تجارة الشنط الطبية رائجة والعقاقير تباع في الدكاكين الدواء في لبنان (داء) وبلا رقيب

ت + ت - الحجم الطبيعي

استعصت على كل (الادوية السياسية) معالجة مرض مزمن في لبنان اسمه (الادوية الطبية), فبات المواطن يقول ان (دائي في دوائي), واصبح شعار الحكومات المتعاقبة منذ مطلع الاستقلال عام 1943 حتى الآن: (علتنا في الدواء), وذلك في اشارة الى تراكم الفوضى المتشعبة القائمة في سوقه, والتي فشلت كل العهود والحكومات على معالجتها حتى الآن, رغم ان وزير الصحة الحالي النائب سليمان فرنجية: يأمل خيرا في انتشال الغريق برمقه الاخير حسب تعبيره, مشيرا الى تفاؤله في جدوى السياسة التي ينتهجها على ذلك الصعيد. لكن بعض الذكريات لا تشجع في هذا الاطار, فعندما قرر وزير الصحة الاسبق اميل بيطار, في الحكومة الاولى في عهد الرئيس الراحل سليمان فرنجية عام 1970 (التصدي لدولة الدواء), خاض معركة شرسة مع (ميليشياتها) ادت الى استقالته. ولا يبدو الوضع الراهن اكثر تحريضا على التفاؤل بنجاح اية معركة جديدة قد يخوضها الوزير فرنجية في السياق نفسه. خاصة ان الدواء ما زال في لبنان من دون رقيب, اذ هناك اكثر من 5472 مستحضرا طبيا تخضع للمبادرة الفردية وللنظام الاقتصادي الحر الذي يتحكم به (مافيات) الدواء القادرة على منع الدولة عن تفعيل (المكتب الوطني للدواء). وهي تتشبث اكثر فاكثر بمصالحها باعتبار ان لبنان من اكثر البلدان استهلاكا للدواء الذي يبلغ معدل شرائه فيه سنويا 486 مليون دولار, اضافة الى مع ما يتوافق ذلك من مظاهر سلبية نشطت من تهريب الادوية بواسطة ما بات يعرف (بتجارة الشنطة) برا وبحرا وجوا!. نقابة الصيادلة وتسلط النقيبة السابقة للصيادلة في لبنان الدكتورة ليلى خوري اضواء اخرى على سلبيات الادوية فيه (استيرادا وبيعا) من دون تهميش الكثير من الايجابيات, فتقول: ان الدواء ليس سيئا كما يقال, ولكنه ليس في افضل حالاته, فالامر لا يخلو من عمليات تهريب الدواء, وصولا الى ادخاله بالشنطة. لكن النقابة تحاول قدر المستطاع التدخل في امور هي من صلاحية وزارة الصحة, غير انه في غياب الرقابة والتفتيش نضطر الى التدخل والحلول مكانها. هناك 3 دكاكين دواء لغير صيدليين يتاجرون بالممنوع: واحدة في الشياح, واخرى في عجلتون, وثالثة في الكورة, وقد صدرت في حقها قرارات بالاقفال لكنها لا تقفل, فلم لا تلاحق النيابة الموضوع؟! وهناك جدول للأدوية لكنه لا يتم العمل بموجبه لغياب آلية عمل من الوزارة المسئولة, يطالبوننا بتطبيق الوصفة الطبية لكن كيف وما هي الآلية لها, هل على الطبيب ان يذكر الاسم الكامل والعمر والمدة, واذا كانت تجدد اولا تجدد؟ هل يحتفظ بها الصيدلي؟ نحن نطالب بالوصفة الطبية لانها تحافظ على حقوقنا. وتتحدث خوري عن تصنيع الدواء ولوازمه فتقول: على الدولة ان تشجع تصنيع الدواء وتوجد ضمانات للتصنيع المحلي واسواقا خارجية وتفعيلا للمختبر المركزي حتى يتم فحص كل دواء قبل استعماله او ادخاله الى الوطن ولكنها تستطرد لتذكر بالفوضى في استيراد الدواء: هناك استيراد (مشرعن) للدواء, ولكن هناك ايضا استيراد ضد القوانين بقرارات عشوائية تعطل عمل القانون, من هنا مطالبتنا بان يمر تصنيف الدواء باللجنة الفنية لدراسته ووضع سعره قبل تداوله في الصيدليات, ولنعرض بعض المخالفات: يحتاج احد المرضى الى دواء غير متوافر في الصيدليات اللبنانية فيطلبه من صيدلي يتفق مع الطبيب على ان حاجة المريض هي بدل العلبة الواحدة 50 علبة, فتوافق الوزارة على هذا الامر ويستعمل المريض العلبة الواحدة, والباقي يتم بيعه من دون اي رقابة من الوزارة. مثل آخر: هناك مستوصفات غير خيرية تستعمل ادوية لا تمر بوزارة الصحة, او يكون ممنوعا التداول بها, فتبيعها او تصرفها منتهية الصلاحية في اكياس وعلب غير قانونية. وتحذر خوري من الاسعار المرتفعة للدواء فتقول: ان معظم الادوية الموجودة في الصيدليات, والتي يفوق سعرها الـ 20.000 ليرة لبنانية, هي ادوية غير مسجلة وغير موجودة ضمن اللائحة الاساسية للدواء التي تشرف عليها وزارة الصحة وتصدرها من مدة الى اخرى بالسعر القانوني للبيع في كل الصيدليات, ولو كان المكتب القانوني للدواء قائما, بفعالية لتدنى سعر الدواء كثيرا. وعلى هامش موضوع الدواء رأت نقيبة الصيادلة ان الشكوى من الجدول الجديد للمناوبة بين الصيدليات مبالغ فيها اننا نقوم بتطبيق القانون, وعلى الصيدلي ان يرتاح, ويمنع عليه فتح الصيدلية من دون وجود صيدلي مجاز فيها, فقد بدأنا بتطبيق المناوبة السبت والاحد وسنكملها على مراحل لتشمل كل ايام الاسبوع. ومن يقل ان بعض المواطنين لا يجدون الدواء خلال العطلة الاسبوعية يفعل ذلك لمصالح شخصية. في الاشرفية, مثلا كانت 4 صيدليات فقط تفتح ابوابها, اما الآن ووفق الجدول تفتح 14 صيدلية هناك 350 صيدلية تفتح في لبنان يوم الاحد, اي يوم العطلة الاسبوعية. تجربة نيابية مريرة النائب السابق الدكتور اسماعيل سكرية, الذي عانى الامرين من فتح ملف الدواء والصحة اثناء ولايته النيابية يقول بأسى: راجعت ملفات اللجنة الصحية النيابية طيلة 9 اعوام, واكتشفت انه لم يجرؤ احد على طرح المشكلات الصحية. فقد أنشئت المستشفيات الحكومية لتخفف من تعاقد الوزارة مع القطاع الخاص, لكن الذي حصل العكس, فمستشفى النبطية كلف انشاؤه ملايين الدولارات, وبدلا من ان تخفف الوزارة من التعاقد مع المستشفيات المحيطة, كمستشفى غندور ومستشفى النجدة الشعبية, بقي عدد الاسرة على حاله, وتضخمت الفواتير بدون اي ضابط او رقيب. هل تجرأ احد على ذكر الـ 4 ملايين دولار التي سرقت وكانت مخصصة لمستشفى الهرمل الحكومي؟ لقد تم تعيين مجالس ادارية للمستشفيات الحكومية لكنها كانت رهنا بالتوصيات السياسية والتنفيعات, فالوضع الصحي اصبح كما اسميته سابقا (وحشا قاتلا) يجب ترويضه, اما الدواء فحدث ولا حرج, اذ اصبحت وزارة الصحة (محرقة للنفايات), فمنذ مدة عقدت الوزارة صفقات لشراء ادوية كان قد اشتراها احد المستوردين واقترب موعد انتهاء صلاحيتها, فاضطرت الوزارة الى احراقها. واضاف سكرية: لقد اسقطت كل المحاولات, وطوعت معظم القوانين, ونسف عدد منها بمراسيم, وعطلت اجهزة الرقابة على الدواء وفي مقدمتها المختبر المركزي, وفتح باب الاستيراد على مصراعيه, مما اغرق السوق اللبنانية في مختلف اصناف الادوية, الجيد منها والمشبوه, وعلى رأس هذه المحاولات اجهضت فكرة المكتب الوطني للدواء التي تحركت (شعارا) منذ عام 1971 لان هذا المكتب لو فعل لوفر على فاتورة الدواء 2000 مليون دولار, باعتبار ان فاتورة الدواء بلغت عام 1999 زهاء 467 مليون دولار, الواقع ان كل اشكال المعوقات وضعت في طريق المكتب الوطني للدواء كي لا (يقلع) تصوروا ان شخصا واحدا كان رئيس مجلس الادارة والمدير ومالك صلاحيات عقد الصفقات! كما ان الرقابة المالية كانت مؤخرة! انها الغام مقصودة وضعت في قلب الادارة لنسفها. ثم ان غياب المختبر المركزي الفاعل من شأنه ان يحول مكتب الدواء تاجرا جديدا في السوق ويفقد مصداقيته وثقته. ويؤكد سكرية ضرورة تحرك المجلس النيابي: فالمبادرة الفردية التي يتحدثون عنها اصبحت شطارة فردية على قاعدة تجارية. وغياب الرقابة وتغلغل الفساد في الادارة اديا الى وجود كم هائل من الادوية والفيتامينات غير الضرورية. فهناك 6200 دواء وفق منظمة الصحة العالمية, مع ان الحاجة هي فقط الى الفي دواء, وهذا ما يسمى باللائحة الاساسية, كما لدينا 110 انواع (امبيسيلين) وقسم كبير منها ذو فعالية مشبوهة, ولدينا 1000 صنف من الفيتامينات, مع ان الحاجة وفق اطباء المستشفيات الاكاديمية هي الى 100 صنف فقط, كما يطالب بالحاح تعميم الثقافة الدوائية على الناس حتى لا يتقبلوا كل انواع الادوية التي تعرض عليهم.

Email