التعاون التقني تجاه المستقبل، بقلم: د. الطيب زين العابدين

ت + ت - الحجم الطبيعي

بيان الاربعاء: انعقد الاجتماع العاشر للجنة التعاون العلمي والتقني، التى أسستها منظمة المؤتمر الاسلامي منذ عام 1981، فى بداية الأسبوع الثالث من شهر فبراير بالعاصمة الباكستانية التى تستضيف مقر اللجنة ويتولى رئيس جمهوريتها رئاسة اللجنة. وشهد الاجتماع ممثلون من خمس وثلاثين دولة من عضوية المنظمة البالغة 58 دولة. وتدل نسبة الحضور على ضعف اهتمام دول العالم الاسلامي بالتعاون العلمي والتقني فى وقت تجلت فيه أهمية العلوم والتقانة فى زيادة معدلات النمو الاقتصادي والاجتماعي لكل بلد، كما اتضح أن نقل التقانة من العالم المتقدم (أمريكا وأوربا) غير مناسب فى معظم الأحيان لبلاد العالم الثالث وغير متيسر لما تحيطه من قيود تفتعلها الدول المتقدمة ولما تطلبه من تكلفة عالية. وليس غريبا أن اللجنة تعانى من أزمة مالية حادة ظهرت فى نداءاتها المتكررة لأجهزة منظمة المؤتمر الاسلامي أن تدعم مالية اللجنة وأنشطة مراكزها المنتشرة فى عدد من البلاد الاسلامية، بل وأن تدعم مؤسساتها الوطنية العاملة فى مجال تطوير العلوم والتقانة. وبما أن اللجنة لا تتلقى اشتراكات ملزمة من الدول الأعضاء فان العادة جرت بأن تتقدم الوفود بمساهمات طوعية فى نهاية كل اجتماع لتمويل الأنشطة للعامين المقبلين، وبالرغم من أن الوفود أجازت بالاجماع الميزانية المقترحة من السكرتارية فى حدود سبعة ملايين وربع مليون دولار الا أن مساهماتها لم تزد على مليون وستمائة وخمسين ألف دولار، دفعت منها باكستان وحدها مليون دولار ودفعت الباقي ست دول هى بالترتيب: سلطنة عمان ثم السعودية فايران والسودان ونيجريا وسوريا. ولا يبدو أن مؤسسات العلوم والتقانة الوطنية فى بلادها بأحسن حالا من وضع لجنة التعاون التابعة لمنظمة المؤتمر الاسلامي من حيث اهتمام الحكومات بها وتمويل أنشطتها ومشاريع أبحاثها. وهذا مظهر صارخ للتخلف الذى تعاني منه دول العالم الاسلامي فى مجالات الحياة المختلفة. ولولا صمود بعض العلماء المتناثرين هنا وهناك فى مراكز البحث العلمى بانحاء العالم الاسلامى لما كان هناك من انجاز يذكر فى الاجتماع العاشر للجنة التعاون العلمى والتقني. وقد استمعت اللجنة لتقارير مشجعة من بعض وحداتها البحثية تمت بعد انعقاد اجتماعها التاسع فى عام 1999 فى مجالات التقنية الحيوية، ودراسات المحيطات، وموارد الطاقة المتجددة، ودراسات الفضاء، وطب المناطق الحارة، وموارد المياه. وأشادت اللجنة بالتقدم العلمي الذي أحرزته كل من الجامعة الاسلامية للتقنية والأكاديمية الاسلامية للعلوم، كما عبرت عن اعجابها بالمجهود الذى بذله كل من بنك التنمية الاسلامى والمنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة فى مجال تشجيع العلوم والتقانة فى البلاد الاسلامية المختلفة. وكانت أهم مشروعات الاجتماع الحالى الاقتراح الثوري، الذى تقدم به الرئيس برويز مشرف بصفته رئيسا للجنة وحظي بموافقة كافة الوفود، بانشاء صندوق اسلامي يتكون من بلايين الدولارات يخصص لدعم تطوير العلوم والتقانة فى دول منظمة المؤتمر ويجمع باشرافه من بعض الدول الاسلامية المختارة. وأجاز الاجتماع تأسيس وحدات بحثية جديدة فى مجال الزراعة الحيوية فى دبي، وفى مجال التقنيات الحدودية وتقنية المعلومات فى باكستان، وفى مجال الطاقة المتجددة بالنيجر. وحظي السودان بوحدتي بحث فى مجالي العلوم البيطرية ودراسات البيئة، ويعزى ذلك لديناميكية وزير العلوم والتقانة السودانى، بروفيسور الزبير بشير طه، الذى اختير مقررا عاما للاجتماع. واستطاع الوزير أن يعقد خارج اجتماعات اللجنة اتفاقيتي تعاون مع كل من وزارة العلوم والتقانة الباكستانية التى يتولاها عالم الكيمياء الفذ بروفيسور عطاء الرحمن ومع منظمة «كومسات» العالمية التى مقرها فى باكستان. اشتملت الاتفاقية الأولى على انشاء محاضن تقنية فى المدينة الاليكترونية التى يزمع السودان انشاءها شمال الخرطوم، ومشروعات بحثية لتطوير الأدوية البيطرية وتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية وانحدارات المياه الصغيرة ومخلفات الحيوان وغيرها، وزيادة انتاجية القطن والأرز وصناعة برامج الكومبيوتر. وحددت الاتفاقية تكلفة هذه المشروعات بمليون دولار تدفع مناصفة من الحكومتين، كما حددت الجهات البحثية التى تتولى التنفيذ فى البلدين. واشتملت الاتفاقية الثانية على انشاء مركز بالسودان لصيانة الأجهزة الكهربائية والاليكترونية، وتطوير صناعة الجلود، وأعطى السودان فرصا تدريبية فى كل دورات كومسات المقبلة. كما اختير مركز اقليمي يتابع تنفيذ مشروعات الهيئة فى المنطقة الافريقية. ويعتبر نصيب السودان فى هذه الدورة هو الأفضل مقارنة بالدول الأخرى وبما حصل عليه السودان فى السابق. ويبقى التحدى الصعب أمام وزير التقانة فى اقناع وزارة المالية السودانية «البخيلة عادة» فى توفير المال المتواضع المطلوب لتنفيذ هذه المشروعات الهامة بالرغم من أن ربان الوزارة الأول لا تنقصه الرؤيا الاستراتيجية ولا الخيال المبدع. وقد فعلها من قبل فى حالة استخراج البترول، فهل سيفعلها ثانية فى تطوير التقانة لدعم الاقتصاد السودانى؟

Email