بيان الاربعاء ــ إضاءة خليجية ــ القمة العربية .. احتقانات ومتفجرات ــ بقلم: عبد الله بشارة

ت + ت - الحجم الطبيعي

نشرت جريدة (الشرق الاوسط) في عددها الصادر يوم السبت 24 فبراير الجاري تصريحا للدكتور عصمت عبدالمجيد الامين العام لجامعة الدول العربية يقول فيه بان الملفات كلها ستكون مطروحة, ولن يتم استبعاد اي ملف ومنها ملف المصالحة العربية, موضحا ان هذه القضية تشغل بال الجامعة العربية, وانها مازالت هي الغائب الحاضر في كل القمم العربية التي عقدت منذ ازمة ,1990 ومن جانب آخر اكد سفير عمان ومندوبها في الجامعة العربية انه يتفق مع الامين العام لجامعة الدول العربية على ضرورة ان تناقش القمة المقبلة كل القضايا العربية ومنها قضية المصالحة العربية, واوضح ان بلاده ترى ان الوضع العربي الراهن لا يجب ان يظل على ماهو عليه, ويجب طي الخلافات وبدء صفحة جديدة في العلاقات العربية ــ العربية, وان يتم بذل كل الجهود المشتركة في هذا الاتجاه. ويبدو ان الدفع نحو ترتيب جدول اعمال واسع وشامل يأخذ الاولوية لدى بعض الدول العربية, وليس في اعتراض على النهج, غير انني لا اعتقد بان قمة عمان قادرة على بحث التباينات والخلافات العربية كلها, وليست مؤهلة للتعامل مع هذه الخلافات او حتى واحدة منها, لان الخلافات ليست شخصية وليست مزاجية, وانما هي حصيلة تباعد في المصالح وفي الفلسفات والمنظور, وهي حصيلة تجارب مريرة ومذابح فظيعة, وليست خلافات على ارث او مشكلة وقف على الاراضي تعالج بمذكرات يكتبها محترفو الكتابة, وقد تنتهي بنداءات النخوة والفروسية. الكاتالوج مملوء بالعقبات والمآسي, ابتداء من الصحراء الغربية في شمال افريقيا, وخلافات ايديولوجية واستراتيجية بين المغرب والجزائر وتونس وليبيا, وحروب اهلية في الصومال والسودان, ومآسي في مسيرة السلام بعد مجيء شارون وتجميدها, والرموز التي يمثلها شارون نفسه, والتباين مع سوريا ولبنان وبين السلطة الفلسطينية. وفي منطقة الخليج تبقى الامور كما كانت عليه من ترقب وحذر وحيطة, وفي العراق ما زال الشعب العراقي الشقيق يعاني من عقوبات ممجوجة, وتهديداته مرات الى الكويت والسعودية, واحيانا ايران, وطوال الوقت للولايات المتحدة وبريطانيا. ليست هذه الحالة من صنع الخيال, وانما هي واقع العالم العربي الذي يتأثر اعضاؤه بالواقع الجغرافي ــ السياسي, وبالتزامات الجوار وبالارتباطات الدولية, وليس من المفيد تصوير الواقع العربي وكأنه وحدة متماسكة, وعائلة واحدة تختلف صباحا, وتلتقي في المساء, مثل هذا التصور السريالي لا يعزز فرص العمل العربي المشترك. ومع اقتراب قمة عمان, من المفيد ايضا تعميق النظر في جدول اعمال مبسط ومباشر ينال الاجماع ولا يسبب في المزيد من الخصام والتباعد. هناك اجماع حول مسيرة السلام, واجماع حول اجراء تقييم واسع وعميق عن مجرى السلام في عهد باراك, واجماع حول فحص فرص السلام في عهد شارون, ودراسة احتمالات المستقبل مع المشروع الشاروني, والبحث عن آليات كبدائل للمشروع التأزمي الذي يطرحه الجنرال شارون. واعتقد ان قمة عمان قادرة على تحقيق النجاح اذا حصرت مداولاتها في ثلاثة مسارات هادئة لا تحرك المتفجرات الصامتة والنائمة على ارض العالم العربي. اولها: مسيرة السلام, كما ذكرت في صدر هذا المقال, وكما يهددها برنامج شارون الذي سيدخل المنطقة في حالة من التوتر المسكون بامكانيات واسعة من الانفجار وفقدان السيطرة على الحالة الملتهبة, والدفع نحو الاحتقان واليأس الذي قد يدفع الى اداء انتحاري غير متوقع. ثانيا: ونحن نعيش في عصر التكتلات التي تفرضها فلسفة العولمة, وعصر الاصلاح الاقتصادي والتجاري, كما تفرضه شروط منظمة التجارة العالمية, من المتوقع ان تركز القمة على مسببات اخفاقات حركة التجارة البينية بين الدول العربية, رغم تصاعد الرغبة في التوقيع على اتفاقيات التجارة الحرة, وقد خيم الشلل والجمود على حركة التجارة العربية لاسباب لابد من دراستها, ابرزها اختلاف الفلسفات الاقتصادية وجمود الهيكلة في الكثير من الدول, والخوف من الانفتاح والتخصيص والخوف من قواعد حرية التجارة وسياسات السوق, ولذلك كثرت التحفظات على قوائم الاعفاء التي سبق ان اعدتها الجامعة العربية, والتي افرغت الاتفاقيات من محتواها وسحبت منها حيويتها. اهمية التجارة الحرة هي تعميق قوانين المصالح من خلال بناء التداخل الاقتصادي والتجاري والمنافعي بين الدول العربية, ومن المنطق ان نقبل بحقائق السياسة, فلن تعطي دولة ما اي شيء من مصالحها دون عائد سياسي او تجاري. السوق العربية المشتركة هي ساحة واسعة, لانسياب الصادرات والواردات داخل العالم العربي دون قيود, ووفق منظور اقتصادي ليبرالي, وسقف زمني متدرج, ويجب اعطاء هذا البند اولوية خاصة في قمة عمان. والمسار الثالث الذي يجب ان تنظر القمة المقبلة في مكوناته هو البعد الانساني في العلاقات الرسمية والشعبية العربية, وهو جزء لا يتجزأ من العولمة الانسانية التي تثمن دور الانسان ومكانته وتحرص على حريته وتعطيه حماية لائقة بآدميته. بعض الدول العربية لا ترى المعايير الانسانية العالمية بعين الرضا, لان شرعيتها لم تأت من مبايعة تاريخية شعبية, وانما جاءت من حالات فوضوية انقلابية تجذرت بالاستبداد والتنكيل والابادة, وقد نتج من تلك الاوضاع غير الطبيعية, ان يكون محتوى الجامعة العربية متناقضا في داخله وفي علاقاته مع المسار الانساني العالمي. ونرى مجموعات داخل الجامعة العربية على قائمة العقوبات الدولية ومجموعات على قائمة الارهاب الامريكي, ومجموعة خليجية لها تواصل صحي وشرعي مع المحيط الدولي, وآخرون لهم علاقات حسنة ومستقيمة مع النظام العالمي مثل حالات الاردن ومصر وشمال افريقيا. من بين الدول النامية, تبقى المجموعة العربية الوحيدة التي لم يدخلها الاصلاح السياسي والاقتصادي بشكل عام, حالتها الآن في التنمية الاقتصادية الاجتماعية اضعف مما كانت عليه منذ عشر سنوات, نصف سكان العالم العربي يعيشون على دولارين في اليوم, انخفض دخل الفرد في جميع اعضاء الجامعة العربية, ولم تنجح اي منها بالاسهام باي نسبة من تكوين خمسة آلاف سلعة دولية تجوب الاسواق العالمية من مشتقات علوم وتكنولوجيا وصناعات دقيقة. كل هذه العناصر تفرض على الدول العربية تحديث هيكلتها السياسية والاقتصادية والتجارية والاجتماعية بما يؤدي الى الانفتاح الفكري والثقافي والانساني. وبدون ذلك ستبقى الدول العربية في آخر قائمة المصلحين من اعضاء الاسرة الدولية. وتبقى كلمات عن المصالحة والمصارحة, ولا اعتقد ان هذا النهج لائق بالعلاقات بين الدول التي يأخذ التطبيع بينها وفق نهج المصالح والتفاهم, ووفق قواعد السلوك الدولي والالتزام بها والايمان بالضوابط التي تنظم التواصل بين الشعوب. ولا تأتي الدعوة الى التصالح وفق ذهنية قبلية او اسرية, وانما حسب احكام متفق عليها تشكل الارضية الصلبة التي تقوم عليها حركة التفاهم بين الدول. ليس بين العراق والكويت مشكلة, هناك حالة غزو تم التعامل معها دوليا, وانتهت بترتيبات تنظم العلاقة بين العراق ومجلس الامن, وعندما يفي كل طرف بهذه الترتيبات وينفذ بنودها, تعود الامور بشكل طبيعي وتدريجي بين العراق والاسرة الدولية. ولا يوجد حالة اسمها الانفصال عن منظومة الشرعية الدولية, او الخروج عن قواعدها فالمؤتمر المقبل في عمان, ينعقد تحت اجواء الشرعية الدولية, لايمكن له ان يتحدى بنودها ومتطلباتها. فالعالم العربي ليس كوكبا يعوم في الفضاء بمفرده, وانما هو جزء من الهيئة البشرية التي عالجت المشاكل بين اعضائها حسب نواميس وضوابط تعطي لكل طرف حقه في الحياة والأمن دون لجوء الى العنف, وتكفل مصالح الجميع دون ان يتمتع طرف بمصالح واسعة على حساب الآخرين , ولذلك فان القواعد المعروفة في الفضاء البشري تنطبق على لقاء عمان. ولا ينفع العالم العربي تكسير هذه القواعد في خروج غير مبرر على سياسة التعايش السلمي داخل هذه المنظومة البشرية. ولذلك فان النصيحة الصادقة هي الابتعاد عن المطبات المملوءة بالالغام, والبحث عن قضايا الاجماع, وتبني فلسفة التدرج في العمل السياسي والاقتصادي والانساني داخل الجامعة, بلا طموحات مدمرة قد تضيع الممكن في الاجتهاد نحو المستحيل. الكثير من البارزين في التاريخ انتهت حياتهم بكوارث بسبب عدم قدرتهم على التفريق بين الممكن والمستحيل, نجحوا في الممكن وسقطوا في المستحيل. ولو كان لي خيار لناديت بابعاد الملف العراقي عن مؤتمر عمان لانه سينسف الاجتهادات, وربما ابعاد ملفات اخرى, والاكتفاء بقضايا السلام والتنمية.

Email