر الاربعينيات، وسمع عن الخيانات والانقسامات بين اعيان جيل الانتداب، وعن التشرذم بين الحكومات والأنظمة العربية والدولية للجيل الثاني، كما شاهدوا الحروب العربية الفلسطينية التي اندلعت في شوارع عمان 70 و1971، وفي شوارع بيروت وصيدا وصور والمخيمات 75 إلى 1981، وعاشوا أول حرب فلسطينية ـ اسرائيلية مباشرة عام 1982 مع الاجتياح الصهيوني لجنوب لبنان ثم حصار بيروت، كما سمع أطفال هذا الجيل ـ الحالي ـ كلاما كثيرا وبيانات تأييد وتضامن ووعود من الحكومات العربية لكن دون تحرير شبر واحد من الأرض الفلسطينية حتى ان مبادرة كامب ديفيد لم تخفف وطأة الاحتلال ولو ذرة. أطفال الانتفاضة من هنا ـ وكما تقول الدراسة ـ فإنه حينما انفجرت الانتفاضة الفلسطينية الأولى في اواخر عام 1987 فانها عبرت عن كل مشاعر الغضب عند هذا الجيل وقراره الجماعي التلقائي بأن يقاوم الاحتلال بنفسه وان يكون زمام المبادرة في يديه دون اذن من احد سواء من داخل أو خارج فلسطين، وهو الأمر الذي ساعد على صبغ هذه الانتفاضة بخصائص هذا الجيل التي ميزته عما سبقه من اجيال فهو جيل المبادرة، والابداع، والشجاعة، والتضحية لقد أدت هذه المواجهة الرائعة التي قادها الأطفال في الانتفاضة الأولى الى نتائج هامة لم تكن تحدث لولا هذه الانتفاضة الا وهي اعتراف الاسرائيليين وبعد طول نفي وانكار ان هناك اخر وان هذا الاخر له مطالب وحقوق واستحقاقات وان هذا الاخر سيبقى ولن يختفي، ومن ثم لابد من التعامل معه وعدم تجاهله، وكانت تلك هي بداية الطريق الى مفاوضات أوسلو ثم الاعتراف المتبادل عام 1993. شباب في الأقصى وتضيف الدراسة بانه عندما دنس شارون المسجد الأقصى باقتحامه له اندلعت الانتفاضة الثانية التي اصبح هدفها التحرير والاستقلال، هذه الانتفاضة كان وقودها هم نفس وقود الانتفاضة الأولى عندما كانوا اطفالا تتراوح أعمارهم مابين سبع سنوات وخمسة عشر عاما، لقد اصبحوا مع بداية الانتفاضة الثانية مابين السابعة عشرة والسابعة والعشرون، وبالتالي فإن هذا الارتقاء العمري بالاضافة الى اختلاف الأهداف فيما بين الانتفاضتين كان سببا في اختلاف الوسائل المستخدمة وفي النقلة النوعية في اداء وتكتيكات المقاومة الفلسطينية، فبعد ان كنا نتحدث عن الحجر وانواعه والمقالع والنبلة وغيرها من الأدوات اليدوية في الانتفاضة «الأولى»، اصبحنا نتحدث في الانتفاضة «الثانية» عن العمليات الاستشهادية، والأسلحة الاتوماتيكية بل وصاروخ «البنا»، وصاروخ «القسام1». وقذائف الهاون والـ «أر. بي. جي».. كما ان عنصر الشباب كان هو الغالب في قيادات التنظيميات الفلسطينية الفاعلة في الانتفاضة خاصة اجنحتها العسكرية التي غلب عليها عنصر الشباب سواء على مستوى القيادات أو مستوى منفذي العمليات الاستشهادية. ففي خلال الفترة من يناير 2002 وحتى نوفمبر من العام نفسه استشهد مايقرب من 48 شابا ينتمون الى كتائب عز الدين القسام تراوحت اعمارهم بين 18 إلى 33 عاما وكذلك استشهد خلال عام 2001 حوالي 64 شهيدا قساميا تراوحت اعمالهم بين 19 و 37 عاما، وذلك اثناء قيامهم بعمليات استشهادية أو نتيجة لاستهدافهم من قبل قوات الاحتلال. ويقول الباحث عاطف السعداوي ان ما ينطبق على منفذي العمليات الاستشهادية ينطبق أيضا على قيادات كتائب عزالدين القسام من حيث سيطرة عنصر الشباب ويظهر ذلك جاليا اذا نظرنا الى اعمار القيادات التي استشهدت خلال الفترة المذكورة من عام 2002، فالرجل الثاني في كتائب القسام في منطقة جنين وهو نزيه أبوالسباع يبلغ من العمر 29 عاما واستشهد في فبراير الماضي، أما قائد كتائب القسام في جنين هو «محمود على الحلوة» واستشهد في يناير الماضي وكان عمره 31 عاما، أما قائد كتائب القسام في المنطقة الجنوبية والوسطى بقطاع غزة فهو محمود مطلق عيسى «أبومصعب» فاستشهد عن عمر 35 عاما، كذلك استشهد القائد السري لكتائب القسام في الضفة الغربية وهو يوسف عبدالحميد السركجي عن عمر 40 عاما. ومن هنا فإن التعرف على هذا التدرج السني لتلك القيادات التي استشهدت يعطى دلالة واضحة على غلبة العنصر الشبابي على بقية المواقع القيادية في كتائب عزالدين القسام، والتي من الصعب التعرف عليها الا بهذه الطريقة حيث ان اسماء هؤلاء الناشطين ومواقعهم القيادية تظل سرا لا يعرفه أحد الا بعد استشهادهم. دور محوري لعل ما يبرهن على الدور المحوري الذي يلعبه الشباب في قيادة العمل العسكري الجهادي ضد الاحتلال هو أن أكثر شخصين كانا مستهدفين من قبل قوات الاحتلال، لم يتجاوز عمرهما 30 سنة، وهما الشهيد يحيى عياش الذي وصف بأنه مهندس التفجيرات والذي طور أسلوب الهجمات الاستشهادية عقب مذبحة الحرم الابراهيمي في فبراير 1994، وقد تم اغتيال يحيى عياش في يناير 1996 عن عمر يناهز 30 عاما. أما الثاني فهو محمود أبوهنود الذي كان يعتبر قائد كتائب القسام في الضفة الغربية وحاولت اسرائيل اغتياله أكثر من مرة الى ان نجحت في ذلك يوم 23 نوفمبر 2001 وكان عمره وقتها ايضا 30 عاما. وتشير الدراسة الى أن ما ينطبق على كتائب القسام ينطبق أيضا على بقية المنظمات الفلسطينية التي لها اجنحة عسكرية فنجد عنصر الشباب هو الذي يسيطر على المواقع القيادية في كتائب شهداء الاقصى، وسرايا القدس.. وهذا أمر ليس بالمستغرب لأنه كما سبق القول فإن العمل العسكري يختلف عن العمل السياسي فالأول يحتاج الى عناصر شابة قادرة على التخطيط وعلى تحمل عبء التنفيذ، ولا يعني هذا أن أسلوب العمل العسكري هو الراعي الوحيد لتواجد الشباب في تلك المنظمات، لانه يمكن ان يقال العكس وهو ان تواجد الشباب في تلك المنظمات هو الذي فرض أسلوب العمل العسكري، ومن ثم يمكن القول ان هناك علاقة تبادلية بين الهيكل العمري لتلك المنظمات وبين أسلوب العمل، فالعمل العسكري لا يقوم به الا الشباب، وبالعكس، فالشباب الذي انضم الى تلك المنظمات الجهادية تخرجت اغلبيته الساحقة من الجامعات ونسبة كبيرة منهم خريجو كليات علمية مثل الهندسة والعلوم، ثم طوروا في أسلوب العمل العسكري فكان عدد كبير منهم يقوم بتصنيع العبوات الناسفة من مواد خام محلية بالاضافة الى تصنيع الزجاجات الحارقة والقنابل اليدوية بل انهم قاموا بتصنيع بعض أنواع الصواريخ المنزلية مثل «القسام 1 و2» الذي يصل مداه 12 كيلومترا ويستطيع ان يصل الى قلب المستوطنات الاسرائيلية في ثوان معدودة ولا شك ان هذا التطور الخطير في أساليب مواجهة المحتل ما كان ليحدث لولا أن وراءه عقول شابة لديها من العلم والكفاءة بمقدار ما لديها من الايمان. وقود الانتفاضة تنتقل الدراسة الى رصد الفئات العمرية التي تستهدفها عمليات التصفية الاسرائيلية حيث تلاحظ انها تستهدف الفئات الشبابية بحيث ان متوسط عمر الشهداء الذين قضوا نحبهم خلال الفترة من سبتمبر 2000 الى مارس 2002 هو 8 و17 سنة. كما وصلت نسبة الشهداء في الفئة العمرية اقل من 15 سنة الى 10.8% من مجموع الشهداء، في حين أن الفئة العمرية من 15 إلى 35 سنة بلغت نسبة الشهداء فيها 68.8% من مجموع الشهداء، أما من هم فوق 35 عاما فقد بلغت نسبتهم 12.3% من مجموع الشهداء.. ويلاحظ من ذلك ان عمليات التصفية الاسرائيلية للشعب الفلسطيني ركزت بالاساس على فئة الشباب «من 15 إلى 35 سنة»، ليس باعتبارها الفئة التي قادت العمل العسكري ضد اسرائيل فقط وانما باعتبارها ايضا الفئة التي سوف تقود العمل في المستقبل، ويؤكد ذلك ان نسبة كبيرة ممن يتم تصفيتهم لم يكن لهم علاقة مباشرة مع الأجهزة العسكرية للتنظيمات الفلسطينية، ولكن ـ حسب الرؤية الاسرائيلية ـ يتم اعدادهم للقيام بعمليات في المستقبل وما يؤكد أيضا ما ذكره الجنرال الارهابي «مئير داجان» الذي أعد الخطة الأمنية لمواجهة الانتفاضة قبيل الانتخابات الاسرائيلية الماضية، فقد صرح هذا الارهابي بتاريخ 18 يناير 2002 للتلفزيون الاسرائيلي قائلا: يتوجب على اسرائيل الا تضللها حقيقة مرور ايام الهدوء الكاذبة، فمن يتحدث عن هدوء أما انه ساذج أو يريد تضليل الجمهور، ففي وقت الهدوء هناك من يشغل نفسه بالاعداد لعمليات كبيرة مقبلة، ولذلك علينا ان نعمل ضد كل أولئك الذين يتورطون في عمليات ارهابية أو حتى أولئك المرشحين للانضمام الى دائرة الارهاب الفلسطيني، أعنى انه اذا كان لدينا اعتقاد أن أحدا ما سوف يساهم في اراقة دماء يهودي فعلينا ان نتحرك ضده على الفور سواء بالاعتقال أو التصفية. وهذا بالفعل ما طبقه شارون حتى أن اكثر المصطلحات العبرية التي ظهرت وانتشرت في الاعلام الصهيوني خلال الانتفاضة كان هو «بتسسامتكتيكت» أي «القنبلة الموقوتة» وهذا المصطلح يطلقونه على كل شاب فلسطيني يتم تصفيته، وهو يعني ان كل واحد من هؤلاء كان قبل اغتياله يعد لعملية عسكرية كبيرة ضد أهداف اسرائيلية، وان تصفيته ضرورية جدا من اجل مايخطط له من عمليات، وان عمليات التصفية من وجهة النظر الصهيونية هي عمل اخلاقي من الطراز الأول. وهي مثل ابطال مفعول قنبلة موقوتة تستهدف الناس. تحمل التبعات تؤكد الدراسة أن الشباب لم يكونوا وقود الانتفاضة من خلال الاعداد الكبيرة التي قدموها للاستشهاد فقط، ولكن ايضا من خلال تحملهم معظم تبعات الانتفاضة من حصار وتجويع واهدار لحقوق العمل والتعليم والرعاية الصحية وغيرها من الخدمات، فبسبب العدوان الاسرائيلي تضاعفت نسبة النساء الحوامل اللواتي لم يتلقين رعاية صحية اثناء الحمل الى 4.5 اضعاف منذ بداية انتفاضة الاقصى، وفيما يتعلق بالعملية التعليمية فقد افادت احدى الدراسات انه حتى ابريل 2001 كان هناك 126.795 طالباً وطالبة افادوا بأن مدارسهم تعرضت للاعتداء سواء بالقصف، أو الاغلاق أو المداهمة أو تحولت الى ثكنة عسكرية، كما ان 36% من الأطفال «5 ـ 17» سنة قد افادوا بانه تم تقليص فترة الدراسة، وحتى شهر أغسطس 2001 كانت 6 مدارس قد تم اغلاقها لمدد تتراوح بين شهر وشهرين بأوامر عسكرية، وانقطعت الدراسة في 66 مدرسة بسبب منع التجول. وتعرضت 95 مدرسة للقصف، فيما تم اقتحام 33 مدرسة. وفيما يتعلق بسوق العمل فقد انخفض عدد المشاركين في القوى العاملة بمقدار 62 ألف ما بين شهر سبتمبر 2000 ويوليو 2001 كما ارتفع معدل الأفراد الذين لا يعملون ولا يبحثون عن عمل بسبب اليأس بمقدار 22.1%. كما ارتفع عدد الذين لا يعملون سواء كانوا يبحثون عن عمل أو لا يبحثون عن عمل من 172.5 ألفاً في سبتمبر 2000 إلى 293 ألف شخص في شهر يوليو 2001، كما ارتفعت نسبة الاعالة الاقتصادية من 4.8 في شهر سبتمبر 2000 الى 6.7 في يوليو 2001 وبلغ معدل الارتفاع 36.7% كذلك انخفضت نسبة العاملين في اسرائيل والمستوطنات من 129 ألف شخص في سبتمبر 2000 الى 66 ألفاً في يوليو 2001 بمعدل انخفاض مقداره 49% ولا شك ان كل هذه التبعات التي خلفتها الانتفاضة على الشعب الفلسطيني تحمل الشباب راضيا الجانب الأكبر منها.