بيان الاربعاء ــ المنتجون وتكنولوجيا (الانترنت) في الشرق الأوسط

ت + ت - الحجم الطبيعي

يشمل إنتشار الانترنت في الشرق الأوسط شبكات عناصر التكنولوجيا. كما يتمتع المطورون بأهمية خاصة نظراً للوظيفة الاجتماعية للانترنت, وذلك لأن قيمهم هي الأولى التي تنغرس في تكنولوجيا الأنترنت. وتبين الدراسات الميدانية كيف أن الممولين والوكلاء والمنظمين والإداريين والمستخدمين ينصهرون في تكنولوجيا الانترنت ويصبحون منتجين لها أيضاً. وعند هذه النقطة بالذات يتركز نشاط الانترنت في المنطقة, وليس عند نقطة النمو البطيء للمستخدمين. لقد لفت إنتشار الانترنت وتكنولوجيا المعلومات المرتبطة بها في الشرق الأوسط الأنظار بشكل كبير, بسبب تأثيرها على المعرفة والمواقف والممارسات. ويمكن تلمس هذه الآثار في السلوكيات الظاهرة وفي النقاشات المكثفة وفي المؤسسات الجديدة, مثل مقاهي الانترنت التي انتشرت في المدن الرئيسية حيث تشكلت الأفكار عنها مسبقاً مثل اكتساب أية خبرة عملية فيها. ويميل التركيز على التجربة المباشرة للمستخدمين والاستخدامات إلى تبني فكرة سلبية عن إنتشار هذه التكنولوجيا, كما ينظر إلى المنطقة كمجرد متلق أو مستهلك لها, كما لو كان هذا الاستهلاك هو النقطة الوحيدة التي يظهر عندها ما للتكنولوجيا من وظيفة اجتماعية وترجمة للمعاني أو تحديد للخيارات. ولا شك أن للتكنولوجيا دوراً اجتماعياً حتى قبل تحولها إلى (قوة) تحدث (صدمة). لكن فهما أوسع للتكنولوجيا وادواتها في المجتمع يستدعي شمول القائمين على تطويرها وتنظيمهم للعمل, ومؤسسات الرقابة والأشراف, وترجمة الأفكار إلى الآت وأنظمة, ثم العوامل الكفيلة بالاستمرارية, والتغيير في الشبكات البشرية والتكنولوجية. وتشمل تكنولوجيا الانترنت المكونات والعمليات والوسائط التي تحولها إلى شكل ملموس في الشرق الأوسط, وبخاصة في المراحل الأولى حيث ان هذا الانتاج هو الذي يخلق الظروف والاستخدام والاقتصاد والسياسات والثقافات المتعلقة بالأنترنت, أكثر مما يفعله الاستهلاك. وإذا ما استوعبنا هذه العملية فسوف نتمكن بشكل افضل من فهم كيفية إنتشار الانترنت والأسباب الكامنة وراء إنتشارها البطيء في المنطقة. وسبب تركيز المحللين على أثر التكنولوجيا في الشرق الأوسط هو أننا من خلال الأفكار والاستخدامات نستطيع كمستخدمين أن نلمس وجود الأنترنت. أما بالنسبة لمستخدمي الانترنت في الأوساط الدراسية والأكاديمية فقد أدت إلى تغيير في طريقة عملهم, حيث يرى جون أندرسون أن احد الآثار الأولية للانترنت في الشرق الأوسط قد أنعكس على التجربة العملية وعادات الصحافيين والباحثين وهم من المستخدمين الرئيسيين لها. الصندوق الأسود وبالمقارنة مع المعرفة الأقليمية المكثفة التي يتمتع بها اخصائيو المنطقة, فإن التكنولوجيا تميل لتصبح مثل (الصندوق الأسود), وهذه هي خلاصة تجربتنا كمستخدمين للتكنولوجيا لا منتجين لها. وتعتبر منطقة الشرق الأوسط أقل مناطق العالم في نسبة نمو الأنترنت. وتقول أكثر البيانات تفاؤلاً أن هناك مليون مستخدم حسب إحصائيات موردي خدمة الانترنت في إبريل 1999 . أما آخر الأرقام التي تضع هذا الرقم عند مليوني مستخدم (ديسمبر 1999) فتعني أن هؤلاء المستخدمين يمثلون أقل من واحد بالمئة من عدد سكان الدول العربية. وقد تكون نسبة النمو البطيئة هذه (وهي أقل من أمريكا وأوروبا والشرق الأقصى وأمريكا اللاتينية) ظاهرة أولية . وقد أظهرت دراسة المصدر السابق أن المستخدمين هم من الشباب, ومن الذكور في الغالب, ويتمتعون بثقافة علمية وفنية عالية. ووجدت دراسة أخرى أجريت بعد عام ونصف أن نسبة النمو في المدارس الثانوية قد أرتفعت من 17 ــ 27 بالمئة فقط, أما هذه النسبة بين حاملي الشهادات الجامعية فظلت مستقرة بل أنها تضاعفت. وحتى لو دلل ذلك على إتجاه يقترب من التجارب العالمية, إلا أن عدد المستخدمين لا يدل على حقيقة ما يجري عملياً في الوقت الحاضر على أقل تقدير, ولكنه يعطينا جزءاً من الصورة العامة. لقد كانت هناك محاولات منتظمة وشاملة لقياس التأثير لتصنيف الأفراد والمنظمات والمستويات الاجتماعية والمجالات (مثل السياسة والاقتصاد والمهن والعائلات). كما اقترح قياس تأثير التكنولوجيا على المشروعات الصغيرة أو المتوسطة التي تحظى باهتمام خاص من دراسات التنمية. وبالرغم من فائدة هذه المؤشرات إلا أنها تغفل وسائل انتاج التكنولوجيا ومن الذي يقوم بإنشائها. وأعتقد أن هذه المؤشرات تضيع النصف الآخر, على الأقل من الصورة التي يجري في الغالب تسجيلها في البيانات الخاصة بمقاهي الانترنت ومواقع الشبكة ومطبوعات هذه التكنولوجيا. ويحظى استخدام المنشقين السياسيين والمتشددين الدينيين للانترنت الذي يركز عليه اخصائيو المنطقة, بأهتمام أكبر من الجهد العالمي لنشر هذه التكنولوجيا. وهذا الجهد يشمل تطوير البنية التحتية وأدوات التوصيل والتنظيم والتمويل وجانب الخدمات. وتشمل النشاطات أيضاً جهود الفنيين والمسئولين ورجال الأعمال الذين يتفاوضون على تكنولوجيا الأنترنت, والمسئولين السابقين والممولين والمؤسسات المستقبلة لهذه الخدمة أو المشاركة فيها. كما أن التركيز على جانب المستخدمين يبالغ في تصوير وضع المنطقة كمستقبل للتكنولوجيا ويتغاضى عن الحجم العملي للمنتج وإبقائه غامضا , وكذلك عن حجم عملية الأبتكار الخلاق الذي يروج له في الصحافة غير الفنية. ومن المفيد أن يشمل البحث المكونات الاجتماعية والثقافية لهذه التكنولوجيا والتي تتضمن عادات العمل وتنظيم المطورين والتوظيف, والتمويل ودعم الفنيين لأنهم المسئولون عن نشر الانترنت وانتقالها من مهمة لأخرى ومن بلد لآخر. يضاف إلى ذلك أن تركيبة العمل والتعاون التي يعملون من خلالها هي من مستلزمات التكنولوجيا, كما هي المكائن وكيفية تشغيلها. شبكة العناصر ومن أجل توضيح المهمة الكبيرة للتكنولوجيا في الحياة الاجتماعية تشدد دراسات مؤسسة العلم والتكنولوجيا والمجتمع على بسط مفهوم التكنولوجيا إلى أبعد من المكائن ليشمل المنظمات والعمليات وأنظمة الإدارة والتنظيم التي أستثمر فيها (الذكاء) من خلال أشكال استخدامات خطط المطورين, والتي تشترك جميعها في شبكة يدخلها اللاعبون ويخرجون منها وبذلك يساعدون على انتشار الشبكة. وقد طورت مؤسسة العلم والتكنولوجيا والمجتمع إطاراً يعرف بنظرية شبكة العناصر, والتي تنظر إلى الأجهزة كأجزاء في الشبكات التي تشمل المنظمات والمؤسسات البانية لها, والتي تتميز بمواصفات ثابتة ومتغيرة. فما تحدثه مخرجات التكنولوجيا من الخارج الذي يعرف بالصدمة, يمكن أن ينظر إليه بتعقيد أكثر كمقذوفات تتأثر قوة اندفاعها بالكيانات التي تصبح وسائط فاعلة ونشيطة في إنتاج وإعادة إنتاج الشبكة. وفي الحقيقة فإنّ (الصندوق الأسود) للتكنولوجيا بصفته متحولا مستقلا ينفتح على عناصر التكنولوجيا التي تشمل الآلات التي تشكل النظام, والنظام نفسه الذي يتكون من القدرات والمهمات التي ينفذها. ويمكن أن تشمل البنائين الذين لا يخترعون الكثير من الآلات ويشقون طريقهم ببناء المعدات بما يتوفر من مواد وتقنيات, كما تشمل هذه التقنيات والمواد وتركيباتها. أما المبادئ (الذكاء) المدمجة في الانترنت فهي بمثابة عادات العمل للمهندسين ــ الهرمية المنبسطة والمسئولية الموزعة والوصلات المتحركة والنفاذ السريع- التي تسهل التعاون والمشاركة. لقد كانت المواد الأساسية مبينة على كمبيوترات تتقاسم الوقت وتعدد الاستخدامات التي ظهرت في الستينيات, وعلى الاتصال الذي كان أرخص في ذلك الوقت من الكمبيوتر. وصار هذا التحول الذي عرف بتكنولوجيا الانترنت فيما بعد, أكثر إجتذاباً للباحثين والأكاديميين الذين يقومون بالتجارب أكثر من قيامهم بالإدارة. ثم صارت مغرية تجارياً نظراً لقدرة الانترنت على تقليد التجمعات الاجتماعية المبنية على التبادل بدلاً من القيادة والضبط. وعندما إدخلت الاضافات الصحيحة على التكنولوجيا المتطورة الخاصة بتوزيع المعلومات (مثل البريد الألكتروني) والاسترجاع (مثل الفهارس) أصبح بامكان الباحثين من غير المهندسين استخدام الانترنت واجتذاب المصالح غير الفنية إليها. وقد دخلت التجارة إلى عالم الانترنت في الفترة الأخيرة. وهكذا فإن الانترنت أخذت تنمو بإضافة استخدامات جديدة ومستخدمين جدد ليسوا فقط على معرفة بثقافتها وانما يساعدون في اتساع مجالاتها. ثقافة الانترنت ولذلك فإن السؤال الصحيح الذي نواجهه الأن هو كيف نجعل ثقافة الانترنت مألوفة لشعوب ومؤسسات الشرق الأوسط؟ ثم أي جزء من ثقافات الشرق الأوسط دخل الشبكة وبأي شكل؟ ثم من هم عناصر التكنولوجيا؟ والجواب البسيط قد يشمل بروز رواد الشتات متبوعين بالممهدين المحليين ومخططي البنية التحتية وجهود متنوعة ومتناغمة للقاعدة الأساسية. وقد يخطر على البال المراحل المتداخلة وما تميزت به من عوامل محددة: بشر, الآت, أنظمة ومنظمات تابعة لها- حتى نصل إلى نموذج إنتشار يشمل مبادرات الاختراع والابتكار وردود الفعل على مستوى المستهلكين. وقد بدأت اتصالات الانترنت في الشرق الأوسط في السبعينيات في بعض مراكز البحث الوطنية والمختبرات والجامعات. وكانت هذه نقاط اتصالات مع مثيلاتها العالميات ولم تكن مفتوحة أمام الجمهور. ولذلك فإن الفضل يعود إلى رواد الشتات من طلاب التكنولوجيا من الشرق الأوسط, الذين كانوا يدرسون أو يعملون في دول متقدمة شهدت تطور الانترنت في مراحلها الأولى والذين أنجزوا مشروع الشبكة العربية. وقد وضعوا ثقافتهم ومعتقداتهم الدينية على الشبكة, مثلما وضع المهندسون الأمريكان هواياتهم واهتماماتهم على الانترنت من مراقبة الطيور إلى الدين والسياسة. وكان من هؤلاء الرواد المهنيين المهاجرون العرب في امريكا والأمريكان من أصل عربي الذين يشكلون ظلا مشعاً حول الطلاب الأجانب, فهم يشتركون مع مواطنيهم في الثقافة والحنين الثقافي والاهتمام بالعمل في مجال الشبكة, مما يخلق نماذج لثقافات البلد الأم, وجاليات حقيقية لتواصل المغتربين المشتتين والوحيدين. ويتراوح مزودو خدمة المعلومات في الشرق الأوسط من الصحف والخدمات الإخبارية التي توفر محتوياتها من خلال الوسيلة الجديدة إلى مصادر ثانوية تقوم بدورها بتجميع المعلومات المتناثرة. وقد أخذت هذه المصادر زمام المبادرة في إنشاء انترنت الشرق الأوسط, بتركيز خاص على التجارة ومن أوائل هذه الشبكات (أرابيا أون لاين). وهذه المواقع توفر إرشادات لرجال الأعمال والمؤسسات التجارية, كما تعلن عن الخدمات المرتبطة بها أو المملوكة مع آخرين. ولذلك فإن هؤلاء الممهدين في المرحلة الثانية هم الوسيط لنقل التكنولوجيا, ومن بينهم شركات تجارية تجرب الوسيط الجديد وبعض كبار المسئولين لأن تعاونهم كان وما زال حاسماً في إدخال هذه التكنولوجيا إلى دولهم. ففي الأردن على سبيل المثال, انشيء جهاز المعلومات الوطني بهدف تشجيع الأصلاح الإداري والأداء الاقتصادي . كما قامت الحكومة المصرية بإنشاء لجنة من التكنوقراط لوضع رجال الأعمال المصريين على الشبكة بدءاً من تجارة التصدير والاستيراد وانتهاء بالبحث عن البرمجيات كقطاع تنمية محتمل. أما في دول مجلس التعاون الخليجي فقامت شركات الهاتف المملوكة حكومياً بالمبادرة, بينما طلب من الوزارات في سوريا بالترويج للانترنت كسبيل للتحديث. رجال الأعمال والانترنت ويوجد في الدول العربية الصغيرة تحالف غير رسمي وشبكات بين المسئولين في المواقع الاستراتيجية من ذوي الأهتمام بالانترنت منذ سني التدريب في الخارج وبين الشركات الكبيرة ورجال الأعمال الباحثين عن فرص جديدة. ورجال الأعمال هؤلاء غالباً ما تكون لهم قواعد في شركات الأنظمة الحالية التي تسوق الأجهزة والبرامج والتدريب للشركات والمؤسسات العامة, ولذلك فإن الانترنت وتكنولوجيا المعلومات ليست شيئاً غامضاً بالنسبة لهم, أما تأثيرها على مصالحهم فهو من أجل توسيعها. وقليل من هذه الشركات حديثة الإنشاء أو حديثة التمويل, فالتقليل التمويلي المحافظ يحصر الاستثمار بالعملاء الحاليين للمؤسسات المالية, ولذلك فإن أصغر الشركات حتى تلك المصممة لمواقع الشبكة هي في الواقع فروع للشركات التجارية وشركات النشر ولشركات الهاتف, كما في الخليج. وبسبب كون الممارسين لهذا المجال هم قلة فإن نشاطاتهم تستمر بدون عراقيل. وعندما يلتقي هذا النوع من التطور التجاري مع بيروقراطية القطاع العام, فإنه سوف يواجه تحفظات (ثقافية) حول (ملاءمة) محتوى الانترنت وهو محور ضوابط المعلومات في المنطقة. ويثار هذا القلق حول ملاءمة المحتوى بهدف خلق أرضية مشتركة مع السلطات المعرقلة للعمل التي تأخذ طرقها للحد من آثار تكنولوجيا الانترنت على شكل البنية التحتية المحدودة والأسعار العالية مما يؤدي إلى التقنية والذي يؤدي بدوره إلى ضمان الرقابة وضمان دور لهذه السلطات لعناصر الأنترنت. ولا نبالغ لو قلنا هنا أن كثيراً من رجال الأعمال يهتمون بتطويرالتجارة من خلال تكنولوجيا الانترنت أكثر من أهتمامهم بتطوير الانترنت نفسها. ويفضل اللاعبون في مواقع استراتيجية ـ مثل رجال الأعمال الذين يعبرون عن مصالح طبقات نامية والذين يطمحون إلى تحقيق مزيد من الحياة البرجوازية ـ تطوير تكنولوجيا المعلومات كفرصة للحاق بالغرب الذي اضطهد الشرق الأوسط في عصر النهضة الصناعية. وهذا الطموح أمر شائع وحافز قوي للتجريب, لكن الذي يحول دون تحقيقه هي المؤسسات المالية المحافظة والبطء والمستوى المنخفض للاستثمار العام في البنية التحتية, إلا إذا كانت لأجل الأمن الوطني. تجريب في الخفاء ويجري كثير من التجريب في الخفاء. فكثير من تمديدات الانترنت في الشرق الأوسط تمر عبر خطوط الياف وضعت أصلاً للاتصالات العسكرية أو عبر شبكات سابقة لعصر الانترنت (سار أو سيتا التي تستخدمها شركات الطيران, ظ ــ 25 المستخدمة في البنوك, أما البقية فتمر عبر شبكات اتصالات دولية مكلفة). ويعود الفضل في هذا التجريب إلى أصحاب الرؤية البعيدة في الخدمة العامة, والتكنوقراط الذين يتمتعون بخبرة فنية وسياسية لحشد الطاقات من (حَسّاسة) إلى مجرد مكلفة. فالاتصالات في الشرق الأوسط غالية واستراتيجية, فحتى شركات الهاتف المخصخصة لا تزال تحتفظ لنفسها باحتكار محدود بدعوى انتظار الفرصة للعثور على شريك أو مستثمر أجنبي أو (للاعداد) للمنافسة العالمية. وقد حوفظ على الاحتكارات الحكومية السابقة كامتيازات مؤقتة تحدد عمل وأهداف الشركات التي درجت على أعطاء الأولوية لتحقيق مداخيل أكثر من تقديم خدمات. ويتناقض هدف التطور لتحقيق المقاييس العالمية للخدمات مع هدف الخصخصة لبناء اتصالات محلية سريعة. أما الحوافز العلمية أمام شركات الاتصالات اللاسلكية فتتمثل في استغلال الاحتكارات إمّا لضمان تدفق الإيجارات من ناحية وإمّا لتمويل عملية التحديث من ناحية أخرى. ولذلك فإن تطوير البنية التحتية لا يتبع قاعدة (أبنها وسوف يأتون) المطبقة في الولايات المتحدة, بل يتبع بدلاً من ذلك سياسات التنمية الاجتماعية التي تدفع شركات الاتصالات, كعناصر تكنولوجيا, إلى تفضيل أنواع محددة من الانترنت يمكن وصفها بالملائمة لا تعتمد على التمديدات الخارجية التي تثير موضوع الرقابة. ويتوقع الأردن من وراء التشديد على الاستثمار الخاص تمويلاً أجنبيا للبنية التحتية مما يسهل الوصول إلى الأسواق العالمية وعملية التنمية المحلية. أما مصر فتنفذ مشروعاً جزئياً ومبرمجاً, فالحكومة تعمل كوسيط في تشجيع الشركات لأخذ مواقع لها في الشبكة وفي زيادة تدريب المبرمجين والمشغلين وفي تعميم الكمبيوتر على المدارس والمؤسسات العامة الأخرى. استنتاجات إن للتكنولوجيا حياة اجتماعية قبل أن تصبح فاعلة (كقوة لها تأثير) فالآلات هي جزء من أنظمة أصبح تطويرها واستخداماتها والمعاني التي توحي بها مغروسة في التحولات الاجتماعية. أما التركيز على المستخدمين فيميل إلى تصوير الشرق الأوسط كمجرد مستهلك للتكنولوجيا, وتصوير التكنولوجيا كمتحول مستقل, (صندوق أسود). إن فهماً أعمق للتكنولوجيا وأدواتها ينبغي أن يشمل المطورين وتنظيمهم للعمل, والتمويل والضوابط. وعندما ننظر إلى المنتجين بهذه الطريقة فلن تكون هناك خطوط واضحة بينهم وبين المستخدمين. أما بالنسبة للشرق الأوسط فقد أخذت تكنولوجيا الانترنت تنمو على بعدين, أحدهما مؤقت نشأ مع الزمن من رواد الشتات, إلى الحالمين المحليين, إلى تجارة خدمة المعلومات الأقليمية, إلى مخططي ومطوري البنية التحتية, والأن إلى مستوى القاعدة الأساسية للتجارة الفردية والمهندسين. أما البعد الآخر فبنيوي يشمل المسئولين والممولين والمنظمين في المؤسسات المختلفة. وهناك حماس كبير للتنمية التطبيقية (وهو ما يعتقد كثيرون بأن هذا ما تعنيه التكنولوجيا), إلى جانب تحفظات يعبر عنها (بالثقافية) ناجمة عن دخول عناصر تكنولوجيا جدد زيادة على مطوري البرامج والمهندسين. أما التصنيفات التي تنظر إلى المنطقة كمستقبل للتكنولوجيا فتغفل البعد الاجتماعي لتكنولوجيا اجتماعية أصيلة تجمع بين الاتصال والمشاركة. وقد أخذت التحفظات ووجهات النظر المتباينة تظهر مع توظيف عناصر تكنولوجيا إضافية تتركز بشكل أقل على التطبيقات المتنامية بدلا من التركيز على أنظمة الأسناد. وتجسد الآلات بشكل أو بأخر القيم والمصالح أكثر مما تجسده التكنولوجيا الاجتماعية الاصيلة للانترنت التي تطورت كوسيط اتصال مشارك. إنها تكنولوجيا ''اسحب'' مقارنة بتكنولوجيا ''أضغط'' في وسائل الاتصال الجماهيري, وقد سيطرت كثافة التداخل هذه على الأفكار المتعقلة بها. أما المشاركة, فمن الواضح أنها عالية وجلية في تجاوب القارئ مع النصوص, فمثلما يمكن فتح الأخيرة من خلال ربط انتشار الأشكال الأدبية بانتشار وسائل الاعلام, فإن عدد المشاركين في تشكيل شبكات تكنولوجيا الانترنت أكبر من ذلك, مثلما هي الأشكال الأخلاقية التي تشملها العملية. ويعود السبب في الطبيعة المتقلبة لهذه الشبكات لكونها تجمع بين بنية الشبكة وأدوات العناصر, وهي بنية متباينة أكثر مما توحي به التعميمات من وجهة نظر بعض مطوري تكنولوجيا العناصر التي تشكل الشبكة. وفي هذه المرحلة التي يجري فيها ربط الأجهزة بأنظمة مختلفة, فإن أفضل التكهنات حول تطور الانترنت في الشرق الأوسط تتمثل في السياسات الصناعية الحالية وفي أفضل التطبيقات, أما الأشكال التي ستأخذها هذه السياسات والتطبيقات فيمكن تصورها من خلال أشكال التجمعات التي تدخل العناصر معا إلى الشبكات. وبناء عليه, فإن الانترنت في الأردن, بشكل عام, هي جزء من من جهد التنمية التي يقودها القطاع الخاص. في مصر تقوم الحكومة بتسويقها كوسيط لتنمية القطاع الخاص. أما سوريا فتطبق نموذج التخطيط المركزي مع تطبيقات مرحلية بادئة بمشروع ريادي لتقييم الاحتياجات, والقدرات. لكن السعودية تعمل على نموذج اتصال وطني عليه بوابة رقابة تفتح على شبكة الانترنت العالمية متعددة الممرات. وفي كل حال لا ينظر إلى المعايير ''العالمية'' كحقائق مسلم بها, وإنما كثقافات محلية أخرى ترجمت إلى مؤسسات. وتكمن المشكلة في كيفية التفاعل معها كعناصر (بما في ذلك الأجهزة) في نظام أكبر, أو ''بناء على شروطنا'', كما يقول الذين لهم تحفظات كلامية. إن تاريخ الانترنت يدفعنا لأن ننظر إليه نظرة أكثر شمولية. وقد تطورت الانترنت ليس بسبب تجنيد مستخدمين إضافيين, أو إضافة استعمالات لمجموعات مضافة في مرحلة ما مما يجعل ثقافتها أكثر إشكالية مع تكدس هذه الثقافات. وقد توسعت في مجال القيم الثقافية والنماذج التنظيمية التي تستوعبها وتفك رموزها أو تشغلها, وهي قوائم المستخدمين الجدد مع قوانينها وأساليبها, أن ننظر إلى هذه القوانين والأساليب كما لو أنها مسائل (رقابة) نفسية, أو كقضايا ثقافية فقط, ومن الأفضل أن نبحث كيف أصبحت المؤسسات الموجودة عناصر تكنولوجيا في شبكة تطوير تمديدات الانترنت واستعمالاتها ضمن مفاهيم محلية معينة. وسوف يؤدي فهم هذه العمليات التي تسبق ''التأثيرات'' على المستخدمين إلى توحيد هذه العمليات مع المطورين والممولين والمنظمين بطرق أكثر تعقيداً مما كان عليه الحال سابقاً, وهي طرق تعترف بالاجهزة والأنظمة (أ) كعناصر بناء على القيم والنوايا (أو ما يسميه المهندسون بالذكاء) الملحقة بها, و(ب) كأنظمة تتفاعل من خلال العناصر البشرية والمؤسسية. فالتكنولوجيات هي شبكات لهذه العناصر. والعناصر المختلفة (الأجهزة, والأنظمة, والمنظمين والمؤسسات) لها مؤشرات على نقاط مختلفة في العمليات الاجتماعية التي تتغير مكوناتها وضوابطها باستمرار. وكل ما يدور في المنطقة أقرب إلى الإنتشار منه إلى التنمية التي يتطلب تفكيكها إلى عناصرها الأساسية وإلى مساهمتهم في التكنولوجيا, إذا ما أردنا الوصول إلى فهم أفضل للتحولات التي تحدثها التأثيرات حالياً. بقلم جون اندرسون

Email