بيان الاربعاء ــ إضاءة يمنية ــ الانتخابات وتعديل الدستور _ بقلم: د. محمد عبد الملك المتوكل

ت + ت - الحجم الطبيعي

رغم التزامي بمواصلة الحديث عن فعاليات الجنادرية والمتغيرات الثقافية داخل المجتمع السعودي وتصورات المثقف السعودي لمستقبل الجزيرة والخليج في ظل عالم التكتلات الا انني, معتذرا للقارىء, مضطر للتوقف الى حين لكي نتابع جميعا المستجدات داخل الساحة اليمنية التي تشهد هذه الايام حراكا سياسيا شديد الحساسية, وعظيم الاهمية, ولنتائجه اثر كبير على المستقبل السياسي المنظور للجمهورية اليمنية. توجه اليمنيون الى صناديق الاقتراع في العشرين من فبراير لانتخاب ممثليهم في المجالس المحلية من ناحية, ولتحديد موقفهم من تعديل الدستور من ناحية اخرى, وتعديل الدستور وقيام مجالس محلية حدثان مهمان يتعلق بهما مستقبل العمل الديمقراطي في اليمن, فالمجالس المحلية هي خطوة اساسية في مشاركة الشعب في ادارة شئونه المحلية ورغم ان القانون لم يلب المطالب الشعبية في اقامة حكم محلي واسع الصلاحيات يملك المواطن فيه الحق في انتخاب قيادات وحداته الادارية الا ان المراهنة على ان تكون المجالس المحلية خطوة على الطريق الطويل وموقعا من مواقع النضال في سبيل تطور افضل, اما السلطة فتراهن على ان هذه المجالس لن تكون اكثر من استكمال للديكور الديمقراطي. وقضية التعديل للدستور لا تقل اهمية ان لم تكن اشد خطورة على مستقبل العمل الديمقراطي, فالتعديلات المطروحة للاستفتاء هي في نظر المعارضة ردة خطيرة والتفاف على الهامش الديمقراطي, وعودة الى النظام الشمولي الاستبدادي اما السلطة فترى في التعديل تصحيحا للمسار واستجابة لواقع الحال. رغم اعتراض المعارضة على المخالفات الفاضحة للدستور وقانون الانتخابات وعلى الاجراءات غير الدستورية التي تمارسها السلطة الا ان جميع القوى السياسية قررت المشاركة في الانتخابات المحلية وقررت المشاركة في الاستفتاء على التعديلات المطروحة من قبل السلطة للدستور. المشهد يوحي ان الساحة السياسية اليمنية قد انقسمت الى فريقين لا ثالث لهما: فريق السلطة وحزبها الحاكم المؤتمر الشعبي العام وفريق المعارضة الذي يضم احزاب مجلس التنسيق والتجمع اليمني للاصلاح الذي لم يعلن معارضته للتعديلات لكنه عمليا يمارس هذه المعارضة وبشكل خاص كوادره القاعدية, الانتخابات تجرى تحت اشراف اللجنة العليا للانتخابات والتي يفترض انها لجنة محايدة تملك كل السلطة في ادارة شئون الانتخابات لكن الوقائع تدل على انها لجنة مغلوبة على امرها وانها لا حول لها ولا قوة, وان اللجنة الامنية التي يفترض انها تابعة لها هي التي تتحكم كليا في الاجراءات العملية وحين جاءت احزاب المعارضة الى اللجنة العليا للانتخابات تشكو التعديات على ملصقاتها ومنع مرشحيها من التعبير عن رأيهم نحو التعديلات الدستورية قالت قيادة اللجنة انها تحمل اللجنة الامنية المسئولية, وحين شكت الاحزاب من استخدام الحزب الحاكم للاعلام العام لخدمة اتجاه واحد وحرمان المعارضة من التعبير عن رأيها نحو التعديلات الدستورية كان رد اللجنة هو الاستحسان ان تتصل المعارضة بالرئيس علما بأن القانون ينص على وضع الاعلام الرسمي في هذه المرحلة تحت اشراف اللجنة العليا, لقد كان واضحا ان اللجنة العليا للانتخابات لا تملك من امرها شيئا وانها في وضع ادعى الى الشفقة من وضع المعارضة. واضح ان الحزب الحاكم يستخدم كل امكانيات الدولة وسلطاتها ومقدراتها لصالح الرأي الواحد والاتجاه الواحد وهذا ولا شك يتعارض مع الدستور الذي ينص على حيادية مؤسسات الدولة وحتى يتحقق التكافؤ للمتنافسين ولا تهتز الثقة في سلامة الاستفتاء ونزاهة الانتخابات, مع كل تلك الظواهر والاشد منها الخلل في سجلات الناخبين فإن المعارضة مصرة على المشاركة وعلى الا تترك الساحة للسلطة والحزب الحاكم, ومراهنة المعارضة تقوم على احتمالين: الاحتمال الاول: ان تقلب الجماهير حسابات السلطة رأسا على عقب, وان تنزل للمشاركة بكثافة تفوق ترتيبات السلطة, وان تقول هذه الجماهير لا للتعديلات للدستور وان تنتخب في المجالس المحلية غير من راهن عليهم الحزب الحاكم وحينها يسقط في يد السلطة وحزبها وتنتصر ارادة الجماهير, وتقبل السلطة بالنتيجة. الاحتمال الثاني: ان السلطة تسعى بشكل فاضح الى التزييف وبذلك يفقد الاستفتاء وتفقد الانتخابات الشرعية ويصبح واضحا على المستوى المحلي والاقليمي والدولي ان السلطة مارست القهر بالاغتصاب وعملت على تزييف ارادة الجماهير, ووضوح هذه الحالة في حد ذاتها تعتبره المعارضة انتصارا لان ورقة التوت قد سقطت. مكاسب المعارضة من المشاركة لا تقف عند هذا الرهان, فالانتخابات قد اتاحت لها فرصة لتحريك كوادرها, والتعبير عن رأيها واطلاع الجماهير على برامجها وتقديم نفسها كبديل قادر على تحقيق اهدافها. لقد ادركت المعارضة بوضوح ان المقاطعة للانتخابات عمل سلبي يضر بها ويعزلها عن مجتمعها, ويحرم كوادرها من الحراك السياسي الذي يتحقق من خلال المشاركة, اكثر الاحزاب ادراكا لهذه الحقيقة اليوم هو الحزب الاشتراكي اليمني الذي قاطع الانتخابات عام ,1997 كوادر الحزب الاشتراكي اليوم تتحرك على طول البلاد وعرضها تعبر عن نفسها ووجودها بقوة وشجاعة, ومن خلال المهرجانات التي تقيمها تستعيد كوادر الحزب ثقتها في نفسها وبشكل خاص حين تلمس تعاطف قطاع كبير من الجماهير معها, والذين تابعوا مهرجانات الحزب الاشتراكي وفعالياته هذه الايام تبينوا بوضوح كم كان الحزب الاشتراكي مخطئا في حق نفسه حين قاطع الانتخابات عام 1997. على اي حال بصرف النظر عن عدد المقاعد التي تحصل عليها المعارضة في المجالس المحلية, وبصرف النظر عن نجاحها او فشلها في التصويت بالنسبة للتعديلات الدستورية فإن نزول المعارضة الى الجماهير واتاحة الفرصة لها لعرض برنامجها والتعبير عن رأيها, وتقديم نفسها كبديل للفئة والحزب الحاكم هو في حد ذاته مكسب لا يستهان به, وتحطيم فعال لروح الخوف, وتغيير لثقافة الرعوي المستسلم التي سيطرت على مجتمعنا خلال مراحل الانظمة الشمولية وهو في نفس الوقت شهادة للنظام بأنه احسن من الانظمة المغلقة.

Email