روسيا في قبضة اللوبي الصهيوني

ت + ت - الحجم الطبيعي

الملف السياسي: يمثل التغلغل الصهيوني الواسع في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية الروسية ظاهرة فريدة حقا يصعب تكرارها في تاريخ أي مجتمع فخلال السنوات القليلة السابقة لانهيار الاتحاد السوفييتي، والتالية لظهور روسيا الاتحادية كدولة مستقلة، تمكن اللوبي الصهيوني من فرض سيطرته على مختلف جوانب الحياة الروسية بصورة تفوق قوتها حتى قوة نظيره الأمريكي الذي تضرب بسطوته الأمثال. ويقدر المراقبون أنه بعد سنوات قليلة من حكم يلتسين اصبح اليهود يمثلون نسبة تتراوح بين ثلث ونصف شاغلي المناصب السياسية والاقتصادية والاعلامية والثقافية والعلمية الهامة في روسيا.. بينما يبلغ عددهم مابين ثمانمائة ألف ومليون نسمة، يمثلون أقل من واحد في المائة من سكان البلاد البالغ عددهم نحو مائة وسبعة واربعين مليون نسمة!! لذلك فإننا نستخدم التعبيرين كمترادفين، رغم ادراكنا لوجود استثناءات قليلة من اليهود غير الصهاينة، أو حتى المعادين للصهيونية.. فهي استثناءات تؤكد القاعدة. وغني عن البيان ان هذا التغلغل الصهيوني واسع النطاق كان له تأثيراته السلبية الخطيرة على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في روسيا، وعلى سياستها الخارجية عموما، وسياستها تجاه الشرق الأوسط خصوصا، وتجاه الصراع العربي - الاسرائيلي بصورة أخص. لكن كيف تمكن الصهاينة من التغلغل بكل هذه السرعة وكل هذا العمق على بلد ضخم كروسيا؟ الواقع ان الحركة الصهيونية العالمية والمخابرات الغربية، وخاصة الأمريكية، لم تكف أبدا عن النشاط بين يهود الاتحاد السوفييتي السابق. واتخذ هذا النشاط صورة مكثفة أكثر بعد قيام اسرائيل عام 1948، وبصورة أخص منذ مطلع الخمسينيات، حين تم تشكيل جهاز مخابرات اسرائيلي متخصص في العمل بين يهود الاتحاد السوفييتي هو جهاز الناتيف التابع مباشرة لرئيس الحكومة. وكانت مهمة هذا الجهاز منذ نشأته هي تنيم الخلايا السرية بين اليهود السوفييت وممارسة الدعاية الصهيونية بين صفوفهم، وتعليمهم اللغة العبرية، واعدادهم للهجرة في الحدود التي كانت تسمح بها السلطات السوفييتية. ولعل هذا يوضح سر السرعة والكفاءة اللتين كانت تتم بهما الهجرة بمجرد فتح الباب أمامها، كما يساعد على فهم ظاهرة التدفق الهائل للهجرة إلى اسرائيل بمجرد فتح جورباتشوف الأبواب امامها في أواخر الثمانينيات. وشهدت فترة البيريسترويكا في النصف الثاني من الثمانينيات بداية بروز قوة اللوبي الصهيوني ثم كان بروز بوريس يلتسين على المسرح السياسي، فرصة ضخمة لتعزيز قوة اللوبي الصهيوني الذي قدم كل أشكال الدعم الممكنة ليلتسين داخل البلاد وخارجها، بالتنسيق مع الحركة الصهيونية العالمية والحكومات الغربية واجهزة مخابراتها واعلامها. وكان طبيعيا، والحال هكذا، ان يربط يلتسين نفسه بطاقم من المساعدين والمستشارين اليهود الصهاينة الذين سرعان ماتقلدوا المناصب الوزارية بعد ثورة برئاسة الجمهورية في يونيو 1991 قبيل انهيار الاتحاد السوفييتي، ثم بعد انهيار الدولة السوفييتية وقيام روسيا كدولة مستقلة. وفي مقدمة هؤلاء أناتولي تشوبايس مهندس الخصخصة الشهير وأول رئيس للجنة الحكومية لادارة ممتلكات الدولة وزارة الخصخصة وأبرز وجوه مجموعة الاقتصاديين اللينينجراديين الشبان التي كان اليهود يمثلون عمادها، وجدير بالذكر أن تشوبايس لا يزال حتى الآن يحتل موقعا اقتصاديا بالغ الأهمية، فهو يشرف على ادارة شبكة الطاقة الموحدة للدولة الروسية. وقد اصبح وزيرا وأقرب مساعدي يلتسين وعمره 34 عاما فقط عام 1991 وهو يهودي تعيش والدته نصف الوقت في اسرائيل. ومن أبرز أقطاب اللوبي اليهودي في بداية عهد يلتسين ايضا ايجورجايدار القائم باعمال رئيس الحكومة الروسية في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي، حتى سحب الدوما الثقة منه في ديسمبر عام 1992 وتولى جايدار منصبه الخطير بينما كان عمره 36 عاما لا أكثر وهو الآن أحد أقطاب تحالف القوى اليمينية، الحزب الذي يمثل أقصى اليمين في الحياة السياسية الروسية. ظاهرةالطفل اليهودي المعجزة تجسدت أيضا في أقطاب للوبي الصهيوني الروسي مثل بوريس نيمتسوف الذي اصبح نائبا لرئيس الوزراء الأسبق تشيرنوميردين، حينما كان عمره لا يزال 36 عاما ثم نائبالطفل يهودي معجزة اخر هو سيرجي كيرينيكو الذي اصبح رئيسا للوزراء عام 1998 وعمره 35 عاما فقط لا غير لتتم اقالته خلال عدة أشهر، بعد ان قاد الاقتصاد الروسي الى الافلاس واعلان عجز الدولة عن سداد ديونها الداخلية والخارجية واستمر نيمتسوف نائبا لرئيس الوزراء في حكومة السياسي المخضرم يفجيني بريماكوف، بضغط من يلتسين على بريماكوف. امبراطوريات اقتصادية والواقع ان الحركة الصهيونية الروسية تمكنت من تحقيق هذا التغلغل السياسي الواسع والعميق بفضل تنظيمها المحكم ودعم الحركة الصهيونية العالمية والغرب لها. بينما كانت الأحزاب والحركات اليسارية والقومية الروسية، وعلى رأسها الحزب الشيوعي أكبر أحزاب البلاد، تواجه الضربات وتتعرض للملاحقة الشرسة، وصولا الى ضرب البرلمان بمدفعية الدبابات في أكتوبر 1993واحتاجت تلك الأحزاب والحركات الى عدة سنوات لكي تتمكن من تنظيم صفوفها. وهو وقت استغله اللوبي الصهيوني في السيطرة على أهم ركائز الاقتصاد الروسي من خلال عملية الخصخصة وبناء امبراطوريات اقتصادية واعلامية ضخمة، الأمر الذي ساعد على تحقيق مزيد من السيطرة السياسية للوبي الصهيوني. فمن خلال سيطرة ممثلي اللوبي الصهيوني على أهم المناصب الحاكمة لرسم وتنفيذ السياسية الاقتصادية تحولت عملية الخصخصة في روسيا الى أكبر عملية نصب في التاريخ بحكم ضخامة الاقتصاد الروسي . وكان من الطبيعي أن يفوز اليهود بنصيب الأسد فيها. فقد تمت عملية الخصخصة بصورة عشوائية لا ضابط لها ولا رابط. واتسمت بشيوع الفساد فيها على أوسع نطاق. وحسب وبيانات رسمية روسية فإن مشروعات كبرى لا تقل قيمتها السوقية عن مائتي مليار دولار 200مليار دولار قد تم بيعها بنحو سبعة مليارات دولار لا أكثر 7 مليارات!! أي بالمجان من الناحية العملية. وكان طبيعيا ان يكون الأكثر قدرة على الاستحواذ على تلك المشروعات الاشخاص الأكثر تنظيما، والأقرب الى مواقع اتخاذ القرار. وكان هؤلاء هم اليهود.. وبتعبير أدق نشطاء اللوبي الصهيوني. ومن أبرز المستفيدين من الخصخصة شخصيات مثل بوريس بيريز وفسكي القطب الصهيوني البارز ذو الجنسية المزدوجةالروسية - الاسرائيلية. وقد تمكن خلال السنوات الثلاث الأولى من عهد يلتسين من بناء امبراطورية اقتصادية ضخمة تضم شركات لصناعة وتجارة السيارات، وشركات نفطية وغيرها. وتشير قرائن كثيرة الى ارتباطه بعصابات المافيا الروسية، وخاصة كبراهاعصابة لسولنتسفوالتي يتزعمها سيرجي ميخائيلوف وهو بدوره يهودي مزدوج الجنسية روسي - اسرائيلي. ومن أبرز مليارديرات الخصخصة الصهاينة ايضا فلاديمير جوسينسكي رئيس المؤتمر اليهودي الروسي، ونائب رئيس المؤتمر اليهودي العالمي وهو مؤسس ومالك مؤسسة موست المصرفية - الاقتصادية الضخمة. ومن أبرزهم ايضا الملياردير رومان أبراموفيتش المعروف باسم ملك الألومونيوم لسيطرته على مصانع ضخمة للألومنيوم ضمن أنشطة أخرى. وهؤلاء الثلاثة أصبحوا بمرور الوقت من أقرب المقربين الى الرئيس السابق بوريس يلتسين ضمن دائرة ضيقة أهم اعضائها الآخرين اناتولي تشوبايس - الذي سبقت الاشارة اليه تفصيلا - وأليكسندر فولوشين رئيس الديوان الرئاسي ليلتسين ثم ليوتين وتاتيانا ديا تشنكو - يلسينا، ابنة الرئيس السابق وصديقة بيريزوفسكي الحميمة. وقد ظلت هذه البطانة لسنوات تحكم روسيا فعليا من خلال سيطرتها على الرئيس السابق - الذي كان مريضا أغلب الوقت - متجاوزة كل مؤسسات الدولة الدستورية وهيئاتها المنتخبة. ونظرا للشواهد التي تشير الى ارتباط عدد من أفراد تلك المجموعة بالمافيا، وللطابع العصابي في ادارتهم للدولة أطلقت عليهم الصحافة اسم العائلة تشبيها لهم بعائلات المافيا. أباطرة الاعلام ومع قطع خطوات في تكوين الامبراطوريات الاقتصادية - المالية بدأ المليارديرات الصهاينة يتجهون للسيطرة على الاعلام. وتمكن بيريز وفسكي من تكوين امبراطورية اعلامية ضخمة بحلول أوساط التسعينيات، من خلال امتلاكه لحصة مسيطرة من أسهم قناة «شزء» القناة الأولى للتلفزيون الروسي، التي تحظى بـ 37 من المشاهدين في وقت الذروة.. وكذلك جريدة نيزافيسيما باجازيتا- الجريدة المستقلة - واسعة النفوذ. كما بسط سيطرته على مجلة أوجوتيوك- القبس أكثر المجلات الأسبوعية توزيعا، فضلا عن السيطرة أو ممارسة نفوذ قوى على مجلات وصحف أخرى أقل أهمية. أما فلاديمير جوسينسكي فقد تمكن من بناء امبراطورية اعلامية تضم قناة-«ضشخ» القناة المستقلة، التي يشاهدها 18% من مجموعة المشاهدين وقت الذروة، كما أسس جريدة سيفودنيا اليوم - اليومية واسعة الانتشار وضم الى امبراطوريته اذاعةانجوموسكفي صدى موسكو، فضلا عن حصص في صحف واذاعات أخرى. الصدام مع بوتين معروف أن بوتين جاء إلى الحكم باتفاق مع يلتسين والعائلة بعد أن أصبح استمرار الأخير في السلطة أمرا غير مقبول لأسباب لا يتسع المجال للخوض فيها. ومعروف أيضا أن بوتين هو ربيب كار دينال العائلة أناتولى تشوبايس الذي جاء به من بطرسبورج إلى الكريملين، ووقف وراءه عبر مراحل صعوده المتتالية حتى أصبح رئيسا للدولة، كما كان من المتفق عليه أن الرئيس الجديد الذي جاءت به العائلة لن يفتح ملفات الفساد، وسيواصل خدمة مصالح أولئك الذين جاؤوا به إلى عرش الكريملين . وقد التزم بوتين بذلك كله لعدة أشهر.. إلى ما بعد انتخابه رسميا في 26 مارس 2000 وساندة أباطرة الاعلام الصهاينة بحماس في حملته الانتخابية . إلا أن الشعبية الواسعة التي حققها بوتين نتيجة لدوره في الحرب الشيشانية من جهة، والقوة التي يمنحها مقعد الرئاسة من جهة ثانية، والتذمر الواسع من الفساد وبلطجة المافيا التي تجاوزت كل الحدود المعقوله من جهة ثالثة وضغوط القوى السياسية كلها تقريبا عدا اليمين المتطرف من جهة رابعة .. كلها أمور دفعت بوتين للتفكير في ضرورة التغيير.. ولو بصورة محدودة تساعد على تجميل وجه النظام الذي يقف على قمته.. غير أنه لم يكد يبدأ الحديث عن بديهيات مثل مكافحة التهرب الضريبي أو مكافحة الجريمة المنظمة، حتى أنقض عليه إعلام بيريزوفسكي وجوسينسكي بضراوة.. ووقع الصدام . وإتضح أن إمبراطورية بيريزوفسكي الاعلامية مدينة بعشرات الملايين لشركةجاز بروم العملاقة التي تسيطر الدولة على معظم أسهمها . ولاشك أن هذا كله يمثل إضعافا مؤقتا للوبي الصهيوني وخصوصا في مجال الاعلام لكن رجال الاعلام الصهاينة لايزال المليارديرات الصهاينة من أمثال أبراموفيتش وخوددروفسكي موجودين وقادرين على إقامة مؤسسات جديدة . ولايزال المسئولون اليهود في مراكزهم القيادية وبإختصار فإن اللوبي الصهيوني قد خسر معركة أضعفت أسوأ ممثليه وأكثرهم ارتباطا بعالم المافيا.. لكنه لايزال شديد القوة سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الإعلامي. وهو لوبي معروف بضراوته في القتال، وتسانده الحركة الصهيونية العالمية، ويدعمه الغرب وإذا كان قد خسر معركة فإن من السابق لأوانه الحكم على مصير حرب ستكون طويلة وضارية.. إذا كان بوتين يريدها أصلا ، .هذا أمر مشكوك فيه إلى حد كبير .. بدليل أنه لا يغلق باب التصالح مع بيريزوفسكي وجوسينسكي . وعلى من يشك في قوة اللوبي الصهيوني الروسي أن يتأمل سياسة موسكو في الشرق الأوسط هذه الأيام. ـ كاتب مصري

Email