العلاقات الامريكية السعودية بين الثبات والاهتزاز

ت + ت - الحجم الطبيعي

الملف السياسي: ترجع العلاقات الامريكية ـ السعودية الى الثلاثينيات من القرن الماضي، تحديداً عام 1931 عندما اعترفت الولايات المتحدة بنظام الملك عبدالعزيز والذي كان يسمى ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها، وقد جاء ذلك الاعتراف متأخراً على الاقل سنتين ربما لان منطقة الشرق الاوسط عموماً لم تكن محور اهتمام الولايات المتحدة يضاف الى ذلك الوجود البريطاني الفرنسي الذي هيمن على اوضاع المنطقة، كما ان انعدام الاهتمام بشئون السياسة الدولية عموماً يعزى ايضاً الى الصراع التاريخي في السياسة الخارجية الامريكية المتمثل باتجاه الانعزالية مقابل الفعالية في العلاقات الدولية، فعندما شعرت امريكا ان انعزالها بعد الحرب العالمية الاولى قد اسهم في اختلال العلاقات الدولية محدثاً انعداماً في التوازن بين القوى المحركة للسياسة الدولية، مما ادى الى زيادة حدة التوتر في الشئون الدولية، بدأت امريكا تنظر باهتمام الى شئون وقضايا عوالم ما وراء البحار ومنها منطقة المشرق العربي او ما اصبح متعارفاً عليه بمنطقة الشرق الاوسط. فيما يتعلق بالعلاقات السعودية ـ الامريكية يبدو من سياق الاحداث التاريخية ان بدايتها كانت ذات طابع اقتصادي وذلك بتوقيع المملكة العربية السعودية اتفاقية التنقيب عن النفط مع الشركات الامريكية عام 1932. ومنذ ذلك الوقت اخذت العلاقات في التنامي بين البلدين، على انها لم تبلغ مرحلة التمثيل الدبلوماسي حتى عقد الاربعينيات من القرن الماضي، ويعزى ذلك دخول امريكا الحرب العالمية الثانية وبكل ثقلها الاقتصادي والسياسي والعسكري لصالح الحلفاء من ناحية اخرى فإن انهاء الصراع بين الاتجاهات الانعزالية والفعالية في العلاقات الدولية لصالح الاتجاه الاخير قد اسهم اسهاماً كبيراً في تنمية العلاقات بين البلدين. فقد بدأت امريكا تتطلع للقيام بدور فاعل في السياسة الدولية قبيل وبعد انتهاء الحرب، وانتهاء بمؤتمر مالطا لعام 1945 والذي جمع كلاً من روزفلت، ستالين، وتشرشل، وذلك بهدف وضع اسس النظام الدولي الجديد بعد هزيمة المانيا وايطاليا واليابان. واستمراراً لهذا النهج الجديد في السياسة الخارجية الامريكية دعا الرئيس الامريكي الملك عبدالعزيز الى لقائه على متن الطراد الحربي الامريكي كوينسي في بورسعيد والذي تم في الرابع عشر من فبراير عام 1945، اي قبل سبعة وخمسين عاماً خلت، وقد يأتي هذا اللقاء لاعتبارات متعددة لدى الطرفين اهمها: اولاً: لقد لاحظت الولايات المتحدة ان دور المملكة العربية السعودية قد اخذ يتنامى في المنطقة وذلك بعد تمكن الملك عبدالعزيز من توحيد معظم شبه الجزيرة العربية تحت اسم المملكة العربية السعودية، ولذلك فإن المبادرة في اللقاء بين الرئيس الامريكي والملك عبدالعزيز قد جاءت من قبل الرئيس الامريكي روزفلت، والذي قد بادر بسؤال الملك عبدالعزيز عما يمكن تقديمه للملك عبدالعزيز What can I do for you?، وهي عبارة بروتوكولية تطلق بهدف اظهار حسن النية، على ان الملك عبدالعزيز قد رد باجابة قصيرة ومفاجئة حيث قال لروزفلت «انك قد طلبت الاجتماع بي واعتقد ان لديك شيئاً تود ان تقوله او تطلبه، من هنا بدأت الصورة الذهنية تتشكل لدى الرئيس الامريكي واجهزة رسم السياسة الخارجية الامريكية تجاه شخصية الملك عبدالعزيز والسعودية كدولة يجب السعي لبناء علاقات وطيدة ذات طابع استراتيجي معها. ثانياً: لقد كان للانتصارات التي حققها الملك عبدالعزيز دور مهم في سعي الادارة الامريكية في تلك الفترة من السعي لبناء علاقات متينة مع الدولة الناشئة. وبهذا الصدد يجدر القول ان منجزات مسيرة الوحدة السعودية كانت غير مسبوقة، فقد تمكنت القيادة السعودية من تحقيق وحدة اندماجية بين اجزاء وامارات كانت متنازعة ومتناحرة تحت لواء دولة وسلطة مركزية واحدة وضعت حداً للفوضى التي عمت شبه الجزيرة العربية لفترة طويلة من الزمن وبذلك فقد بدأت اولى خطوات التنمية السياسية المتمثلة بتحقيق الوحدة تمهيداً لبناء دولة عصرية. ثالثاً: ادراك الادارة الامريكية لأهمية موقع المملكة العربية السعودية ودورها المتعاظم في العالمين العربي والاسلامي بسبب وجود المقدسات الاسلامية على اراضيها وتأكيد الدولة الناشئة على البعد الاسلامي للنظام السياسي السعودي داخلياً وخارجياً. رابعاً: ادراك الادارة الامريكية للأهمية الاقتصادية للدولة الناشئة لاسيما بعد اكتشاف النفط بكميات تجارية من قبل الشركات الامريكية، وما يترتب على ذلك من ضرورة لبناء تحالف بين البلدين، ولادراك الادارة الامريكية أهمية الدور الذي سيلعبه النفط في الاقتصاد العالمي وذلك منذ عقد الثلاثينيات من القرن الماضي. اما فيما يتعلق بالسعودية، فقد كان لديها ايضاً مجموعة من الاعتبارات اسهمت في تشجيع الملك عبدالعزيز على مقابلة روزفلت والسعي لتطوير العلاقات بين البلدين، فقد نظرت السعودية الى امريكا على انها دولة غير استعمارية، لذلك فان الملك عبدالعزيز قد اوضح الى الرئيس روزفلت ان السعودية تسعى لبناء صداقة مع الولايات المتحدة، يضاف الى ذلك ادراك الملك عبدالعزيز لاهمية الدور الامريكي بعد الحرب حيث انه توقع ان الولايات المتحدة بعد هزيمة المانيا واليابان، وخلو العالم من قوة سياسية عالمية سيعني تعاظم دور امريكا بل وهيمنتها على العلاقات الدولية مما يتطلب التعامل مع تلك القوة بكل حكمة وموضوعية، كما ان السعودية نظرت الى الاكتشافات الامريكية النفطية على انها تشكل مصدراً مالياً يعتمد عليه في تفعيل مسيرة التنمية، مما يتطلب بناء علاقات وطيدة مع الولايات المتحدة. القضية الفلسطينية احدى بؤر التوتر من الجدير بالذكر ان البعد الاسلامي والعربي في التوجهات السياسية للسعودية قد ظهر في الاجتماع المشار اليه آنفاً حيث ناقش الملك عبدالعزيز مع الرئيس الامريكي مشكلة فلسطين والتي بدأت تتبلور ملامح مستقبلها والمتمثلة بانشاء وطن قومي لليهود في فلسطين فطالب الملك عبدالعزيز من الرئيس الامريكي بأن تلعب الولايات المتحدة دوراً رئيسياً في حل القضية الفلسطينية وذلك بقيام الولايات المتحدة بالتشاور مع المملكة والدول العربية الاخرى قبل ان تتخذ اي قرار بشأن القضية الفلسطينية. وقد استمر هذا التوجه والالتزام من قبل الادارة الامريكية حتى مجيء ترومان للحكم والذي اعترف بالدولة اليهودية الناشئة بفعل تنامي دور اليهود كقوة سياسية ضاغطة في السياسة الخارجية الامريكية، بالرغم من معارضة وزارة الخارجية لذلك الاعتراف والذي نظرت اليه الخارجية على انه يمثل انتهاكاً للعهد الذي قطعه روزفلت كما انه سيلحق الضرر بالمصالح الامريكية الوطنية لاسيما مع الدول العربية والاسلامية، كما سيلحق الضرر بدور امريكا في منطقة الشرق الاوسط. ومنذ ذلك الحين كانت القضية الفلسطينية ولاتزال تشكل احد اهم الموضوعات الثابتة على جدول اعمال البلدين حيث تتأثر تلك العلاقة سلباً او ايجاباً بتطور الاوضاع فيما يخص القضية الفلسطينية. وقد استمر نهج الملك عبدالعزيز المتمثل بالنظر للقضية الفلسطينية على انها ذات طابع محوري في السياسة الخارجية السعودية في عهود ابنائه من بعده سعود، وفيصل، وخالد وفهد. على ان تلك النظرة السعودية للقضية قد ادت الى احداث توتر في العلاقات بين البلدين الصديقين لاسيما في عهد الملك فيصل والذي اتخذ قراره التاريخي بحظر النفط عن امريكا والغرب بسبب مواقفها المتحيزة لصالح اسرائيل، على ان العلاقات بين البلدين عادت للتحسن بل وبلغت حد التحالف الاستراتيجي في العقود الثلاث اللاحقة، وبهذا الصدد فقد اكد الرئيس الامريكي ريجان في لقائه بالملك فهد عام 1985 ان الصداقة والتعاون بين البلدين والشعبين يمثل جوهرة ثمينة يجب المحافظة عليها قبل الوسائل. وقد استمرت العلاقات في التنامي في فترة الازدهار النفطي في السبعينيات وتعززت في الثمانينيات بسبب اهمية السعودية ودورها في مواجهة الشيوعية وترتيب اوضاع منطقة الشرق الاوسط بما في ذلك المساهمة في انهاء الصراعات الاقليمية والدعوة لاحلال السلام في منطقة الشرق الاوسط. على ان اهم محاور تقاطع المصالح بين البلدين في الثمانينيات تمثل بمواجهة التوسع الشيوعي في العالم الاسلامي لاسيما بعد غزو الاتحاد السوفييتي لافغانستان والذي لم تدخر فيه السعودية جهداً لايقاف ذلك المد والعمل على هزيمة الشيوعية ومن الجدير بالذكر ان هزيمة الشيوعية في افغانستان وانهيارها في عقر دارها في مرحلة لاحقة قد كان ثمرة للتعاون الوثيق بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بشكل خاص. فقد لعبت السعودية دوراً مركزياً في المواجهة ضد الشيوعية وذلك لاعتبارات متعددة اهمها ما تعلق بالاوضاع السياسية في الولايات المتحدة الامريكية. وبهذا الصدد فقد اوضح الامير تركي الفيصل في المحاضرة التي القاها مؤخراً في جامعة جورج تاون انه «بعد فضيحة ووتر جيت كانت اجهزة المخابرات الامريكية قعيدة ومتوقفة عن النشاط بأمر من الكونجرس الامريكي، او لتعويضهم عن نقص المعلومات التي يحتاجونها قررت السعودية ومصر، والمغرب، وفرنسا وايران، تكوين مجموعة اطلق عليها Safari Club مهمتها جمع المعلمومات وتبادلها لوقف النشاط السوفييتي عالمياً وفي افريقيا بعد استقلال انجولا وموزمبيق: فتعزز بذلك اهمية الدور السعودي في مواجهة الشيوعية مرتكزة على اعتبارات دينية، من ناحية اخرى فقد تواصل التنسيق بين البلدين وذلك فيما يتعلق بالقضايا المحورية التي عصفت بمنطقة الشرق الاوسط لاسيما حربي الخليج الاولى والثانية. اما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والتي كما اشرنا سابقاً انها جسدت احد اهم بؤر التوتر في العلاقات فيما بين البلدين، فقد قدمت السعودية مبادرتها التي وصفت بأنها «جريئة» في مطلع الثمانينيات سميت بمبادرة «فهد» والذي كان ولياً للعهد في ذلك الوقت حيث قدمت المبادرة حلولاً واقعية للصراع العربي الاسرائيلي والمتمثل بانشاء دولتين في فلسطين والاعتراف المتبادل فيما بينهما وتحقيق المتطلبات الامنية لهما ولجميع مدن المنطقة، ومن هذا المنطلق شاركت السعودية في مؤتمر مدريد للسلام باعتبار ان القضية الفلسطينية تشكل اهم قضايا السياسة الخارجية السعودية. تداعيات 11 سبتمبر على ان تعثر مسيرة السلام بسبب مواقف اسرائيل العدائية وانحياز الادارات الامريكية المتعاقبة لصالح اسرائيل قد ازم العلاقات السعودية ـ الامريكية واضعاً المملكة بين اختيارين تمثلا اما بالاستجابة لنبض الشارع السعودي والعربي والاسلامي ومبادئها المتعلقة بالقضية الفلسطينية واما الاستمرار في علاقاتها المتينة مع الولايات المتحدة كما هي فانحازت المملكة الى مبادئها وقيمها. وبذلك فقد طالبت السعودية الادارة الامريكية وبشكل غير مسبوق بضرورة التدخل الفوري لوضع حد للاعتداءات الاسرائيلية الصارخة بحق الشعب الفلسطيني ومثلت الرسالة التاريخية التي ارسلها الامير عبدالله، ولي العهد السعودي للرئيس الامريكي بوش في اغسطس الماضي منعطفاً مهماً في العلاقات السعودية ـ الامريكية، على ان الاحداث المؤسفة التي وقعت في الولايات المتحدة في شهر سبتمبر الماضي قد ساهمت في زيادة حدة التوتر بين البلدين. وان كان هذا التوتر يبدو جلياً من خلال الحملات الاعلامية الامريكية على الملكة السعودية في الوقت الذي يحاول فيه الرسميون من كلا البلدين احتواء الموقف والاشادة بتعاون الطرفين في مكافحة ظاهرة الارهاب الدولي. فيما يتعلق بالحملة الاعلامية الشرسة ضد السعودية، فقد استمرت تلك الحملة من قبل الدوائر المعادية لمواقف السعودية، وحقيقة الامر ان هذه الحملة المستعرة قد استهدفت السعودية ديناً، وحكومة وشعباً وقيادة وقيماً ومناهج تعليم، كما شككت الجهات الواقفة خلف الحملة بجدية السعودية في مكافحة الارهاب بل حملت السعودية مسئولية انتاج الارهاب الدولي، على انه تجدر الاشارة الى وجود اصوات موضوعية ترى ان هذه الحملة الاعلامية الشرسة ضد المملكة ليس لديها ما يبررها اطلاقاً، فعلى حد تعبير بل ريتشاردسون وزير الطاقة السابق، وسفير الولايات المتحدة السابق لدى الامم المتحدة، ان تلك الحملة ليس لديها ما يبررها ولو ان السعودية ـ التي تتمتع بدورها وثقلها في العالمين العربي والاسلامي لم تدعم الحملة الدولية ضد الارهاب فانه لن يكتب لها النجاح كما وصف السعودية بأنها «احد اهم القوى المعتدلة في منطقة الشرق الاوسط والعالم الاسلامي». وخلاصة القول فيما يتعلق بالعلاقات السعودية الامريكية ومستقبلها فانه يمكن القول انه طالما ان الازمة الحالية لم تحدث شرخاً في العلاقات الرسمية بين البلدين يصعب ردمه فانه لا محالة ستؤدي الى تقوية العلاقات بين البلدين حيث ان للأزمات الدولية جوانب ايجابية تتمثل باعادة تقويم العلاقات بين البلدين والاستفادة منها في بناء علاقات ثابتة قائمة على اساس من الاحترام المتبادل وخدمة للمصالح القومية بين البلدين. ـ استاذ العلوم السياسية ومدير مركز الدراسات السعودية ـ واشنطن

Email